الاثنين 5 تموز (يوليو) 2010

منْ يريد تصفية «الأونروا»؟

الاثنين 5 تموز (يوليو) 2010 par نقولا ناصر

ربما لا يتذكر الكثيرون اليوم أن دولة الاحتلال «الإسرائيلي» قد أدلت بصوتها جنباً إلى جنب مع الدول العربية مؤيدة للقرار رقم 302 الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول عام 1949 بإنشاء الأونروا، وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، بقدر ما لا يدرك الكثيرون أيضاً أن تصفية الأونروا قد تحولت إلى مطلب معلن تسعى إليه دولة الاحتلال حثيثاً اليوم، وهذا مجرد غيض من فيض التناقضات التي ينطوي عليها تأسيسها واستمرارها حتى الآن .

ومنذ بدأت الأونروا عملياتها الميدانية في الأول من مايو/ أيار عام 1950، لم تكن مجرد مؤسسة أممية «خدمية» بقدر ما كانت أيضاً عنواناً سياسياً ملموساً على الأرض يستهدفه اللاجئون الفلسطينيون وإخوانهم من غير اللاجئين، لإعلان سخطهم على الأمم المتحدة المسؤولة عن نكبتهم عام 1948 عندما أصدرت جمعيتها العامة قرارها رقم 181 بتقسيم وطنهم التاريخي في 29/11/1947، بقدر ما كان هذا هو العنوان نفسه الذي يصطفون أمام أبوابه للحصول على ما يسد الرمق من فتات المجتمع الدولي الذي خلق مشكلتهم، للبقاء على قيد الحياة إلى أن يفرجها الله، وفي الوقت نفسه للاحتجاج على القصور المزمن في الخدمات الإنسانية التي يقدمها هذا العنوان لهم، في تناقض واضح مستمر آخر .

والتناقض الثالث يظهر جلياً في كون الدول الغربية، وبخاصة الولايات المتحدة والأوروبية منها، المسؤولة عن إصدار قرار التقسيم «غير الملزم»، الذي سخرت كل إمكاناتها لتحويله إلى قرار ملزم ثم إلى أمر واقع مفروض بالإكراه على الأرض، هي نفسها التي حالت حتى الآن دون تطبيق قرار آخر متزامن تقريباً هو قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الذي اعترف بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض، بادعاء أن قرارات الجمعية العامة «غير ملزمة» . لكن هذه الدول ذاتها ما زالت «ملتزمة» بتمويل الأونروا التزاماً بقرار إنشائها المفترض أنه غير ملزم بدوره، ما يثير أسئلة جادة حول النوايا السياسية الحقيقية لهذه الدول لا تجد حتى الآن أجوبة منطقية مقنعة تفسر تناقضاتها غير استمرار التزامها بدولة المشروع الصهيوني في فلسطين، وبتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، لأن استمرارها يمثل التهديد الأكبر لاستمرار هذا المشروع .

لذلك لا يمكن تجاهل هذا الإطار العام التاريخي عند البحث عن «الفاعلين» في إحراق المخيم الصيفي للأونروا في قطاع غزة في الثامن والعشرين من الشهر الماضي والإحراق المماثل في الثالث والعشرين من الشهر الذي سبقه . إن إعلام دولة الاحتلال «الإسرائيلي» والإعلام الغربي المناصر لها يروجان توجيه الاتهام إلى «عناصر إسلامية» فيضربان بذلك عدة عصافير بحجر واحد، إذ يجري ربط أمثال عمليات التخريب هذه بالدين الحنيف أولاً، ويجري ثانياً التلويح أو التصريح باتهام حركة المقاومة الإسلامية «حماس» للإيقاع بينها وبين الأونروا وتشويه صورتها وزعزعة الأمن في منطقة تتولى مسؤولية الأمن فيها في الوقت نفسه، لكن الأهم ثالثاً هو حرف الأنظار بعيداً عن المستفيد الرئيسي الأول والأخير من استهداف الأونروا وعبرها استهداف الأمم المتحدة نفسها .

ما يعزز وجود الأصابع الخفية لدولة الاحتلال تزامن إحراق مخيم الأونروا مع حملة متصاعدة ضد بان كي مون التي يشنها الإعلام الصهيوني والغربي المناصر له ويلحظها المراقب بسهولة هذه الأيام، خصوصاً لإصراره على الدعوة إلى تحقيق دولي مستقل في الهجوم على أسطول الحرية لغزة، سعياً من دولة الاحتلال إلى تمييع هذه الدعوة ليكون مصيرها مثل مصير دعوة كي مون إلى إجراء تحقيق في العدوان على مقر الأونروا بغزة أوائل العام الماضي .

إن الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الغربية الأخرى لا يمكن أن تكون قد دعمت إنشاء الأونروا نتيجة لصحوة ضمير، أو تعبيراً عن الإحساس بالذنب بسبب دورها في النكبة الفلسطينية ومسؤوليتها المباشرة عن خلق مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، بل ينطبق عليها المثل العربي القائل «كمن يقتل القتيل ويمشي في جنازته»، فقد استهدفت من إنشاء الأونروا التغطية على هذا الدور . ويبدو اليوم أن الأونروا قد استهلكت دورها في رأي هذه الدول، لذلك نجدها منذ بدأت ما تسمى «عملية السلام» تشح في تمويلها لها، بحيث باتت الأزمة المالية للأونروا مزمنة، وخدماتها تتقلص باستمرار، وأصبح التهديد بتوقفها عن العمل بسبب النقص في التمويل تهديداً واقعياً اليوم، ولا يمكن تفسيره أبداً خارج إطار مساعي هذه الدول لإنهاء الصراع العربي الصهيوني على فلسطين عبر «حل الدولتين» المقترح والمرتكز أساساً على تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين التي ستنتهي بمجرد نجاح هذه المساعي لحل «المشكلة الفلسطينية»، كما قال مؤخراً المفوض العام الجديد للأونروا فيليبو غراندي، متجاهلاً الحقيقة الموضوعية التي أفشلت كل مساعي السلام حتى الآن وهي أن هذ المشكلة لا حل لها طالما تقوم على تجاهل حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة .

كما لا يمكن تفسير أزمة الأونروا المالية خارج إطار مساعي دولة الاحتلال الحثيثة لحلها ونقل صلاحياتها إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العالم، وتساوق هذه الدول الغربية مع هذه المساعي لسببين رئيسيين: الأول أن تعريف المفوضية للاجئ يقتصر عليه ولا يمتد ليشمل أولاده وأحفاده، وحسب إحصاءات دولة الاحتلال لم يبق على قيد الحياة من حوالي مليون لاجئ فلسطيني أصلي إلا قرابة مائتي ألف لاجئ تتوقع دولة الاحتلال أن يتناقص عددهم كثيراً إذا ما قدر لعملية السلام التي تجري محاولات إحيائها الآن أن تتوصل إلى اتفاق أصبح من شبه المؤكد حالياً أن التفاهمات التي تم التفاوض عليها فيه تعطي لها الحق الحصري في اتخاذ القرار باستيعاب قرابة مائة ألف لاجئ فلسطيني على أسس «لم الشمل» الإنساني وعلى مدى سنوات طويلة .

والسبب الثاني أن المفوضية تسعى إلى تسهيل إعادة توطين اللاجئين حيثما انتهى إليه مصيرهم، ولا تُعنى كثيراً بأي حق لهم في العودة إلى مواطنهم الأصلية، وبالتالي فإن دولة الاحتلال هي المعنية أساساً بتصفية الأونروا، بينما تجمع على استمرارها لأسباب خدمية وسياسية على حد سواء كل قوى حركة التحرر الوطني الفلسطينية، ناهيك عن اللاجئين أنفسهم المستفيدين من خدماتها، بالإضافة إلى كل الدول العربية المضيفة وغير المضيفة للاجئين الفلسطينيين .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2166097

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2166097 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010