الاثنين 2 كانون الأول (ديسمبر) 2013

خريطة “الإسلام الحزبي”

الاثنين 2 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par د. عبد الاله بلقزيز

ليس “الإسلام الحزبي” واحداً في مشروعه السياسي، وفي وسائل عمله وطرائقه، وإن كان من محتد (فكري) واحد، فهو كناية عن خريطة فسيفسائية من الأفكار السياسية، والتشكيلات التنظيمية، والبرامج الحزبية، والاستراتيجيات الحركية، وطرائق العمل (دعوية، سياسية، عسكرية) . وهذه جميعها تتدخل في تلوين كل جنس من هذا “الإسلام الحزبي” بلون خاص يتميز به عن غيره، على نحو يتعصى معه الجمع بين تنويعاته السياسية والتنظيمية كافة تحت عنوان واحد جامع مثل “الإسلام السياسي” أو “الإسلام الحزبي” .
من قوى “الإسلام الحزبي” من يريد بناء “الدولة الإسلامية” داخل الدائرة الوطنية، حتى وإن أسّس لنفسه تنظيماً دولياً ينسّق بين فروعه (حال “جماعة الإخوان المسلمين”)، ومنه من يبتغي إعادة إقامة نظام الخلافة في العالمين العربي والإسلامي (حال “حزب التحرير”)، ومنه من يريد إقامة “الدولة الإسلامية” التي تُعلَن منها الخلافة (تنظيم “قاعدة الجهاد”)، في الوقت عينه الذي تنشأ فيه “الدولة الإسلامية”، في هذا القطر وذاك، في نطاق عمل مُدار من مركز دولي جامع، ومنه من يريد هدف “الدولة الإسلامية” بالتقسيط والتدرُّج، وبمرجعية محلية (حال “حزب حركة النهضة” في تونس و“حزب العدالة والتنمية” في المغرب) .
ومن قوى “الإسلام الحزبي” من يتوسَّل العمل السياسي السلمي، معتمداً التدرّج والواقعية السياسية، من دون التخلي عن هدف بناء “الدولة الإسلامية”، ونابذاً العنف كوسيلة في العمل الحركي، ومنها (أي قوى “الإسلام الحزبي”) من يعتبر المسلك السياسي السلمي نهجاً غير إسلامي، وتفريطاً بالواجب الديني في إزالة “الطواغيت” بالقوة، متوسلاً العنف في عمله السياسي، معتقداً أنه السبيل الأقصر إلى تحقيق البغية: إقامة “الدولة الإسلامية” .
ومن قوى “الإسلام الحزبي” السلمي مَن هو في حكم المعتدل والواقعي، ومَن هو في حكم الراديكالي المغالي، من يشارك في الحياة السياسية والمؤسسات، فيعترف بالدستور، ويخوض الانتخابات، ويشارك في الحياة التمثيلية والنيابية (“الإخوان المسلمون”، “النهضة”، “جبهة العمل الإسلامي” الأردنية، “الجماعة الإسلامية” اللبنانية، “العدالة والتنمية” المغربي، “حزب النور”، “النهضة” في الجزائر، “التجمع اليمني للإصلاح” . .)، وفيها مَن ينبذ العنف - مثل الفريق الأول - ولكن يستنكف عن كل مشاركة سياسية، ولا يعترف بالدستور والمؤسسات التمثيلية القائمة، رافعاً سقف مطالبه إلى الحد الأعلى (“جماعة العدل والإحسان” في المغرب مثالاً) .
ومن قوى “الإسلام الحزبي”، التي تتوسل العنف في العمل السياسي، من يُبّرر لجوءه إلى العنف بدعوى أن النظام القائم يسد أمامه أبواب العمل السياسي، ومنها من لا يبرر ذلك سياسياً، بل يخلع عليه تسويغاً دينياً، فيدعي أن ذلك العنف الذي يُقدم عليه إنما هو عينه الجهاد الذي إليه دعا الإسلام لاستئصال الفساد، وفرض شريعة الله في الأرض . ومن قوى “الإسلام الحزبي الجهادي” هذه من يكفّر الدولة، ويدعو إلى الخروج عليها والظهور - بعد “الهجرة” من “قريتها الظالمة” أو من دون هجرة - ومنها من يكفّر الدولة والمجتمع معاً (بما في ذلك تكفيره قوى “الإسلام الحزبي” المشاركة في الحياة السياسية والمعترفة بقوانين الدولة “الكافرة”!) .
ومن قواه “الجهادية” من يَعُدّ الجهاد واجباً - أو
فريضة- في “دار الحرب” (بلدان الغرب أو البلدان غير
الإسلامية)، ومنها مَن يَعُده واجباً في دار الإسلام نفسها .
ثم إن منها من يدعو إلى إقامة دولة إسلامية، يكون مرجع التشريع فيها إلى الشريعة وأحكامها - منظوراً إليها من زاوية نظر القائلين بها - مع بعض تكييف تقتضيه ضرورات التطور . .، ومنها من يدعو إلى إقامة دولة إسلامية بالمعنى الثيوقراطي (دولة دينية)، يحكمها “أهل العلم” بالشريعة (طبقة رجال الدين): إما في طبعة إكليريكية صريحة على مثال ما قام في أوروبا الوسطى من دول دينية، أو في طبعة مهجنة على مثال نظام “الجمهورية الإسلامية” في إيران، حيث السلطة “موزَّعة” - شكلياً - بين مؤسسة ولاية الفقيه (المرشد) ومؤسسة الرئاسة، أو على مثال نظام “طالبان” السابق في أفغانستان .
من الواضح، إذاً، أن صورة “الإسلام الحزبي” من التنوّع والتعدد الفسيفسائي بحيث لا تقبل أن تجمع قواها - جميعها - تحت مسمى واحد . نعم، في وسعنا - بلغة الفلاسفة الأغارقة - أن نرد الكثرة إلى الوحدة، أي إلى المبدأ الجامع الذي عنه تصدر (الأصل الذي تتفرع منه الفروع بلغة الفقهاء)، فنقول إن ما يربط بين أمشاجها، ويؤلّف بينها - على اختلاف - هو مماهاتها، بدرجات متفاوتة، بين السياسي والديني . ولكن هذا الجامع - على أهمية فائدته في إضاءة مساحات المشترك بينها - ليس يكفي ليفسر التضارب الصارخ بين خياراتها واستراتيجياتها، ولا يُقنع أحداً بأن مآلات أفعالها واحدة، ذلك أن عاقلاً لا يملك أن يتجاهل الفارق الخرافي بين من يستغل الدين لكسب الرأي العام قصد الوصول إلى السلطة، من طريق الاقتراع، وبين من يستغل الدين لفرض رأيه على المجتمع بالعنف المسلح والإرهاب والتكفير وتدمير البلاد على رؤوس العباد . إنه الفارق بين الجماعات “الهادية” التي “تجاهد” في دماء المواطنين العرب: مسلمين ومسيحيين، وبين أحزاب إسلامية معتدلة، وذات نَفَس إصلاحي، مثل “حزب حركة النهضة” في تونس، و“حزب العدالة والتنمية” في المغرب، و“حركة مجتمع السلم” في الجزائر . . إلخ . وهذا النوع من “الإسلام الحزبي” هو ما يعنينا الحديث فيه، لأنه - اليوم - الأكثر فشوّاً وشعبية في ساحة "العمل الإسلامي



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2181791

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2181791 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40