الثلاثاء 10 كانون الأول (ديسمبر) 2013

اتفاق تخصيب موقع إيران الجيوسياسي

الثلاثاء 10 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par د. خليل حسين

في المبدأ، أن تعترف الدول الخمس الكبرى بدخول دولة ما ناديها النووي، يعد إنجازاً لصاحب العلاقة، وهو ما أرادته إيران بالتحديد من مفاوضات شاقة استمرت سنتين تحت ضغط من العقوبات المباشرة استمرت عقداً من الزمن، وسبقه عقدان من توتر دائم في علاقة إيران بالغرب بشكل عام وواشنطن بشكل خاص . وبطبيعة الحال لم ولن يتوقف الأمر عند هذا التوصيف، إنما له تداعياته السياسية والاقتصادية في غير اتجاه ومكان .
والمفارقة في توصيف الاتفاق، أنه كان أبلغ من مضمونه في بعض الجوانب، فثمة من أسبغ عليه “اتفاق العصر”، ومنهم من خلع عليه لقب “النصر”، لكن التدقيق في حيثياته ومضامينه، يقرّبه من “اتفاق الضرورة” بين أطراف لم يعد لديها ما تقدمه في عمليات الشد والجذب الاقتصادي والأمني والعسكري الذي مورس في هذا الملف .
فإيران التي عانت العقوبات والحصار، باتت مضطرة للقراءة في كتاب آخر، عنوانه الانفتاح على هواجس الآخرين، وتقديم أو على الأقل توضيح ما اشتبه به الغرب، وهو أمر طبيعي في سياق فهم العلاقات الدولية وممارستها في نطاق امتلاك القدرات التي يعتبرها البعض غير تقليدية خاصة مع نظام أيديولوجي قبل أن يكون أي شيء آخر . فيما الطرف الآخر، أي الغرب، بات مقتنعاً بأن نظام العقوبات والحصار والإقصاء، بات أمراً غير مجد مع دولة عرفت وخبرت كيفية التعاطي مع الثُغر الكثيرة في السياسات الدولية، وتمكنت في أعقد وأصعب الظروف من الوصول إلى ما تبتغيه ولو بأكلاف باهظة الثمن، في الوقت الذي لم يتمكن الغرب من ثني إيران ولو عنوة عن المضي في برامجها التقنية والعسكرية وسياساتها الإقليمية وتحالفاتها الدولية خاصة مع روسيا .
وعلى الرغم من أن الاتفاق يعد من نوع رابح - رابح إلى حد بعيد، أي بمعنى لا خسارة موصوفة لأحد فيه، إلا أنه يؤسس لواجهة سياسية إقليمية دولية، أكثر منها تقنية متعلقة ببرنامج نووي، أي بمعنى أن ما أرادته طهران تثبيت توصيفها كدولة إقليمية عظمى قاربت على الوصول إليه عبر تقديمات وتعهدات هي أصلاً مقننة في أطر قانونية دولية، كالبيئة الرقابية التي تفرضها الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو البروتوكول الإضافي على أي عمل ذي صلة باختصاصها . وهذا ما التزمت به إيران في سياق تسهيل عمليات التفتيش وتقديم التقارير الشفافة حول بعض المنشآت التي يعتبرها الغرب حساسة أكثر من غيرها، ومنها مواقع آراك ونتانز وفوردو مثلاً . إضافة إلى الكميات المخصبة لجهة النوع أو المستوى أو الكم، أي أن التزام طهران بعدم بناء مواقع جديدة والاكتفاء بنسبة ما دون الخمسة في المئة للتخصيب، أو زيادة أجهزة الطرد المركزي، جميعها تعتبر من البيئات التقنية والعملية القابلة للتعديل والتغيير لاحقاً إذا أخلَّ طرف ما بتعهداته . فيما حصلت في المقابل على تخفيف بعض العقوبات وإن لم تكن ذات صفة شاملة يُعتد بها مالياً واقتصادياً . وفي مطلق الأحوال فهو اتفاق الرمق الدبلوماسي الأخير بعد ثلاث جولات كادت تلامس الانفجار الذي لن يكون أحد رابحاً فيه .
وإذا كان الاتفاق هو إطار تفاوضي يشكل مضمونه جملة من المصاعب المنتظرة لاحقاً، إلا أن ما يؤمل منه إيرانياً أبعد من اتفاق تقني تمت فيه بعض التعهدات والوعود المتبادلة . فملفات المنطقة وتشعباتها وارتباطاتها أكثر من أن تُعد أو تحصى، وبالتالي فإن أي مكسب أو تنازل هنا أو هناك محسوب بدقة وهو أمر متبادل بين أصحاب العلاقة . فتعهدات إيران تقابلها بالتأكيد مطالب متصلة بتسهيلات في ملفات أخرى، من بينها الأزمة السورية على سبيل المثال ووسائل وأدوات حلها أو إدارتها في المدى المنظور والمتوسط، علاوة على ما استجد من ارتباط الأوضاع الأمنية والسياسية اللبنانية بالأزمة السورية، وصولاً إلى جملة طموحات جيوسياسية إيرانية مطلوبة في الإقليم .
لقد تمكنت الدبلوماسية الإيرانية من حياكة سجادة الاتفاق النووي، عبر ست أذرع مواجهة لها، فهي سحبت كلاً من بريطانيا وألمانيا من الصف المتشدد، لإدراكها بمدى الحنين البريطاني لماضي العلاقة التي جمعتهما إبان حكم الشاه سابقاً، كما التاريخ التقني لألمانيا في بناء التقنيات النووية إبان حكم الشاه أيضاً، كما تمكنت من لجم المشاغبة الفرنسية خلال المفاوضات بإيحاءات استثمارية متعلقة تحديداً بمفاعل آراك، علاوة على تجديد شباب العلاقات الاستثمارية مع كل من روسيا والصين .
في مقابل هذا التخصيب السياسي عالي المستوى مع دول الغرب الكبرى، تبقى “إسرائيل” المتضرر الوحيد من اتفاق الإطار، التي وقفت مكتوفة الأيدي ومكتفية بتعداد الخسائر، ومتوعدة بفتح العيون والمراقبة لاقتناص فرصة عمل عسكري ما، لم تعد قادرة عليه في ظل الظروف الراهنة .
في المحصلة، فإن ما يخشاه خصوم إيران التقليديون في المنطقة، أن يكون اتفاق الرمق الدبلوماسي الأخير مقدمة لكتابة جيوسياسية لمنطقة هي أشد المناطق حساسية في العالم، لا سيما أن سوابق التاريخ المعاصر كما الحديث والقديم، تؤكد أن سياسات النظم الإقليمية والدولية تتجمع وتكتب وترسم في الشرق الأوسط .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2178399

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2178399 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40