الأحد 15 كانون الأول (ديسمبر) 2013

مخاطر مقترحات كيري استراتيجية

الأحد 15 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par علي جرادات

بعد انقضاء أربعة أشهر من التسعة أشهر المحددة لها، وكما كان متوقعاً، وصلت المفاوضات الفلسطينية “الإسرائيلية” إلى طريق مسدود بفعل شروط حكومة نتنياهو-ليبرمان التعجيزية وتصعيدها غير المسبوق لإجراءات المصادرة والاستيطان والتهويد . وكالعادة، بدل أن تضغط إدارة أوباما، على “إسرائيل” لوقف تماديها سياسياً وميدانياً أو تخفيفه على الأقل، تقدمت بمقترحات لا تستجيب لمطالب أمنية “إسرائيلية” “ضرورية” ومحدودة كما يشاع، بل تتبنى كامل الخطة الأمنية السياسية الاستراتيجية “الإسرائيلية”، بل الصهيونية . وهي الخطة التي من شأن قبول الفلسطينيين بها ألا يفضي إلى تسهيل موافقة “إسرائيل” على قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح كما يشاع أمريكياً و“إسرائيلياً”، بل إلى قيام كيان مسخ يحمل اسم دولة منزوعة السيادة والاستقلال والعاصمة، وتملؤها وتمزقها بحيلة “تبادل الأراضي” أو بحيلة أخرى الكتل الاستيطانية الثلاث الكبرى في الضفة، ومُسيطر على حدودها ومعابرها غرباً وشرقاً وأجوائها ومياهها، ومثقلة بالتزامات سياسية وأمنية واقتصادية جائرة، وتقوم على جزء من الضفة مع ترك غزة إلى حين، كما اقترح في تصريح علني الرئيس الأمريكي أوباما، بل ويتم مقايضتها بجوهر القضية الفلسطينية، حق عودة اللاجئين المراد شطبه بحيلة إرجاء البحث فيه . باختصار نحن أمام خطة لإجبار قيادة منظمة التحرير الفلسطينية على إبرام اتفاق إطار انتقالي يعيد إنتاج اتفاق أوسلو بمسمى جديد هو “الدولة ذات الحدود المؤقتة” .
وهذا أمر غير مفاجئ، بل امتداد لمعادلة ظلم تاريخي، جوهره: إعطاء أرض فلسطين لمن لا يستحق على يد من لا يملك الحق، كمعادلة ما انفك الشعب العربي الفلسطيني يتعرض لها ويقاومها منذ بداية القرن العشرين الماضي وحتى يوم الناس هذا . فمذاك دأبت دول الاستعمار الغربي، بمعزل عن تغيرات مركز قيادتها، على استغلال كل تفوق لها في ميزان القوى الدولي والإقليمي لتحويل اسطورة “فلسطين أرض للشعب اليهودي” إلى حقائق سياسية لمصلحة الحركة الصهيونية ومشروعها الاستعماري الاستيطاني الإحلالي التوسعي العدواني، ذلك بدءاً بإصدار “وعد بلفور” القاضي ب“إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين” وتضمينه في صك الانتداب البريطاني على فلسطين الصادر عن “عصبة الأمم” بعد أن جاءت نتائج الحرب العالمية الأولى لمصلحة بريطانيا، خصوصاً، ولمصلحة دول الاستعمار الغربي، عموماً، مروراً بإصدار هيئة الأمم قرار تقسيم فلسطين ثم قرار الاعتراف ب“دولة” “إسرائيل” عضواً فيها بعد أن جاءت نتائج الحرب العالمية الثانية لمصلحة الولايات المتحدة وحلولها محل بريطانيا في قيادة محور دول الاستعمار الغربي، تعريجاً على عدم تحريك ساكن ضد احتلال “إسرائيل” في حرب العام 1967 لما تبقى من أرض فلسطين، عدا احتلال سيناء والجولان، بعد أن جاءت النتائج الإقليمية لتلك الحرب لمصلحة “إسرائيل” وحلفائها الغربيين بقيادة الولايات المتحدة، وصولاً إلى عدم مساءلة “إسرائيل” جدياً ضد تنفيذ مخططات مصادرة أرض الضفة واستيطانها وتهويدها، عدا ضم القدس والجولان، بل ودعم هذه المخططات، خاصة منذ كسبت الولايات المتحدة، حليف “إسرائيل” الاستراتيجي الثابت الوحيد في المنطقة، الحرب الباردة، وصارت قطباً منفرداً في السياسة الدولية ونظامها وقرارات مؤسساتها .
لذلك، فإن لا عجب في أن تستغل الولايات المتحدة، الراعية لمفاوضات قيادة منظمة التحرير العقيمة والمدمرة مع “إسرائيل”، التحولات العاصفة، بل التاريخية، الجارية في الوطن العربي، وفي المنطقة عموماً، لانتزاع اعتراف رسمي فلسطيني ب“إسرائيل” “دولة للشعب اليهودي على أرضه التاريخية”، وكأن هذه الأرض ليست أرض الشعب العربي الفلسطيني التي ما زال نصفه صامداً عليها، فيما نصفه الآخر ما زال لاجئاً مشرداً متشبثاً بشهادات ملكيتها، بل وما انفك يقاوم بكل الأشكال والوسائل الممكنة لاستردادها والعودة إليها . ما يعني أن وعود إدارة أوباما بإقامة دولة فلسطينية إن هي إلا محض خداع لتجديد رهانات كذبتها تجربة عقدين ويزيد من المفاوضات، وجاءت مقترحات كيري الأمنية الأخيرة لتؤكد أن الشعب الفلسطيني لا يواجه في السياسة “إسرائيل” فقط، بل وحليفها الاستراتيجي الثابت، الولايات المتحدة، أيضاً، ولتبرهن على قصور كل إدارة فلسطينية للصراع لا تضع الدفاع عن الأرض وتعزيز صمود ومقاومة أهلها في صلب برنامجها، سياسياً وميدانياً . وهو ما لا يكون جدياً وشاملاً إلا بوقف التفاوض في ظل الاستيطان وخارج رعاية هيئة الأمم ومرجعية قراراتها، أي بإعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني بعد أن فككت عناصره التراجعات السياسية المجانية المتسرعة، بينما مفاعيل الانقسام الداخلي الفلسطيني، وانكفاء مراكز القوة العربية على همومها الداخلية، وتمسك قيادة منظمة التحرير برعاية الولايات المتحدة للمفاوضات بعد عقدين من خيبات الرهان على حياديتها، هي ما يشجع إدارة أوباما اليوم على اتخاذ هذا الموقف المعادي للشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه الوطنية .
يحيل الأمر هنا إلى تراجع فلسطيني استراتيجي عن مسار الثورة الفلسطينية المسلحة المعاصرة التي بانطلاقها في أواسط ستينات القرن الماضي عاد الشعب الفلسطيني وأمسك زمام قضيته بعد عقدين من التيه والالتباس والرهانات الفاشلة، ودخل النضال الوطني الفلسطيني مرحلة مَدٍ أثمرت بعد عقدين من التضحيات الجسيمة والإنجازات الكبيرة قفزتها النوعية انتفاضة كانون الأول 1987 الشعبية الكبرى التي بتعاظم إنجازاتها الميدانية وعمق بصيرة شعارها السياسي الناظم، “الحرية والاستقلال”، توافرت “إمكانية واقعية” لوضع الأراضي المحتلة عام 1967 تحت إشراف دولي مؤقت على طريق إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وسيدة ومن دون مقايضتها بحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم الأصلية كحق تكلفه قرارات الشرعية الدولية، وبتحقيقه فقط يتحقق الربط بين المرحلي والاستراتيجي من الحقوق والأهداف الفلسطينية . يومها تحركت الولايات المتحدة لذبح تلك الإمكانية الواقعية سياسياً، بل ونجحت خلال عقدين ونصف العقد من رعاية مفاوضات “مدريد” و“أوسلو” العبثية في إجهاض الانتفاضة سياسياً، وفصل القضية الفلسطينية عن بعدها القومي، واختزال القرارات الدولية في القرار ،242 واستمرار المفاوضات مع مصادرة الأرض واستيطانها وتهويدها . إذاً مخاطر مقترحات كيري الأخيرة على القضية الفلسطينية استراتيجية والرد السياسي عليها يجب أن يكون استراتيجياً عبر نقل ملف الصراع إلى هيئة الأمم المتحدة وإنهاء احتكار الولايات المتحدة له .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2165410

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165410 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010