السبت 7 كانون الأول (ديسمبر) 2013

يوم أرضٍ ثانٍ يسرِّع انتفاضة ثالثة

السبت 7 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par عبداللطيف مهنا

اضطررت للانقطاع عن كتابة مقالي الأسبوعي والتواصل مع قرائي الأعزاء لما ناف عن الشهر، ذلك لعارض صحي أدخلني المشفى، حيث قرر الأطباء إجراء عملية جراحية عاجلة لي وهو ما كان. كانت صعبة لكنها ناجحة والحمدلله، لذا ها هم أخيرا يفرجون عني لأعود للبيت ولقرائي الأحبة. طيلة تلكم الفترة انقطع عني، أو قُطع، عالم ما هو خارج المشفى، لذا هيأت نفسي للعودة لمتابعة ما انقطع، أو ما فاتني منه وملاحقة جديده. لكنما، وأنا ممن يزعمون أنهم من المنشغلين الملتزمين بهموم الأمة مشارق ومغارب، ولا يجزئونها أصغرت أم كبرت، كما لا يرون في أزمنة الانحدارات ومهاوي القطريات البائسة إلا الطارئ الزائل، لم أجد فيما فاتني لا كثرة ولا جدة. الهموم هي هي، وتكالب الأعداء هو هو، وخطورة الأدوار المشينة لامتداداتهم وأدواتهم الداخلية في خدمة هذا التكالب لم تتبدل. إنه ذات الحال الذي ما زالت سوريا العرب تواجهه، رغم أن صمودها أولًا، والتحولات الكونية والإقليمية التي لا راد لها ثانيًا، قد بدأ في فل كيد المتآمرين عليها، ويفعل فعله في تفكيك جبهتهم المعتدية. ثم حال عراقنا، الذي يلغون يوميًّا في دم بنيه ويجهدون لمنع تعافيه وحفاظه على وحدته، وليبيا التي دمَّروها وها هي لم تك يومًا أقرب للتفكك مما هي عليه في راهنها، ومصر تغدو الآن أكثر فأكثر الأبعد عن تلكم الأتواق التي عبرت عنها جماهير الـ25 من يناير في ميادين تحريرها، ولا تسل عن اليمن أو السودان أو الصومال وأخيرًا لبنان، وما قد يستجد في خريطتنا الحبلى بما لا يسر إلا أعداءها وامتداداتهم.
لكنما، والزبد يذهب جفاءً ولا يمكث في أرضنا إلا أمتنا وما تصبو إليه روحها العصية على الانكسار، وحيث لا يجوز للمؤمنين بخلودها إلا التفاؤل، فحتام التوقف مليًّا أمام عصف هذه التحولات الكونية والإقليمية التي تنبئنا إرهاصاتها بأحقية هذا التفاؤل. ها هو انعكاس حالة بدايات الأفول التي تعيشها الامبراطورية الأميركية على واقعها الراهن أكره إدارتها على بعض من تعقُّل نجم عنه بداية اعتراف بمحدودية القدرة وتآكل الهيبة وتراجع السطوة، فكان الاتفاق حول النووي الإيراني، الذي انتزع للإيرانيين اعترافًا بحقهم في امتلاك التقانة النووية السلمية، وكان بداية لتفكك قبضة المقاطعات الاقتصادية الظالمة المضروبة ضدها، الأمر الذي من شأنه أن يشي ببداية وصول خير هذه التحولات إلى ربوعنا الكسيرة، بما سيضيفه من فيض قوة لثقافة المقاومة وفنون الصمود وضروب الممانعة الراسخة فيها. ها هم الترك، بعد ولوغهم طويلًا في الدم السوري وما زالوا، يتجهون شرقًا نحو الروس والإيرانيين والعراقيين تلمسًا لسبل العودة، أو المنجى من عواقب هذا الإمعان في رهانات ولوغهم الخاسرة ... وماذا عن الصهاينة؟
إنهم لا يرون في الجنوح الأميركي للتفاهم الأميركي مع إيران إلا شرا لا راد له، وبات عليهم الاستماتة في العمل على تغيير قواعد اللعبة للإفادة منها ما استطاعوا أو تقليل أذاها. وما كل هذه الولولة التي تسمع الآن في إطنابهم إلا جزء من رفع الصوت لأخذ المقابل من الأميركان، لا سيما في جاري المفاوضات التصفوية بينهم وبين الأوسلويين الفلسطينيين، التي تتم في الحاضنة الأميركية، التي تضبط إيقاعاتها وترسم عمليًّا أو تفرض أفقها ومساراتها باتجاه المصلحة الصهيونية دائمًا. وصلت الولولة حد المطالبات بالبحث عن حليف بديل عن عراب فجورهم العدواني الأميركي لدرجة أن تضطر صحيفة مثل “يديعوت أحرونوت” لتذكيرهم بأن “الإدارة الأميركية غير مهتمة بما يفعله نتنياهو، لعلمها الكامل بأن إسرائيل ستعود زحفًا إلى واشنطن”، لأن العلاقات بينهما “بمثابة زواج كاثوليكي”. أما بيريز الداهية فلفت إلى أن “ليس هناك طلب واحد (لهم) لم تستجب له إدارة أوباما... وأخيرًا جاءهم كيري ليقول لهم إن هذه العلاقات”لن تنكسر".
وإذ قضايا الأمة لا تجزأ، وقضية قضاياها المركزية في فلسطين، وإذ لا من وحدة ولا من نهوض مأمول لها من كافة أوجه كبواتها إلا في ساحة الصراع من أجل تحريرها واستعادتها من غاصبيها، فإن تراجع قضيتها بالنسبة لأولويات قطرياتها المنشغلة بما يشغلها أعداؤها وأغلب أنظمتها به، أمر مشين ومن غير المتخيل. يصادق كنيست الصهاينة على قانون يفرض موافقة 80% منه على أي اتفاق تصفوي يتضمن انسحابا من أراضٍ ضمت للكيان قد يتم مع الأوسلويين المتدثرين بالعباءة الرسمية العربية وفي الخيمة الأميركية، والمقصود هنا هو القدس التي هودت جغرافيًّا وفي سبيل تهويدها ديموغرافيًّا وبدأت خطوات تهويد أقصاها، ويصادق وزير الحرب يعلون على بناء ثلاثة آلاف وحدة تهويدية جديدة في مستعمرات الضفة في فيء المفاوضات العبثية الجارية، وكأنما العرب في عالم آخر. وثالثة الأثافي هي إقرار كنيستهم للقراءة الأولى لـ“قانون برافر”، أي تهجير مواطني 34 قرية فلسطينية في النقب المحتل، وكأنما لم يسمع بهذا أحد!!!
إن في حالة الغليان الشعبي في فلسطين المحتلة الشامل لكاملها، من جليلها إلى نقبها، ومن ضفتها رهن التهويد إلى ساحلها المنكوب وغزتها رهينة الحصار الصهيوني والعربي، والمتأجج الآن لهذه الإضافة الترانسفيرية ذات الإخراج “البرافري”، ما قد يعد بيوم أرضٍ ثانٍ لا يكتم المحتلون خشيتهم من أن يؤدي إلى انتفاضة ثالثة شاملة لكامل فلسطين التاريخية ... في ظل كل الموانع الأوسلوية والظروف الاحتلالية الرهيبة المشهودة التي تطبق على أنفاس الفلسطينيين في الوطن الأسير، هل هذا ممكن؟!
... قلنا دائما، إن شعب الصمود والتضحية الأسطوريين هو أيضا بحق شعب المفاجآت النضالية المدهشة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2177840

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

23 من الزوار الآن

2177840 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40