أبناء فلسطين والأمة العربية وأحرار العالم لم يكونوا بحاجة إلى تقارير الخبراء السويسريين وغير السويسريين ليدركوا إن قائدهم التاريخي ياسر عرفات قد قضى شهيداً مسموماً بيد الإجرام الصهيوني...
فاغتيال أبي جهاد، وأبي أياد، وأبي الهول في تونس، واغتيال الكماليين وأبو يوسف النجار في بيروت، واغتيال ماجد أبو شرار في روما ونخبة من شباب فلسطين ومناضيلها في أوروبا، واغتيال الشيخ احمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي في غزة بوضح النهار والدكتور فتحي الشقاقي في مالطا، والقائد أبو علي مصطفى في رام الله، وقبله القائد وديع حداد في بغداد، وزهير محسن مقتولاً في فرنسا، وعبد الوهاب الكيالي مغدوراً في بيروت، والشهداء الثلاثة في قبرص حروان وحمدي ابو حسن ومعهم الشهيد منذر أبو غزالة، وغيرهم وغيرهم، كلها عمليات إجرام وإرهاب موصوفة تستحق كل واحدة منها متابعة قضائية أمام محاكم دولية من اجل تطبيق حقيقي لقاعدة عدم الإفلات من العقاب، التي تعرضت هي الأخرى لازدواجية المعايير ولسياسة الكيل بمكيالين التي تحكم العالم وسياسته وعلاقاته ونظامه الدولي ...
لقد كنا ندرك إن ياسر عرفات قضى شهيداً منذ اللحظة الأولى لاستشهاده في مستشفى برسي في باريس، حيث حرصت على وداعه هناك، لاكتشف من اقرب المقربين يومها، إن حياة القائد العظيم مرهونة بقرار سياسي يتخذه مجرم الحرب جورج بوش الابن، وينفذه مجرم الحرب الآخر أرييل شارون استجابة لاتصال الرئيس الفرنسي جاك شيراك، الذي نطلب الاستماع إليه كشاهد في جريمة القرن الحادي والعشرين، كما سمّاها رفاق أبي عمار وأفراد أسرته، تماماً كما نطلب إحالة بوش وأركان إدارته إلى القضاء الجنائي الدولي ، تماماً كشارون وأركان أجهزته الأمنية والعسكرية بتهمة اغتيال أبي عمار، فالأول حرّض وامتنع عن المساعدة بكشف نوع السم الذي دُسّ للقائد الفلسطيني، والثاني بتهمة تنفيذ هذه الجريمة البشعة بحق أسير محاصر في المقاطعة لأكثر من عامين ونصف، بعد أن عجزوا عن كسر إرادته ومصادرة قراره.
وإذا كان الصهاينة قد تمكنوا أخيراً من أبي عمار ونالوا منه، فتاريخ أبو عمار النضالي والكفاحي مليء بالعديد من محاولات اغتياله سواء بمؤامرات وصلت إلى مقربة من مكتبه في السبعينات أو بطائرات كانت تلاحقه في العرقوب عام 1972، ثم في مخيم النبطية خلال حرب المائة يوم أيضاً، ثم في الفاكهاني عام 1981، ثم في طول بيروت وعرضها خلال غزو عام 1982، وكانت ذروة تلك المحاولات في قصف مبنى عكر في الصنائع بالقنابل الفراغية التي أدت إلى استشهاد العشرات من المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين.
في ذكرى رحيل أبي عمار، ووفاء لعطاءات الراحل الكبير، أتمنى على قيادة حركة (فتح) وقيادة منظمة التحرير، وكل المعنيين العمل على:
1- المتابعة الدقيقة لملف جريمة الاغتيال واستخدام حق فلسطين كدولة غير عضو في الأمم المتحدة للادعاء أمام المحكمة الجنائية الدولية على الكيان الصهيوني وعلى كل من تثبته المحكمة متدخلاً أو متورطاً في هذه الجريمة.
2- دعوة مجلس الأمن، وفي حال الفيتو الأمريكي، دعوة الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وبموجب مبدأ الاتحاد من اجل السلام المقرّ عام 1950، إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية نزيهة ومحايدة للتحقيق في هذه الجريمة وفي كل الجرائم المرافقة والمماثلة.
3- دعوة اتحاد المحامين العرب ومعه كل الهيئات الحقوقية والمعنية بحقوق الإنسان، عربياً ودولياً، إلى التحرك لإطلاق أوسع حملة عالمية، قانونية وإعلامية، من أجل محاكمة كل المتورطين بجريمة اغتيال أبو عمار.
4- دعوة قيادتي فتح وحماس انطلاقاً من توافقهما على اتهام العدو الصهيوني بجريمة الاغتيال إلى تطوير هذا التوافق من اجل إنهاء الانقسام الفلسطيني، وإعادة بناء الوحدة الوطنية التي أمضى أبو عمار ورفاقه حياتهم من أجل لصونها والدفاع عنها، وإعادة الاعتبار للإستراتيجية التي بقي أبو عمار يعتمدها حتى الرمق الأخير من حياته، وهي إستراتيجية التكامل بين المقاومة المسلحة وبين كل أشكال العمل السياسي والديبلوماسي، باعتبارها الإستراتيجية الأفعل في مقاومة الاحتلال، والأقدر على تغيير المعادلات في الميدان وعلى المستوى الدولي، بل باعتبارها الإستراتيجية التي دفع أبو عمار حياته بسبب اعتماده لها.
5- لقد قاد أبو عمار في حياته انتفاضتين مجيدتين كان يستكمل بهما الثورة التي أطلقت حركة (فتح) رصاصاتها الأولى في 1/1/1965، ومن حق أبي عمار على القيادات والفعاليات الفلسطينية، وفي المقدمة منها حركة فتح ، أن تسهم في إطلاق انتفاضة ثالثة، أضطر أن يلّوح بها حتى وزير خارجية أمريكا إزاء التعنت الإسرائيلي، انتفاضة قادرة على إخراج القضية الفلسطينية برمتها من مهزلة المفاوضات الجارية، وأن تخرج في ظل المعادلة الدولية والإقليمية الجديدة، الاحتلال من الضفة والقدس كما أخرجته من غزة.
6- دعوة مراكز الأبحاث والدراسات الفلسطينية والعربية إلى عقد ندوة، بل ندوات، لدراسة التجربة الثورية والسياسية، الثرية والغنية، التي عاشها أبو عمار ورفاقه في (فتح)، لاستخلاص العبر والدروس منها، ولاعتماد تقييم منصف لقائد تاريخي، وحركة تاريخية، لعبا وما زالا يلعبان، دوراً تاريخياً في واحدة من أهم قضايا الأمة والعالم التاريخية.
ونحن في لبنان مدعوون بشكل خاص إلى دراسة منصفة لتجربة ابي عمار،اللبنانية، فترج من أسر أحكام ظالمة بحقه، بل نعطيه حقه دون زيادة أو نقصان.
ياسر عرفات ، ككل القادة العظماء، يكبر في ذاكرة شعبه وأمته وأحرار العالم، يوماً بعد يوم، وسنة بعد سنة، لأنه إذا كان العاديون يطويهم النسيان مع الوقت بعد رحيلهم، فالاستثنائيون كأبي عمار وإخوانه، يطوون النسيان ويبقون خالدين في ضمير الشعوب والأمم.
أبو عمار اختصر في حياته حياة شعبه، وفي نضاله نضال أمته، وفي أسره قصة كل الأسرى والمعتقلين، وفي استشهاده حكاية كل الشهداء.
الخلود لياسر عرفات وكل الشهداء
والنصر للثورة والحرية لفلسطين
والوحدة والنهضة لامتنا العربية
الأحد 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013
كلمة الأستاذ معن بشور
في الذكرى التاسعة لاستشهاد الرئيس ياسر عرفات
الأحد 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013
par
معن بشور
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
12 /
2182165
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
20 من الزوار الآن
2182165 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 23