الأربعاء 4 كانون الأول (ديسمبر) 2013

حين يكون بيريز مرشدا للمنطقة وملهمها

الأربعاء 4 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par خميس بن حبيب التوبي

أمام الحضور الصهيوني وتسيده المشهد العربي من المحيط إلى الخليج تنكشف بوضوح تام الأمراض المستعصية والأورام الخبيثة التي انتشرت في جسد الأمة وفقدانه المناعة واستسلامه أمامها وعجزه التام عن احتواء النوازل، أو استلهام الدروس المجانية التي تضربها الأمم والحضارات الأخرى في عدم التفريط بالمصالح القومية أو المساومة عليها وفي معاني الصمود والكبرياء والكرامة، وإجبار الخصم على الانحناء احترامًا وتقديرًا، بل إن الوضع العربي إزاء هذه الدروس المجانية نكص على عقبيه وذهب إلى أبعد مما كان يراد له ومنه، وبدل أن يعيد ترتيب أوراق قوته وإبداء الحسم والعزم مع العدو الصهيوني لوقف تدخلاته ودحر مخططاته ورأب الصدع العربي على قواعد وطنية قومية، تعيد للعروبة اعتبارها وللصراع مع كيان الاحتلال الصهيوني مكانته اللائقة بأنه رأس الفتنة ولغز الألغاز فيما يحاك للمنطقة من مؤامرات ومخططات.
وفي الوقت الذي يواصل فيه كيان الاحتلال الصهيوني إبادته للشعب الفلسطيني وتصفية قضيته العادلة ويدنس المقدسات الإسلامية ويُهوِّد الأرض الفلسطينية سعيًا إلى تحقيق أحلامه التلمودية بما يسمى “يهودية” الكيان، يتم تنصيب شمعون بيريز رئيس الكيان الغاصب وجزار قانا مرشدًا للمنطقة ومُلهِمًا لها الذي شنف آذان تسعة وعشرين من وزراء الخارجية العرب وكبار الشخصيات من دول العالم الإسلامي ’بخطبة عصماء كانت حافلة بالمواعظ والعبر والدروس في معاني السلام والديمقراطية والإنسانية والحرية وحقوق الإنسان وأسس الاستقرار والأمن، وذلك أثناء عقدهم مؤتمرًا أمنيًّا في دولة خليجية، وهو ما اعتبرته قناة “آي 24 نيوز” الصهيونية التي نقلت الخبر عن صحيفة “يديعوت أحرونوت” بـالحدث “التاريخي” و“غير المسبوق”. حيث ظهر الملهم والمرشد بيريز في الجلسة عبر نظام الفيديو كونفرنس وكان يجلس في مقر إقامته بالقدس المحتلة أمام العلم الصهيوني باللونين الأزرق والأبيض، و“أنصت” المشاركون في المؤتمر خاشعين للرئيس المرشد والملهم الصهيوني، و“لم يغادر” أحد الغرفة، وذلك بعد أن صفقوا له في نهاية كلمته، حسب “يديعوت أحرونوت”. وتعليقًا على هذا “الحدث التاريخي” كتب المحلل السياسي الأميركي المخضرم والكاتب في صحيفة “نيويورك تايمز” توماس فريدمان أن “الظهور غير العادي لبيريز” لم يكن بدافع من رياح المصالحة بين العرب و“إسرائيل”، ولكن “هذا التعاون الضمني بين”إسرائيل“والعرب السنَّة، يستند إلى التقاليد القبلية التي تقول (عدو عدوي هو صديقي) والعدو هو إيران”.
ويأتي هذا التطور اللافت في الوقت الذي نشر فيه جيش الاحتلال الصهيوني تقييماته المزعومة بأنه تدور في المنطقة حربان قاسيتان ليستا مرتبطتين بكيان الاحتلال الصهيوني؛ الأولى هي “حرب سنية ـ شيعية”، والثانية هي “الصراع في مصر”.
إن تجيير الصهاينة المحتلين لواقع الصراع العربي ـ الصهيوني بهذا التحليل المثير للسخرية، والعمل على استبداله بالصراع الطائفي (السني ـ الشيعي) وترسيخه من خلال الدعاية الإعلامية والوسائل الاستخباراتية لا يشير إلى مدى السذاجة وغياب الوعي والخواء الفكري والمعرفي لدى المتقبلين لهذا الفكر التحريضي المدمر فحسب، وإنما يشير إلى التحول الأغرب والأخطر لدى قطاع عريض من العرب إلى صف الاحتلال الصهيوني والتخندق في خندقه، ما يعني إضفاء الشرعية على الاحتلال وجرائم الحرب الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، فضلًا عن الشراكة في الفعل، وبحسب المفهوم الصهيوني للصراع؛ أي الصراع السني ـ الشيعي ينكشف عمى البصيرة وسيطرة الحقد وحالة الانفصام في الشخصية والمراهقة السياسية لدى الموالين للاحتلال الصهيوني والذين يقودون الصراع باسم السنَّة، من حيث إن الشعب الفلسطيني سنِّي المذهب إلى جانب الطائفة المسيحية، والذين يسقطون شهداء ويزج بهم في سجون الاحتلال والذين تهدم منازلهم ويشردون وتسرق أراضيهم هم فلسطينيون سنَّة، والذين يسقطون قتلى وجرحى ويهجرون من العراقيين والسوريين واللبنانيين هم من السنَّة والشيعة والمسيحيين، والذين يسقطون قتلى ويقتَتِلون في تونس وليبيا ومصر هم من السنَّة، وبالتالي فإن الواقع يفضح أن الصهيونية المدعومة غربيًّا هي التي تقف وراء الصراع الطائفي في المنطقة وتأجيج أواره، وتعمل على غسل أدمغة العرب بجميع طوائفهم بأن هناك صراعًا طائفيًّا يستعر في المنطقة، وأن كل طائفة تسعى إلى إقصاء أختها.
وعليه فإن جميع العصابات الإرهابية والتكفيرية التي تدمر وتقتل السوريين وتقاتل الجيش العربي السوري، وكذلك العصابات الإرهابية والتكفيرية التي تمارس إرهابها في العراق ولبنان ومصر وتونس وغيرها ما هي إلا مجرد أدوات بيد الصهاينة وحلفائهم وداعميهم، ومجرد خدم لتنفيذ المشروع الصهيو ـ أميركي لإعادة رسم خريطة المنطقة، ولا صحة ولا واقع لما يرفع من شعارات “الثورة” و“الحرية والديمقراطية”.
إن الصهاينة يراهنون على تمرير جرائمهم ومخططاتهم في المنطقة من خلال تبايناتها الدينية والطائفية والسياسية، فها هم يغسلون أيديهم من دم العرب والمسلمين بمزيد من الدماء عبر الشحن الطائفي الذي يقبض بصولجانه شمعون بيريز بعد تعميده مرشدًا للمنطقة ومُلهِمًا لها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2165831

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

23 من الزوار الآن

2165831 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010