الاثنين 16 كانون الأول (ديسمبر) 2013

الربيع المتجمّد العربي

الاثنين 16 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par أمجد عرار

العاصفة “أليكسا” جمّدت كل شيء في المناطق التي ضربتها، وكلّها في دول تشهد أعاصير أمنية، أعاصير “الربيع” منذ ثلاث سنوات . “أليكسا” عطّلت مدارس وجامعات ووزارات ودوائر، ومنعت جني محاصيل، وتسببت بإلغاء أنشطة وبرامج وغيّرت أجندات وخططاً، وأجّلت زيارات وأوقفت رحلات طيران . وحدها أنشطة القتل والتفخيخ والتفجير والخطف التي استمرت دونما تأثّر بالعاصفة، بل ربما تصاعدت أكثر مستفيدة من تجمّع العائلات تحت سقف واحد، ما وفّر الفرصة لذبح الفرائس وتسهيل الخطف الجماعي، ورفع عدد ضحايا القصف .
الفصول تتوالى في مداورة رباعية الأدوار سنوياً، لكنّها بلغة الموت والدمار ظلّت فصلاً واحداً مصبوغاً بلون الدم، وإن ارتفعت حرارة الطقس أو انخفضت تبقى مشاعر الرحمة والإيمان ووخز الضمائر والإحساس بالمسؤولية الجماعية، عند درجة التجمّد . أبناء الضفة الفلسطينية يلهون بالثلج ويلتقطون له ومعه الصور ويفرشون بها صفحات الإنترنت، فيما الآلاف من أبناء جلدتهم في غزة يفترشون الفيضانات ويلتحفون برداً يفتك بالفولاذ . القوى السياسية الفلسطينية أبقت على جريان التيار الانقسامي بأعلى جهد، فيما أهل غزة وبعض أهل الضفة بلا كهرباء، وما زال قطبا الانقسام متنافرين، وبرهنا على أن قطبية الانقسام أشد وطأة من أي منخفض قطبي .
اللاهون بالثلج في الضفة والمنشغلون بنقل أطفالهم بالقوارب في الشوارع التي تحوّلت إلى أنهار في غزة، ليس لديهم الوقت للتفكير بالمنسحقة قراهم في النقب المنكوب بالعنصرية . وإذا كانت منازل البدو الفلسطينيين في النقب الصحراوي نجت من عواصف الثلج، فإنها لا تنجو من اجتياحات “برافر” . وإن كانت أرض الجنوب الفلسطيني لا تكسوها الثلوج، فالعالم “الحر” يغطيها بالصمت واللامبالاة، والعالم العربي يغمرها بالبيانات والأبخرة المتطايرة من الأفواه الساخنة للمذيعين والمحاورين والمحلّلين التكتيكيين والاستراتيجيين .
من سوريا وفيها اللاجئون يتدفّقون بكل الاتجاهات، ومياه الأمطار تتدفّق في الخيام التي نجت من تراكم الثلج . إمدادات الأسلحة ما زالت على تدفّقها، ووحدها الأسلحة “غير الفتّاكة” التي توقّفت، أما الفتك فيحافظ على استمراريته . وحدها المساعدات الإنسانية الموعودة لم تتدفّق مثلما يتدفّق السلاح لتستمر النار في سوريا، وإن خف أوارها تشتعل في مصر التي يحرقها ضالون باسم الشريعة والشرعية، ويعيدون أبناءها إلى بيوتهم في صناديق الخشب باسم صناديق الاقتراع .
في هذه الأجواء الملبّدة بغيوم سوداء تتقن السخرية من “الربيع”، لا تتبقى لبرق الشعارات أية إضاءة، ولا يصمد سوى رعد الأسئلة الملحّة الذي يقصف مع الطائرات والمدافع والهاونات وينفجر مع السيارات ودراجات الأطفال، ولا يحز في نفوس المتفرجين أن يفعلوا ما تفعله سكاكين تحز الأعناق، في حين ينشغل مخرجو الصورة بالتكبير والتصغير .
أي منخفضات ننتظر أعمق من حفر الفوضى التي وقعنا فيها؟ أي عواصف جوية نرتجي وما زال أشباه المثقّفين يعتبرون قتل الناس والحجارة والتاريخ والحضارة عصفاً ذهنياً؟
إنه “ربيع” التأرجح بين أحمرار الدم وبياض الثلج واسوداد المرحلة، لكن لا اخضرار فيه ولا تفتّح زهور، وما زالت فتاوى الموت من أوكار ال “السي آي إيه” وال “موساد” توضع على ألسنة الدجّالين وتجار الدم لتنشر الموت والخراب وعبودية الرعب، وباسم حياة العباد وإعمار البلاد لا تمنح الحرية إلا للجراد يعرّي سيقان الزمن العربي من لحاء الكرامة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2178590

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2178590 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40