الأربعاء 11 كانون الأول (ديسمبر) 2013

الإرهاب في سوريا

الأربعاء 11 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par د. أيمن مصطفى

بغض النظر عن أعداد المقاتلين الأجانب في سوريا فقد نجحت الحكومة السورية إلى حد ما في تعزيز شكل الصراع في بلادها على أنه “مكافحة الحكومة للإرهاب”. ومنذ بدأ الصراع في سوريا والقتال بين القوات الحكومية والمعارضة ملون بعناصر اجنبية. ووصلت محاولات الشيطنة من كل طرف للآخر إلى ما يقرب من إخراج الشعب السوري تماما من معادلة الصراع الدموي. ولعل الجذر الساسي في كل هذا هو ما تبقى من تنظيم “الإخوان المسلمين” في سوريا والذين لجأت قياداتهم إلى دول أوروبية مثل السويد والنرويج وإن كانت قيادتهم ظلت بلندن. ومع ان الإخوان في سوريا لم يبرزوا في الصراع من بدايته، إلا أن علاقاتهم مع الجماعات المتشددة في أنحاء المعمورة سهلت إلى حد كبير وصول مقاتلين متشددين إلى سوريا ـ خاصة في مناطق الشمال في البداية، وعبر تركيا. وساعد في ذلك ايضا سعي تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان للعب دور قيادي في التنظيم الدولي للإخوان.
في المقابل، ومع شدة المعارك وسيطرة الجماعات المسلحة ـ والمتشددة القادمة من الخارج منها خصوصا ـ على مناطق واسعة من سوريا تلقت الحكومة السورية دعما من مقاتلي حزب الله اللبناني كان واضحا تماما في معركة القصير قرب حمص. وتتهم المعارضة السورية الحكومة بتلقي مساعدة مباشرة من قوات إيرانية وعراقية ـ رغم نفي البلدين لذلك. لكن وجود دعم إيراني للحكومة السورية لا يمكن نفيه، وكذلك موقف العراق سيكون بالطبع أقرب للحكومة في دمشق منه لقوات مقاتلة أجنبية بعضها مرتبط بتنظيم القاعدة الذي يصارع الحكومة في بغداد. يبقى الطرف الثالث في الصراع، وهو الشعب السوري الذي ربما يقدم الوقود الأساسي من الأرواح والممتلكات لتلك الحرب الدائرة على أرضه وتمزق بلده. وهذا الطرف لا يحتاج إلى تشويه، بجانب تشوه المعارضة، لكن بروز الإخوان في أي مرحلة سيكون كفيلا بذلك خاصة مع طريقتهم في ركوب الموجات وتجيير الإنجازات التي في الأغلب لا يساهمون فيها ولا يدفعون ثمنها.
تحول شكل الصراع في سوريا إلى “إرهابيين” يقاتلون جيشا نظاميا، وميليشيات تساعد الجيش في مواجهة مسلحين يعتبرهم “متمردين” كفيل بأن يؤدي إلى تغييرات مهمة في الصراع السوري وبالتالي احتمالات التسوية. وإذا صحت التسريبات بانفتاح أميركي على حزب الله في سياق الترتيبات مع إيران، فإن المنطقة مقبلة على ما هو أبعد من سوريا في التسوية لكن سيظل لب الصراع السوري معيارا أساسيا لها ـ الحرب على الإرهاب. وهنا يجب التنبيه إلى أن إيران تكسب على حساب بقية القوى الإقليمية ـ مثل تركيا وغيرها ـ من تغير شكل الصراع في سوريا. يبدو ذلك جليا فيما يجري منذ فترة، وصرح به الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قبل أيام من أن كل دول الغرب فتحت قنوات مع دمشق. وبعد ذلك بأيام كان اجتماع وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي في بروكسل ليناقش المخاوف من عودة المقاتلين في سوريا، والمئات منهم من الجاليات المسلمة في تلك الدول، خاصة بريطانيا وفرنسا. بل إن ما يسمى “الجيش السوري الحر”، أي فصائل المسلحين من غير المتشددين والأجانب، يحاول الآن إقناع الدول الغربية المساندة للمعارضة بأنه سيعمل على الحد من نفوذ المقاتلين الأجانب والمتشددين ـ أي أنه يتعهد بالانضمام لصفوف “مكافحة الإرهاب”.
مهما كانت التسوية المقبلة في المنطقة، وبغض النظر عن أطرافها من إيران إلى تركيا ـ وربما إسرائيل (إذ إن أي تسوية لا تتضمن اتفاقا فلسطينيا إسرائيليا لن تكون شاملة) ـ فإن مشكلة “توالد” الإرهاب لن تنتهي قريبا. حتى مع التسليم بنهاية تنظيم القاعدة تظل الجماعات المتشددة التي تبرر استعمال العنف الدموي باسم الدين مشكلة ليس فقط في منطقتنا بل في نطاق أوسع في افريقيا جنوب الصحراء وآسيا وأوروبا وغيرها. وللأسف ليس هناك من الدول الغربية الرئيسية من هو معني بجدية بالقضاء على “الإرهاب” بقدر ما يعملون على “إبعاد الإرهاب” عن أراضيهم ومصالحهم. ولعل من المفيد لبعض تلك القوى أن يظل فيروس الإرهاب متوطنا في المنطقة ليستمر إضعاف بنيانها دون موت أو تعافي، وكذلك للتجريب في مقاومة ذلك الفيروس وتقديم “العلاجات” المصنعة غربيا مقابل استنزاف أموال المريض. والمثير أننا نساعد في تلك الدائرة الجهنمية، إما بتبرير الإرهاب أو باستغلاله في صراعات سياسية، كما أن وجود تسامح سياسي تجاه قوى متسربلة بالدين يسهم في ذلك أيضا.
لكي نتخلص من سياسة “رد الفعل” التي تميز العمل العربي مؤخرا علينا أن نبادر بالتخلص من جذور هذه الآفة التي طورها الأميركيون أيام “الجهاد” في أفغانستان ضد الاحتلال السوفيتي لذلك البلد. وليس المقصود هو اجراءات واستراتيجيات بعض الدول منذ فترة لمواجهة العنف المرتبط بالدين لأغراض سياسية (وأغلبها أمنية في مواجهة عنف الإسلاميين) وإنما تحتاج دول المنطقة إلى أن تطور مبادرات ريادية للعمل على اجتثاث جذور هذا الفيروس محققة بذلك هدفين: التخلص من خطر الإرهاب والقضاء على مبررات تدخل الآخرين في مقدراتها بحجة “مكافحة الإرهاب”.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 69 / 2165989

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165989 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010