الثلاثاء 3 كانون الأول (ديسمبر) 2013

شرخ العلاقات التركية-المصرية

الثلاثاء 3 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par د. فايز رشيد

طرد السفيرين، وتخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية إلى درجة القائم بالأعمال بين القاهرة وأنقرة شرخ حقيقي في العلاقات بين البلدين . لم تأت الخطوة المصرية كردة فعل على تصريح واحدٍ قيل، وإنما جاء تراكماً للتدخل التركي في الأحداث الداخلية المصرية . فرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لم يترك مناسبة إلا وهاجم فيها الحكم الانتقالي الجديد في مصر ورموزه السياسية .
جاء ذلك فور عزل صديقه محمد مرسي عن كرسي الرئاسة، والإطاحة بحكم الإخوان المسلمين الذين ينتمي إليهم أردوغان .القاهرة تحملت كثيراً تصريحات رئيس الوزراء التركي، وإهاناته البالغة لها ولرموزها حتى الدينية منها، وكان من بينهم شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب عندما صرّح أردوغان قائلاً: “بأن هذا العالم قد انتهى، وأن التاريخ سيلعن الرجال أمثاله،كما لعن التاريخ أشباهه في تركيا من قبل” .
لقد سمى رئيس الوزراء التركي ما حدث في مصر “انقلابا” رغم خروج غالبية الشعب المصري في 30 يونيو/حزيران الماضي، تأييداً للخطوات التي قام بها الجيش .
من الواضح تماماً أن أردوغان في تصريحاته اللاذعة عمّا يجري في مصر، يبتعد حتى عن اللهجة الدبلوماسية فهو “يؤدي التحية لمرسي على ظهوره المحترم في المحكمة وهو (أردوغان) يكن له احتراماً وتقديراً عظيمين” .
وفي موسكو صرّح أردوغان قائلاً: “إن إشارة رابعة التي يرفعها أنصار مرسي، ليست رمزاً للقضية العادلة للشعب المصري فقط، بل أصبحت علامة للتنديد بالظلم والاضطهاد في كافة أنحاء العالم” .
هذا في الوقت الذي لا يقبل فيه أردوغان لأحد من الخارج التدخل في الشؤون التركية الداخلية، فهو الذي اتهم القائمين على الحراكات الشعبية “بأنهم يُموَلون من الخارج وتحديداً من دول غربية وأوروبية” بالرغم من أن كل ما قامت به هذه الحراكات ليست أكثر من احتجاجات شعبية، على قرارات بلدية أنقرة لاستبدال حديقة عامة تاريخية بمجمع تجاري . السؤال الموجه لرئيس الوزراء التركي: لماذا لا يقبل بالتدخل الخارجي في بلده (على الرغم من أن الاحتجاجات كانت في جوهرها تركية شكلاً ومضموناً) بينما يسمح لنفسه بالتدخل في شؤون الآخرين .
لقد تبنى أردوغان دبلوماسية “الصفر مشكلات مع الجيران” لكن من الواضح أن ظنه قد خاب، فهو عمل على توتير العلاقات مع كل جيرانه، مع سوريا ومع العراق ومع إيران .
مؤخراً تحاول تركيا ترميم علاقاتها مع بعض الدول الجارة مثل العراق وإيران، وذلك تحسباً للمسألة الكردية بعد تحقيق الأكراد في سوريا بعض الانتصارات، والإعلان عن إدارة ذاتية في شمال سوريا .
سياسة تركيا تجاه الأزمة السورية فشلت في توقعاتها، فهي التي دعمت فصائل المعارضة من أجل تغيير النظام، لكن الأخير لم يسقط وصمد لما يزيد على العامين ونصف العام، وليس هناك في الأفق ما يوحي بقرب سقوطه . وقد ابتدأ مؤخراً في تحقيق إنجازات عديدة على الأرض، كذلك فإن علاقات تركيا مع كل من العراق وإيران وصلت إلى درجة عالية من التوتر في مراحل قريبة .
إن واحداً من أبرز الأهداف التي سعى إليها أردوغان هو إيصال تركيا إلى مستوى يعترف فيه المجتمع الدولي بالدور الإقليمي لها على صعيد المنطقة والعالم، وكذلك دخول السوق الأوروبية المشتركة .
من الواضح أن أردوغان فشل في المسألتين، فالدور التركي في تراجع ملموس، في الوقت الذي يتعزز فيه الدور الإيراني على صعيد المنطقة والعالم، وبخاصة بعد وصول إيران إلى اتفاق في جنيف مع مجموعة 5+1 والتي اعترفت فيه هذه الدول بحق إيران في تخصيب اليورانيوم بنسبة 5% لاستعماله في الأغراض السلمية . أما على صعيد دخول السوق الأوروبية المشتركة فلم يحقق أردوغان أية إنجازات على هذا الصعيد، بل شكّل القمع التركي العنيف لاحتجاجات 31 مايو/أيار الشعبية، سلاحاً بأيدي الدول الأوروبية (وبخاصة ألمانيا) للاستمرار في معارضة دخول تركيا عضواً في السوق الأوروبية المشتركة .
داخلياً، فشل أردوغان في الحصول على أغلبية في البرلمان التركي، لتعديل الدستور بتحويل النظام السياسي التركي من نظام برلماني إلى رئاسي، يكون بموجبه الرئيس هو الحاكم الفعلي في كل القرارات . يريد أيضاً أردوغان من تعديل الدستور أن يجري السماح له بعد استنفاد ولايته الأخيرة في رئاسة الوزراء في عام 2015 بإمكانية الترشح كرئيس في النظام الرئاسي (لكن لم يحصل على أغلبية برلمانية مثلما قلنا) .
من الواضح أن رئيس الوزراء التركي وفي قراراته السياسية منشّد إلى عضوية حزبه (الحرية والعدالة) في حركة الإخوان المسلمين، قبل انشداده لاتخاذ سياسات معتدلة وواقعية، تقوم على احترام الدول الأخرى وعدم التدخل في شؤونها الداخلية . لذلك فإن سياساته في بلدان ما يسمى ب(الربيع العربي) تستند إلى رؤيا التنظيم العالمي لحركة الإخوان المسلمين تجاه هذه القضايا، فقد سبق وأن قام بتنظيم مؤتمر للتنظيم في أنقره، ولذلك “فإن تركيا تبدو وكأنها تسبح في الفراغ”، وهذا ما قاله السفير التركي السابق في واشنطن فاروق أوغلو، نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض .
من جهته يرى سنان أولغن رئيس مركز اسطنبول للدراسات الاقتصادية والسياسة الخارجية “إن سياسة ما يسمى ب صفر مشاكل مع الجوار لم تعد موجودة بكل بساطة” واستطرد . . . “لقد فشلت تركيا في التوصل إلى تبني سياسة دبلوماسية واقعية حيال التغييرات التي تشهدها المنطقة على أثر الربيع العربي” .
يبقى القول إن التدخل السافر لأردوغان في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ومنها مصر، سوف يخلق المزيد من الإشكالات لتركيا، حيث ستبدو مقولته “بأن القرن الواحد والعشرين سيكون قرناً تركياً بامتياز” ليست أكثر من وهم وخواء وليس لها صدى إلا في ذهنه




الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 63 / 2181627

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

75 من الزوار الآن

2181627 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 75


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40