الثلاثاء 17 كانون الأول (ديسمبر) 2013

مانديلا: الدروس والنفاق الصهيوني

الثلاثاء 17 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par د. فايز رشيد

شيعت جنوب إفريقيا وكل محبي الحرية في العالم، بحزن بالغ الزعيم والمناضل الكبير نلسون مانديلا، الرمز الكبير في النضال ضد العنصرية والتمييز العنصري . مانديلا الذي سجنه نظام الفصل العنصري 27 عاماً قضاها في الزنازين والأشغال الشاقة . هذا المناضل لم يكن تأثيره محدوداً ببلده وقارته: إفريقيا بل امتد تأثيره إلى كافة حركات التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية . امتدّ تأثيره إلى منطقتنا العربية، فكان من أكبر مؤيدي القضايا الوطنية العربية، وكان من أكثر المدافعين عن أهداف وحقوق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، فهو القائل: “بأن حريتنا في جنوب إفريقيا ستظل منقوصة طالما لم يتحرر الشعب الفلسطيني” . تجربة مانديلا وحزبه “المؤتمر الوطني الإفريقي” في النضال ضد الأبارتهايد تستحق أن تحتذى من كافة حركات التحرر الوطني وبالأخص ساحتنا الفلسطينية وقضية شعبنا العادلة ضد الجلاد الصهيوني الذي امتلك أفضل العلاقات مع النظام العنصري في جنوب إفريقيا، ومع كل الفاشيين في العالم . هذه التجربة تشي بدروس كبيرة وكثيرة، لعل أبرزها:
* أولاً: الصلابة النضالية والكفاحية لتحقيق الأهداف الوطنية للنضال والكفاح الشعبي التحرري . يقول مانديلا في الكتاب الصادر عنه بعنوان “رحلتي الطويلة من أجل الحرية” والذي هو عبارة عن مذكراته: بأن النظام العنصري عرض عليه أثناء فترة سجنه: إطلاق سراحه ورفاقه من السجن مقابل قبولهم بحكم ذاتي للسود في جنوب إفريقيا . رفض مانديلا العرض وأفهم ممثلي النظام بأن حزبه لا يقبل بالحلول الوسط، وأنه ورفاقه سيستمرون في النضال من أجل حرية شعبهم الكاملة . لقد فضّل البقاء في السجن على المساومة على حقوق شعبه الوطنية وعلى حريته . هذا ما قاله للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أثناء زيارة الأخير لجنوب إفريقيا بعد التحرر .
ثانياً: المواءمة والمزاوجة بين المقاومة وعلى رأسها الكفاح المسلح وبين النضال السياسي . لقد رفض مانديلا بعد إطلاق سراحه، وأثناء زيارته للولايات المتحدة، وقف الكفاح المسلح في جنوب إفريقيا الذي يخوضه المؤتمر الوطني الإفريقي وكافة الأحزاب والجهات المؤتلفة معه، ضد النظام العنصري، عندما طالبه الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون بذلك، في المؤتمر الصحفي بين الطرفين في حديقة البيت الأبيض (لم يكن مانديلا رئيساً عندها . كان هذا قبل إبرام اتفاق مع نظام الفصل العنصري) لقد أجاب مانديلا يومها: “سنظل نقاتل حتى تحقيق انتصار شعبنا واعتراف النظام العنصري بحقوق شعبنا الوطنية: في الحرية والاستقلال والمساواة” .
ثالثاً: الانسجام التام بين الاستراتيجية النضالية كهدف أخير وبين التكتيك السياسي الممارس . لقد حازت السياساسات التي انتهجها الحزب بقيادة مانديلا التعاطف الكبير من شعوب العالم أجمع، وكذلك من الدول المؤيدة للحرية وللنضال التحرري لشعب جنوب إفريقيا من السود . كان لهذا التعاطف أكبر الأثر في عمل العديد من المنظمات والهيئات الدولية لتشديد الحصار والمقاطعة لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا .
كانت لهذه المساندة تداعيات أيضاً، أبرزها: أن شعوب الدول الاستعمارية التي امتلكت علاقات مع العنصريين في جنوب إفريقيا، ضغطت على حكومات بلدانها، من أجل مقاطعة نظام الفصل العنصري، تماماً مثلما حدث مع الثورة الفيتنامية قبل اضطرار الولايات المتحدة للانسحاب مهزومة من فيتنام .
* رابعاً: التجربة الوطنية الجنوب إفريقية في حشد كل القوى الوطنية الاخرى، في معركة النضال التحرري للشعب أو ما يسمى “بالجبهة الوطنية العريضة” . لقد قاتلت العديد من الأحزاب الجنوب إفريقية تحت راية المؤتمر الوطني الإفريقي، بما في ذلك: الحزب الشيوعي . لم يضع مانديلا فيتو على أي حزب يؤمن بأهدافه النضالية . كان ذلك إلى الحد الذي جرى اتهام مانديلا من قبل جهات معادية كثيرة، بالانتماء إلى الحزب الشيوعي . من جهته نفى مانديلا الاتهامات لكنه كان يستطرد بأن حزبه يعمل جنباً إلى جنب مع الحزب الشيوعي، وبعد التحرر سيقرر الشعب ما ومن يريدهم حكاماً له .
* خامساً: بعد الانتصار أجريت انتخابات كانت غاية في النزاهة والشفافية باعتراف كل المراقبين الدوليين، الذين أشرفوا على العملية الانتخابية . شارك فيها السكان البيض (ومنهم الذين اضطهدوا السكان السود تاريخياً ولسنوات طويلة . لم يتعامل مانديلا أو حزبه بقانون رد الفعل مع البيض، وهو ما أذهل العالم آنذاك! من ناحية ثانية: تسلم مانديلا الحكم لولاية واحدة . لم يقبل بكل طلبات التجديد له . آثر الانسحاب من العمل السياسي العام، وترك الراية للآخرين . كان عظيماً في ذلك، وبالفعل تجربته جديرة بالاحتذاء بها .
على صعيد آخر، بعض الدول مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والحليفة الصهيونية كانت حريصة على إظهار حزنها الشديد على وفاة مانديلا! للأسف فإن هذه الدول امتلكت أفضل العلاقات مع النظام العنصري في جنوب إفريقيا . كانت لها علاقات متميزة مع النظام العنصري، وكانت تمده بالأسلحة ومنها تلك التي كانت تستعمل كوسائل تعذيب للجنوب إفريقيين من السود . هذه الدول في أحيان كثيرة وقفت ضد مقاطعة النظام العنصري واليوم تبكي على مانديلا! إن في ذلك نفاقاً ورياء . دموعهم مثل دموع التماسيح كاذبة! لم يتم رفع اسم مانديلا من قائمة الإرهاب إلا في عام 2004 . أما النظام الصهيوني فحدث ولا حرج فقد امتلك أقوى الوشائج مع النظام العنصري: علاقات اقتصادية وتجارية (وبخاصة على صعيد تجارة الماس المشتركة بين الدولتين)، وامتلكت “إسرائيل” علاقات سياسية متطورة مع النظام العنصري، كانت إفريقيا الجنوبية حينها الحليف الأكبر له . امدّته باليورانيوم، وأسهمت في تعليمه وطرق تخصيبه . وللجانبين أبحاث مشتركة في الصواريخ البعيدة المدى وبخاصة تلك الحاملة للرؤوس النووية . وافقت جنوب إفريقيا العنصرية على تجربة “إسرائيل” للصواريخ في صحرائها .
اليوم يبكي نتنياهو على مانديلا ويؤبنه بكلمات غاية في (التأثر والحزن)، ويصفه “بأنه الزعيم الذي لن يكرره التاريخ”! لقد تذرّع نتنياهو بعدم المشاركة مباشرة في جنازة مانديلا بسبب التكلفة المالية الباهظة! أما رئيس الكيان بيريز فتذرّع بالأسباب الصحية! إنها الأعذار التي هي أقبح من ذنب . لقد كشفت الصحف الصهيونية حقيقة سبب عدم مشاركة المسؤولين “الإسرائيليين” الاثنين “بسبب عدم رغبة المسؤولين الجنوب إفريقيين بمشاركتهما”، لذلك جرت المشاركة الصهيونية في التشييع عن طريق رئيس الكنيست، وكان ذلك في آخر لحظة . للعلم فقط أن المؤسسات الأكاديمية الجنوب إفريقية ما زالت تقاطع المؤسسات الأكاديمية “الإسرائيلية” . نقول ذلك، من أجل معرفة حقيقة العلاقات بين جنوب إفريقيا وبين الكيان الصهيوني حالياً . ثم من أجل إلقاء الضوء على الأسباب الحقيقية لعدم مشاركة كل من نتنياهو وبيريز في تشييع الزعيم مانديلا .
يبقى القول إن مظاهر الحزن التي جرى التعبير عنها في جنوب إفريقيا، وفي دول عديدة في العالم، ومشاركة مسؤولين من تسعين دولة، بينهم رؤساء دول هي تعبير حقيقي عن تقدير العالم لهذا الزعيم .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 52 / 2181440

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2181440 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40