الاثنين 9 كانون الأول (ديسمبر) 2013

“عمليات انتحارية” ضد اللغة العربية في المغرب

الاثنين 9 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par د. عبد الاله بلقزيز

“رب ضارة نافعة”، هذا ما يصْدق على حالتنا اليوم - في المغرب - بمناسبة هذا الجدل الدائر حول اللغة العربية والعامية المغربية، وأيهما أوفق للاعتماد كلغة للتدريس .
الجدل الذي خاض فيه كثيرون من مواقع مختلفة ومتفاوتة: أيديولوجية، وعلمية، ومصلحية . .
وجَدَتْ فيه العربية الفصحى العالمة جيشاً محترماً من المدافعين عنها في وجْه دعْوات للتصفية والتبديد، ووجد الداعون إلى ما دعوا إليه أنفسهم في حال من الدفاع السلبي الشاحب .
بدأت “النازلة” بندوة أعقبها تصريح منظمها بأن ندوته خلصت إلى توصية باعتماد الدارجة (اللغة العربية العامية) لغة للتدريس في مراحل التعليم الأساسي، بدعوى تيسير التلَقن على تلامذة يجدون أنفسهم، فجأة، ينتقلون من استخدام “لغة الأم” إلى استخدام لغة فصحى يتعسر
عليهم اكتسابها! وما زاد الطين بلة - كما يقال - أن
منظم الندوة قال في تصريحه (حواره الصحفي) إنه
هيأ مشروعاً، بهذا الشأن، سيعرضه على ملك البلاد، واضعاً نفسه - بذلك - فوق مؤسسات الدولة، متوسلاً “علاقته” - التي يزعُمها لنفسه - بالملك: شأن غيره ممن يتخطون المؤسسات زاعمين لأنفسهم “مكانة خاصة” يحظون بها لدى العاهل المغربي مقحمين اسم الملك في مغامراتهم غير المحسوبة .
وأكثر من تناول الموضوع بالتعليق أو بالتحليل انصرف إلى نقد تصريحات منظم الندوة من مدخلين: من مدخل عدم أهليته واختصاصه للحديث في شأن هو من صميم المختصين: من خبراء في التعليم، أو من أكاديميين، أو من باحثين في ميدان التربية وفي الدراسات اللغوية واللسانيات، أو من ممارسين لمهنة التعليم (أساتذة ومعلمين) . .، وليس هو بالذي ينتمي إلى هؤلاء وأولئك، ثم من مدخل تجاهله لمؤسسات الدولة، وانتداب نفسه للقيام مقامها في تناول موضوع مصيري بالخفة التي بدا بها ذلك التناول . . ولم يكن صدفة أن يقارب المعترضون كلام المتكلم في هذا الشأن الجلل من ذينك المدخلين، فلقد كان الرجل إياه قد عقد ندوة
سابقة في الموضوع عينه، قبل فترة، ذهب المشاركون
فيها إلى ما ذهب إليه هو - اليوم - من وجوب اعتماد العامية لغة للتدريس، فكان تجريب المحاولة مرة أخرى مما يُستراب له ويدعو إلى المخافة من أن يكون “وراء الأكمة ما وراءها” .
هذه واحدة، الثانية أن هذه الجرأة في انتهاك المألوف والسائد في نظامنا التعليمي، منذ الاستقلال الوطني، قد تكون قرينة على وجود قوة ضغط، داخل الدولة، تهيئ شيئاً ضد اللغة العربية، وأنها (أي الجرأة) إنما تطل برأسها بوصفها - اليوم - “بالون اختبار” حتى يُبنى على الشيء مقتضاه!
ولقد قيل إن صاحب الدعوة إنما عبر عن رأي، بصفته مواطناً لا يمكن أحداً أن يجحد حقه في إبداء الرأي أو يستكثر ذلك عليه، وليس على ذلك خلاف، إنما الخلاف على مدى ما يتمتع به من حق في أن يخاطب ملك البلاد مباشرة: من وراء المؤسسات، وفي أن يستقوي بعلاقة خاصة يدعيها لنفسه، ويدعيها له أهل رأيه، وذلك مما يخالف الدستور، بل يُناقض المألوف في العلاقات السياسية بين المواطنين ومؤسسات الدولة، خاصة حينما يتعلق الأمر بشأن عام، ومصيري مثل التعليم، لا بشأن خاص لا يملك أحد أن يتدخل في حقوق المعني بالأمر فيه .
كان اعتراض المعترضين على تصريحات السيد نور الدين عيّوش، من هذين المدخلين، مشروعاً، بل كان ضرورياً لإعادة الاعتبار إلى هيبة مؤسسات الدولة، ومنها المؤسسة الملكية التي ينبغي عدم إقحامها في سجالات السياسة وصراع الآراء والخيارات، لأنها فوق المنازعات . ومع ذلك، ليس الاعتراض ذاك من ذينك المدخلين سوى شكل من “الدفوع الشكلية” بلغة أهل القانون، ويظل مطلوباً أن تذهب مناقشة “النازلة” إلى أبعد من ذلك: إلى جوهر الدعوة، وأغراضها، ومقاصدها، وأخطارها على مستقبل الشعب والوطن .
ومن حسن الحظ أن مثل هذه المناقشة انطلقت منذ مطلع نوفمبر/تشرين الثاني ،2013 وشارك فيها مفكرون وباحثون من عيار رفيع (عبدالله العروي، أحمد شحلان، عبدالقادر الفاسي الفهري . . وآخرون)، وليس من شك في أنها ستستمر في المقبل من الأيام .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2178225

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2178225 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40