الأحد 4 تموز (يوليو) 2010

أبو داوود وحد الجميع برحيله

الأحد 4 تموز (يوليو) 2010 par علي بدوان

من دمشق الفيحاء، وردت وانتشرت صباح الثالث من تموز/يوليو 2010 رسالة عاجلة على البريد الكتروني : لقد هوى نسر فلسطيني أخر ملتحقاً بركب الشهداء من أبناء الثورة والمقاومة، فقد رحل محمد داوود عودة (أبو داوود) بعد مسيرة طويلة من العطاء والحضور والفعل والتأثير في ميادين فلسطين على اتساعها.

برقية عاجلة وردت من دمشق واليرموك : لقد رحل رجل أخر من رواد المسيرة الفلسطينية المعاصرة، رجل من صنو القامات الشامخة التي ترجلت في مسار الثورة الفلسطينية، فخسرت فلسطين برحيله زيتونة خضراء عتيقة نمت في سلوان بالقرب من مدينة القدس وخرجت من بين وديانها وأرضها الطيبة، وارتوت بماءها العذب، واستنشقت اكسيرها الممتد تموجاً من البحر إلى النهر ومن رأس الناقورة حتى رفح.

أبو داوود، ابن حركة فتح والمقاومة الفلسطينية، نشأ بين الناس في ميدان الحركة الوطنية الفلسطينية، وفي منظمة التحرير الفلسطينية، من معسكر (الهامة الشهير) بالقرب من دمشق وعلى طريق بيروت القديم، ومن مغارة أبو علي إياد المعروفة في المعسكر إياه، إلى أغوار الأردن والى قيادة الميلشيا، وصولاً إلى المرحلة اللبنانية وماتلاها في العمل الفلسطيني.

حفر ابو داوود مسيرته الفلسطينية انطلاقاً من سلوان قرب القدس وفي حركة فتح، بالكد والتعب المضني … وبالأظافر. فكان مدرساً للفيزياء والرياضيات في إحدى مدارس أريحا قبل أن ينتقل للعمل في الكويت، ومن ثم في انضمامه لصفوف حركة فتح التي انطلق منها في أول دورة عسكرية إلى مصر أوفدتها إليها حركة فتح منتصف العام 1968 إلى جانب عشرة من رجال الرعيل الأول في حركة فتح وأجهزتها العسكرية والأمنية : الشهيد فخري العمري (أبو محمد)، الشهيد علي حسن سلامة (أبو حسن)، مجيد الأغا، غازي الحسيني، الشهيد مهدي بسيسو، نزار عمار، شوقي المباشر، ومريد الدجاني.

أبو داوود، حمل ورفع وسار بالاسم الكودي لمنظمة سرية أوجدها جهاز الأمن الموحد في حركة فتح بإشراف الشهيد صلاح خلف هي (أيلول الأسود)، وهدفت تنفيذ عمليات موضعية ذات طبيعة خاصة، حيث لم تكن حركة فتح من أنصار العمليات الخارجية، ولم تعشق ممارسة هذا الأسلوب لأسباب سياسية، لكنها لجأت إليه في أحيان معدودة، وفي ظروف محددة، كعملية ميونيخ (عملية أقرت وكفربرعم) عام 1972 والتي قتل فيها إحدى عشر رياضياً “إسرائيلياً” حين أدار أبو داوود تنفيذ العملية على الأرض أبو داوود وقيادة ثمانية مقاتلين، منهم القائد المفاوض في العملية محمد مصالحه وهو لاجىء فلسطيني في سوريا، والقائد العسكري يوسف (تشي).

أبو داوود، حامل شهادة التجربة الميدانية في كل الساحات التي عملت فيها حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية وقواها الأساسية، فزاوج بين الحضور الشخصي المتميز في البساطة والتواضع والتعفف وبين الهم الوطني الذي تعاظم داخل ثنايا مكونات جسده وشخصيته، وداخل سيكولوجيا الفلسطيني القادم قسراً إلى الشتات من سلون بجوار مدينة القدس في فلسطين المحتلة، ومن ثم العيش والحياة في قلب الهم المسكنون داخل نفوس الفلسطينيين من لاجئين في دياسبورا الشتات، والى ميدان الولادة العملاقة لأجيال اللجوء والشتات وهي تحمل البيارق دماً وباروداً وقرطاساً ومداداً من العطاء على طريق العودة.

هذا الإطراء لذكرى أبو داوود، ليس من حقه فقط علينا نحن الأحياء الذين تربينا وعشنا في كنف الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، بل هو الواجب بعينه في تأبين فرد من رموز وشموس النضال والكفاح التحرري العادل للشعب الفلسطيني، خصوصاً وأن أبو داوود، رحل وهو متابعاً وصابراً ومثابراً في دوره العام، كمن يقبض على الجمر الأحمر المتقد.

رحل أبو داوود في وقت يحتاج فيه الفلسطينيون إلى فعل وجهد المزيد من القيادات العاقلة/الحكيمة التي تستطيع وحدها أن تجنب الشعب الفلسطيني المزيد من الجنوح تجاه مزالق الخراب الداخلي والخارجي.

كما رحل دون أن تكتحل عيناه برؤية القدس المحررة التي عشقها حتى نخاع العظم في جسده، ولكن “لايهم المناضل أن يرى لحظة الانتصار” مادامت الإرادة شامخة، والعطاء متواصلاً على يد رفاق وأخوة وأحبة وأصدقاء أبو داوود، ومادام هناك ون يحمل الرسالة بالرغم من الطحالب العالقة في مياه المقاومة في فلسطين.

لقد توقف قلب ابو داوود عن الخفقان، و “تلك الأيام نداولها بين الناس” صدق الله العظيم.

ان أبا داوود وفي رحيله عن الحياة الدنيا، صنع لنا مأثرة ايجابية في ختام مسيرته الدنيوية، فقد وحد الجميع في المسير خلف جثمانه، في المسجد أثناء الصلاة عليه بين أبناء شعبه وأحبته في مخيم الشهداء، مخيم اليرموك، وصولاً إلى مثوى شهداء فلسطين في المخيم محمولاً على أكف وزنود شباب اليرموك من كافة الفصائل والتنظيمات الذين أحبهم في حياته وعاش قريباً منهم، ليرقد هانئاً في تراب المخيم الفلسطيني، وفي أول مقبرة للشهداء تم تأسيسها قبيل الانطلاقة المعاصرة للثورة الفلسطينية في العام 1964، إلى جوار أضرحة ممدوح صيدم، وخليل الوزير، وزهير محسن، وإحسان سماره، وسعد صايل، ومهدي بسيسو، وطلعت يعقوب، ومحمد عباس (أبو العباس) وعلى بعد امتار منهم تحيط بهم أضرحة كوكبة من القوافل الأولى لحركة فتح وعموم الفصائل الفلسطينية من الذين استشهدوا بين أعوام (1965ـ 1970).

رحل أبو داوود، وقد تعانق وتواجد وتوحد الجميع في وداعه، من قيادات حركتي حماس (أبو أحمد جمال عيسى، أبو عبد الرحمن وأخرين) والجهاد الإسلامي (زياد نخالة، ابو السعيد واخرين)، والجبهة الشعبية ( ماهر الطاهر وآخرين)، والجبهة الشعبية/القيادة العامة، ومنظمة الصاعقة، وحزب الشعب والحزب الشيوعي، وجبهة التحرير وجبهة النضال، وحزب فدا، ولم ينساه رفاقه من أبناء حركة فتح الذين اختلفوا مع حركة فتح الأم في سابق الأيام، فسار العقيد أبو موسى والعقيد محمود جعفر عيسى (أبو جعفر) متقدمين لمسيرة التشييع، والى جانبهم المناضل (العتيق/الجديد) المرافق الشخصي الأول للشهيد ياسر عرفات وعضو المجلس الثوري لحركة فتح اللواء فتحي الرازم المعروف بـ (فتحي البحرية).

رحل أبو داوود، وبرحيله، أصّر على صنع السجية الطيبة، صانعاً الألفة وموحداً الجميع في لقاء وحدوي ضم كل ألوان الساحة الفلسطينية، فقدم على رأس الجميع أبو الوليد (خالد مشعل) وإخوانه في قيادة حركة حماس لعزاء أبو داوود، معلناً في كلمته الصادقة الطيبة والصريحة والواضحة أمام الحضور الذين تجمعوا في النادي العربي الفلسطيني في مخيم اليرموك، أن (السياسة تفرق) وأن (فلسطين والمقاومة توحد وتجمع)، داعياً للحفاظ على ارث ابو داوود، ارث المقاومة بكل أشكالها، ارث المقاومة التي لاتحيد عن بوصلة فلسطين. فأعطى ابو الوليد (خالد مشعل) في كلمته المؤثرة والمعبرة، دفقاً جديداً في الشعور والتفاؤل بالأمل الكبير من اجل استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، وإزالة الانقسام وكل أسبابه المقيتة.

لقد عاش أبو داوود صادقاً طيب القلب والسريرة، حميد المسيرة والسيرة، لم تجرفه آلاعيب السياسة التي برع البعض في ممارستها على حساب المبادىء والقيم، فشمخت به فلسطين مرة ثانية بوفاته، وتعاظمت في حضوره وقد تعانقت حماس وفتح في الطريق الى فلسطين.

أخيراً، لقد كان ابو داوود كنزاً بالنسبة لي، وأرشيفاً خصباً لفلسطين واهلها وثورتها، استفدت منه على الدوام، واستمعت لخبرته التي تخمرت مع الأيام.

وداعاً ابو داوود.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 33 / 2165241

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165241 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010