الأربعاء 4 كانون الأول (ديسمبر) 2013

موسم الحج إلى طهران

الأربعاء 4 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par د. أيمن مصطفى

ما إن توصلت إيران إلى اتفاقها مع الغرب بشأن برنامجها النووي، ورغم أنها صفقة غير شاملة، حتى بدأت كافة الأطراف التي كانت تزايد أحيانا على الأميركيين في مناصبة إيران الشقاق بفتح قنوات مع طهران. وانعكس ذلك بالأساس على قضيتين اقليميتين ساخنتين هما الصراع في سوريا وحزب الله في لبنان ـ بالإضافة طبعا إلى بقية القضايا الإقليمية. ولم يكن مفاجئا أن تجد اصحاب أكثر الأصوات علوا في التشدد مع إيران ـ كفرنسا ـ الأسرع في استكشاف فرص الأعمال مع الجمهورية الإسلامية حتى قبل بدء رفع العقوبات رسميًّا عن طهران في إطار الاتفاق المرحلي الأخير. لكن الأهم حقا هو عدم ترك دول الخليج الباب أمام تركيا فقط لتكون الطرف الإقليمي المبادر وحده بفتح الأبواب مع إيران. صحيح أن وزير الخارجية التركي كان أول من زار طهران بعد اتفاق جنيف، إلا أنه لم تمض ساعات حتى كان وزير الخارجية الإماراتي في طهران يفتتح سفارة بلاده الجديدة ويلتقي وزير الخارجية والمرشد الأعلى وقبل نهاية الأسبوع بدأ وزير خارجية إيران جولة خليجية قادته إلى الكويت وسلطنة عمان وقطر.
ومفهوم بالنسبة لدول الخليج أنها تدرك، كما تدرك إيران، أن التعامل مع إيران لا مفر منه باعتبارهما شركاء في المنطقة بحكم الجغرافيا والتاريخ وأن “الأجنبي” الباحث عن مصلحته لا يمكن أن يكون أولوية بديلة عن علاقتهم. أما تركيا ـ ورغم التشارك الجغرافي والتاريخي النسبي مع إيران ـ فإنها محكومة بمصالح براجماتية تعززت بانتهازية سياسية كبيرة في فترة حكم اردوغان وحزبه. ولعل من المفيد هنا الإشارة إلى أن تركيا زايدت على الغرب في فرض العقوبات على إيران، في الوقت الذي لم تتشدد فيه كثير من دول الخليج في علاقاتها التجارية والمالية مع طهران. لذا، قد يثير الدهشة أن فرنسا وتركيا هما أول من سارع بالحج إلى طهران في محاولة للاستفادة من أي تغير في اتجاه علاقات طهران بالخارج ـ استفادة مالية واقتصادية للاثنين، وسياسية اقليمية لتركيا بالتحديد.
فتركيا بحاجة إلى إيران، ليس فقط لترتيب أي تغيير في الموقف التركي من الصراع في سوريا وإنما أيضا فيما يتعلق بالملف الكردي الذي يعد أكثر ازعاجا لتركيا من غيره. ومع التطورات الخاصة بأكراد سوريا وسعي حزب الاتحاد الكردستاني في سوريا (وهو فصيل قريب جدا من حزب العمال الكردستاني التركي) لإقامة اقليم مستقل في شمال وشرق سوريا يزداد قلق تركيا من تعزيز موقف الأكراد فيها. وتدرك حكومة اردوغان أن لطهران تأثيرا على هذا الفصيل الكردي السوري وستسعى بالتأكيد للمساومة مع إيران مستخدمة ورقة أكراد العراق التي تحاول تركيا حيازتها بقوة. وفيما هو أبعد من سوريا والأكراد، ترى حكومة أنقرة الحالية أن محورا إيرانيا/تركيا يمكن أن يكون ركيزة أي استراتيجية أميركية في المنطقة بديلا للقوى التقليدية (التي عرفت بالقوى المعتدلة). وهنا تأتي اهمية طهران كلاعب أساسي في قضايا اقليمية تتجاوز الصراع في سوريا ووضع حزب الله اللبناني، لتطول الوضع في العراق وقضية الأكراد في دول المنطقة بما فيها تركيا.
لا يقتصر الأمر بالطبع على القوى الاقليمية، بل إن الأطراف الدولية تتداعى الآن لفتح قنوات مع طهران. صحيح أن دولا كفرنسا تسعى وراء المنافع الاقتصادية، وربما تليها في ذلك ألمانيا التي بلا شك تريد استعادة دورها كشريك تجاري أوروبي رئيسي لإيران. إلا أن دول أوروبا تسعى ايضا لكي تكون حاضرة في أي ترتيبات في المنطقة، وتدرك الآن بعد اتفاق أميركا وروسيا والصين على “إعادة تأهيل إيران دوليا” أن بوابة طهران مهمة جدا في الدخول لقضايا المنطقة. وإذا صح ما تردد من شائعات عن دور بريطاني في ترتيب تواصل أميركي مع حزب الله اللبناني بشأن الوضع في سوريا وغيره يمكن فهم أهمية طهران للندن وغيرها من العواصم الأوروبية.
كل هذا، والنشاط الدبلوماسي المتوقع بين إيران وعواصم المنطقة والعالم، لا يعني بالضرورة أن صفقة شاملة في المنطقة قد اكتملت. بل ربما على العكس يفتح آفاقا واسعة أمام الجميع ـ خاصة دول المنطقة ـ لطرح المخاوف والمصالح والتوقعات بغية أن تؤخذ في الاعتبار. ويتطلب ذلك بالضرورة مهارة إيرانية فائقة في التعامل مع كل مفردات قضايا المنطقة و“التوفيق” بين مصالحها واهتمامات الأطراف الأخرى. وبما أن الاتفاق الإطاري الأخير فتح باب التواصل المباشر مع طهران، فالأفضل الآن ألا يكون هناك وسطاء أو قنوات غير مباشرة بل التعامل المباشر ومحاولة الوصول إلى حلول وسط. ومن بين القضايا الرئيسية التي تحتاج إلى تعامل مباشر وجاد وسريع مشكلة الجزر بين الإمارات وإيران ومسألة التوتر الطائفي في البحرين، إلى جانب عدد من المشاكل الأخرى التي تبدو أقل أهمية لكنها تساعد باعتبارها “عوامل محفزة” في التفاهم مع إيران.
ويجب ألا ينسى الجميع أن الإيرانيين، رغم ما يبدو على السطح من مواقف ايديولوجية، قوم عمليون يجيدون التجارة والتفاوض والوصول إلى حلول وسط.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 64 / 2165437

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165437 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010