الأربعاء 11 كانون الأول (ديسمبر) 2013

أين العرب مما يجري في العالم؟

الأربعاء 11 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par عاطف الغمري

جدير بالاهتمام، ما اتفق عليه أربعون من العلماء والخبراء، عرب وأوروبيين الذين شاركوا في منتدى فاس الدولي في المغرب لهذا العام، من أن ما يحتاج إليه العالم العربي الآن، هو تنمية شمولية متكاملة، بالمعنى العلمي للكلمة، وبما ينسجم مع المتغيرات الكبرى السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية التي ظهرت بوادرها مع بداية القرن الواحد والعشرين، وتصاعدت بإيقاع متسارع خاصة في السنوات الأخيرة . وهو ما يضع المناقشات في مجملها تحت هذا العنوان الجامع: أين هم العرب الآن مما يجري في العالم؟ وما هو الاحتياج الأهم لدولهم؟
الآراء جاءت متنوعة وغزيرة في منتدى فاس الذي كنت مشاركا فيه، واستمر يومين في أواخر شهر نوفمبر/ تشرين الثاني ،2013 وقسمت أعماله إلى سبع جلسات كلها تحت عنوان عام هو: “تحالف الحضارات والتنوع الثقافي: المستقبل العربي المنشود” .
كان التركيز على قضية رئيسية هي حاجة العالم العربي لتطوير التعليم، باعتبار جودة التعليم، والبحث العلمي هما أساس التقدم .
وطرحت الأفكار في إطار الجلسات التي حمل كل منها عنواناً فرعياً من بينها:- أي جامعة للقرن الواحد والعشرين - آفاق للاستثمار في العامل البشري - النظام العربي كيف تكون أجيال الغد من خلال التربية والتعليم؟
وجاءت مشاركتي في المنتدى بورقة عمل عنوانها: التنمية كعملية شمولية تتكامل فيها العوامل الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية . وتحدثت عن التعليم كمدخل إلى عملية متكاملة وشاملة للتقدم، والازدهار، للدولة وللمواطن، وأن التعليم الأساس الذي تبنى عليه جميع خطى الصحوة المجتمعية الشاملة، وبالنظر إلى أن التعليم كان عند جميع التجارب التنموية الناجحة، هو أساس تنمية للإنسان عقلاً وسلوكاً وخلقاً . . وبهذا المعنى كانت التنمية عملية تتكامل فيها العوامل التربوية، والثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية .
فنحن نعيش الآن عصراً، تواجه فيه الدول، تحديات مستجدة ومتغيرة، لم تعد تصلح للتعامل معها، الأفكار والنظريات السياسية والاقتصادية التقليدية . ولهذا أصبحت القاعدة الأساسية لهذا العصر، هي إنتاج الأفكار وإنتاج المعرفة .
ثم إن هذا العصر الذي نعيشه، والذي بدأ في أول التسعينات، حاملاً اسم عصر ثورة المعلومات، يصفه كثير من العلماء المتخصصين، بأن المصدر الحقيقي للثروة فيه، لم يعد في امتلاك الموارد، بقدر ما هو في امتلاك رصيد بشري، يمسك بناصية العلم والثقافة، والإبداع، والكفاءة الإدارية العالية، والقدرة على إطلاق الخيال .
كما أن هذا العصر يتميز بالتنافسية بين الدول والمجتمعات التي صارت من أهم القواعد التي تحكم ميزان العلاقات الدولية . وأن مفتاح التنافسية يتمثل في القدرة على رعاية مناخ مجتمعي يفرز عقولاً بشرية خلاقة، تبدع، وتخترع، وتجدد، وتنتج إنتاجاً متطوراً تنافس به الآخرين، وتكون هي صاحبة المبادرة به . وهو طريق يبدأ بالتعليم وجودته، ويتصاعد مساره إلى إنتاج الأفكار .
وعلى سبيل المثال ، وبالنظر إلى تجربة الصين، في التنمية الاقتصادية، التي أحدثت تغييراً استراتيجياً في ميزان العلاقات الدولية، فإنها كانت قد ركزت في الثلاثين سنة الأولى من تجربتها للتنمية، على البناء الاقتصادي، إلى أن اكتشفت منذ بداية القرن الواحد والعشرين، أن استمرارية نجاحها في التنمية بنفس معدلاتها، تحتاج إلى الاهتمام بعوامل أخرى، تندرج تحت مسمى القوة الناعمة . فركزت بقوة على تحسين التعليم، وإنعاش الثقافة، وخصصت في عام ،2005 ما مقداره، 6 .6 مليار من الدولارات، للإنفاق على إعادة هيكلة الجهاز الإعلامي، والثقافي، والفني، والأدبي .
وهو ما كانت قد تنبهت له التجارب التنموية الرائدة في آسيا وأمريكا اللاتينية، فجعلت من التنمية عملية متكاملة .
ولم تقتصر نتائج التقدم الذي حققته التجارب الناجحة، على المجال الداخلي، بل إن إنجاز التنمية على هذه الصورة المتكاملة والتنافسية، قد حقق لهذه الدول، نفوذاً ومكانة إقليمية ودولية، دفعت القوى الكبرى إلى التعامل معها كشريك في إدارة النظام الدولي الجديد .
ولم تكن هذه الدول غافلة من البداية، عن جانب آخر، يشيد عليه بناء التنمية، ويضمن لها استمرارية التنمية في مراحلها اللاحقة، بدعم من ظهير شعبي، جذبته النتائج التي عادت عليه، وعلى حياته المعيشية . وهذا الجانب هو العدالة الاجتماعية، التي لم تنظر إليها، كمجرد بند من بنود التنمية، بل تعاملت معها كأحد الأسس المهمة التي تقيم عليها مشروعات التنمية الاقتصادية، والتي نهضت بدول في آسيا وأمريكا اللاتينية، ومكنها إنجاز العدالة الاجتماعية، من خفض مستويات الفقر، بمعدلات كبيرة، بلغت في بعض الدول نسبة 15% في العامين الأولين، ووسعت من قاعدة الطبقة الوسطى التي تشكل عادة عنصر التوازن والاستقرار في المجتمع، وأنعشت الإحساس بالانتماء، والكرامة الوطنية .
إن العالم العربي يمتلك الكثير من المقومات المادية، والبشرية التي تمكنه من أن يتصدر صفوف الدول التي ازدهرت، بمقاييس تحقيق التقدم، والمكانة، والنفوذ، في هذا العصر .
لكن التقدم في أيامنا هذه، له قواعد ومعايير، لابد من استيعابها، لتكون دولنا العربية، قادرة على استنهاض الصحوة التنموية، بصورتها المتكاملة، وبما يزودها بمقومات مواجهة التحديات الخارجية المتصاعدة من حولها .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2165451

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165451 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010