الأحد 22 كانون الأول (ديسمبر) 2013

آن أوان إنهاء الانقسام الفلسطيني

الأحد 22 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par علي جرادات

في تاريخها شهدت الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة محطات من الخلاف السياسي الحاد أفرزت تأسيس تشكيلات سياسية معارضة وأحياناً مناهضة لتفرد قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، ولسياستها في إدارة الصراع مع الكيان الصهيوني، عموماً، ولمواقفها من التسوية السياسية وشروطها ومرجعيتها وجهات رعايتها وعلاقتها بالمقاومة وميزان القوى المطلوب توافره قبل قبول الدخول فيها، خصوصاً . أجل، أفرزت تجربة الخلاف السياسي الفلسطيني في سبعينات وثمانينات القرن الماضي تأسيس “جبهة الرفض” و“جبهة الإنقاذ” و“التحالف الديمقراطي” وغيرها من التشكيلات . لكن أياً منها لم يتحول إلى إطار موازٍ للإطار السياسي الوطني الجامع منظمة التحرير الفلسطينية، أو إلى احتراب مدمِّر يغلب التناقض الداخلي الثانوي على التناقض-الصراع- الرئيسي مع الكيان الصهيوني، أو إلى أيٍ من أشكال الانزلاق التي تتناقض مع شروط وحدود وضوابط الخلاف السياسي الممكنة في واقع شعب يعيش مرحلة تحرر وطني ولما يحرز انتصاره الحاسم على عدوه بعد .
أما لماذا لم يتم تجاوز هذه الشروط والحدود والضوابط الوطنية في التجارب آنفة الذكر؟ ببساطة لأن الخلاف كان فعلاً خلافاً سياسياً، ولأنه كان هناك على جانبي الخلاف قيادات وطنية كبيرة يحركها الحس العالي بالمسؤولية والحرص الوطني والوعي الاستراتيجي لمقتضيات الصراع ولمخاطر تحويل الخلاف السياسي إلى خلل بنيوي داخل التركيب الوطني . وهو ما كان يمكن لقيادتي حركتي “فتح” و“حماس” تفادي حدوثه وتفاقمه منذ سنوات لو أن ما بينهما مجرد خلاف سياسي . لكن يبدو أن ما بينهما أعمق وأخطر . كيف لا بينما يعرف القاصي والداني أنهما سوياً حولتا ما بينهما من خلاف سياسي إلى انقسام جغرافي ومجتمعي و“حكومي” و“تشريعي” وأمني؟! وأين؟ بين الضفة وقطاع غزة، بينما يعلم الجميع علم اليقين أنه منذ احتلال “إسرائيل” للضفة وغزة وفصل مصيرهما السياسي والقانوني على رأس جدول أعمال الأحزاب الصهيونية كافة، ومحط إجماع استراتيجي بين الحزبين الصهيونييْن الأساسييْن، “العمل” و“الليكود”، عوضاً عن الأحزاب الصهيونية الفاشية الجديدة مثل حزب ليبرمان- “إسرائيل بيتنا”- وحزب نفتالي بينت، “البيت اليهودي” . ولتبيان ما ينطوي عليه الفصل السياسي والقانوني بين الضفة وغزة بأيدٍ
فلسطينية من عواقب وطنية وخيمة تجدر الإشارة باقتضاب إلى:
شهور بعد احتلال “إسرائيل” لأراضي الضفة وغزة في العام 1967 اعتمد حزب العمل الصهيوني الحاكم آنذاك “مشروع آلون” الشهير، استراتيجية سياسية لاستيطان هذه الأراضي وتهويدها والسيطرة عليها وتقويض إمكانية قيام دولة فلسطينية عليها . وكان لافتاً تركيز المشروع- بعد ضم القدس- على بناء المستوطنات في الضفة، وعلى طول حدودها غرباً، (“الخط الأخضر”)، وشرقاً، (الأردن)، بالذات . هذا بينما ركز،(المشروع)، بناء المستوطنات في غزة على حدودها شرقاً وجنوباً، إنما بكثافة أقل بكثير جداً منها في الضفة، ما وشى منذ البداية باستعداد حزب العمل التخلي عن قطاع غزة باستثناء الشريط الحدودي مع مصر، وتسليمه لمن يقبل تأبطه مفصولاً عما تتركه كثافة المصادرة والاستيطان والتهويد لأراضي الضفة .
أما حزب الليكود فقد اعتمد منذ توليه السلطة في العام 1977 “مشروع دبلس” استراتيجية سياسية للمصادرة والاستيطان والتهويد . وكان لافتاً أيضاً تركيز هذا المشروع، (عدا توسيع خريطة حدود القدس)، على بناء كتل استيطانية تقطع أوصال عرض الضفة وتفصل بين شمالها ووسطها وجنوبها، أي أن “مشروع دبلس” الليكودي استهدف تقطيع أوصال عرض الضفة بعد أن ملأت مستوطنات “مشروع آلون” جانبي طول حدودها الشرقية والغربية .
إذاً، ثمة دلالة سياسية كبيرة خلف تركيز حزبي “الليكود”، وهو الأكثر تشدداً أيديولوجياً وتطرفاً سياسياً، و“العمل”، على الاستيطان في الضفة أكثر بكثير منه في غزة . ذلك من دون أن ننسى دلالة أن حزب الليكود يعتبر أراضي الضفة-مثل أراضي القدس- “جزءاً من أرض”إسرائيل“التاريخية” التي لا يجوز بحال من الأحوال التخلي عن شبر واحد منها، عوضاً عن دلالة أن شارون الليكودي، و(“جرافة” الاستيطان الصهيوني بلا منازع)، هو من أخلى مستوطنات غزة من طرف واحد، ما يعني أن اتفاق الحزبين على فصل الضفة عن غزة اتفاق استراتيجي تماماً مثلما هو اتفاقهما على ضم القدس ورفض حق عودة اللاجئين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وسيدة على حدود الرابع من يونيو/ حزيران، وأن خلافهما التكتيكي إنما يتمحور حول سبل حل “معضلة” من يتبقى على أرض الضفة من سكان بعد تهجير ما أمكن منهم قسرياً، (الترانسفير) . ففي حين يرى حزب العمل حل “معضلة” هؤلاء السكان بالسماح لهم بإقامة “سلطة” “حكم ذاتي إداري” وربما “إقليمي” تحت سيادة “دولة” “إسرائيل”، يرى حزب الليكود الحل باعطائهم حاجة، (وليس حق)، ادارة شؤون مجالسهم البلدية والقروية، تحت سيادة “دولة” “إسرائيل” أيضاً . هذا بينما يرى قادة حزبيْ “إسرائيل بيتنا” و“البيت اليهودي” الفاشييْن بتأييدٍ من أجنحة حزب الليكود الأكثر تطرفاً وتشدداً حل “المعضلة” بإقامة “سلام يوفر الأمن ل”الإسرائيليين“والاقتصاد للفلسطينيين”، في الضفة من دون القدس، وبانفصال عن غزة، طبعا، بل وشريطة الاعتراف ب“إسرائيل” “دولة للشعب اليهودي على أرضه التاريخية”، أيضاً .
بقي القول: إن كان كل ما تقدم حول إصرار الأحزاب الصهيونية السائدة على فصل الضفة عن غزة لم يمنع طرفي الانقسام الفلسطيني الداخلي من ارتكاب خطيئة فصلهما بأيديهما، فهل يحثهما على التراجع عن هذه الخطيئة قبل فوات الأوان، إن لم يكن قد فات فعلاً، الخطر الفعلي على القضية الفلسطينية الذي يحمله الاقتراح الرسمي العلني والصريح لرئيس الولايات المتحدة، أوباما، والقاضي بتأبيد وترسيم فصل الضفة عن غزة بحيلة اقتصار المفاوضات حول “الحل النهائي” على الضفة وترك غزة إلى حين غير محدد، أي كما تريد بالضبط حكومة المستوطنين القائمة بقيادة نتنياهو-ليبرمان، بل كما خططت سياسياً ونفذت ميدانياً منذ العام 1967 حكومات “إسرائيل” المتعاقبة بالاستناد إلى مشروعيْ، (وللدقة استراتيجيتيْ)، “آلون” و“دبلس” آنفي الذكر؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2177863

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2177863 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40