السبت 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

مؤتمر جنيف بين مساعي التحفيز والتعجيز

السبت 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par د. عصام نعمان

لن يُعقد مؤتمر “جنيف -2” في 23 و24 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري . قد لا يُعقد قبل نهاية العام الحالي . وثمة من لا يريد له أن يُعقد أبداً . من المسؤول عن تفشيل الاتفاق على موعد محدد لانعقاده؟

قيل إن “الإئتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية” مسؤول عن الفشل كون أطرافه السياسية لم تتفق بعد على مبدأ المشاركة في المؤتمر كما على أسس تشكيل وفد موحد . قيل إن قيادة “الجيش السوري الحر” كما بعض فصائل المعارضة المسلحة هي المسؤولة عن الفشل لأنها سحبت اعترافها ب “الإئتلاف الوطني” . قيل إن دولاً إقليمية هي المسؤولة لأنها تشترط للمشاركة فيه الاتفاق مسبقاً على إقصاء الرئيس بشار الأسد عن السلطة وبالتالي عن المفاوضات قبل افتتاح المؤتمر، كما ترفض دعوة إيران لحضوره . قيل إن تركيا أيضاً مسؤولة لأنها لا ترى جدوى من انعقاده وأن الأفضل العودة إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار حول الأزمة السورية .

كل هذه الأقاويل ممكن أن تكون صحيحة . لكن الأصح أن الكبار لم يتفقوا بعد على شكليات المؤتمر وأسسه، الأمر الذي انعكس على الصغار . غير أن الصغار ما عادوا صغاراً . صحيح أن أحجامهم ما زالت دون أحجام الكبار، لكنهم يمتلكون من الأوراق ما يجعلهم في مركز يمكّنهم من المنح او المنع .

ليس أدل على أن الكبار يتحملون قسطاً من المسؤولية عن الفشل ما يُنسب إلى مسؤولي الولايات المتحدة من أقاويل ومواقف . أحد مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية نُسب إليه رأي مفاده أن إقصاء الأسد يفضي إلى توسيع الفوضى التي تعمّ سوريا وتعميقها، في حين أن وزير الخارجية جون كيري صرح، خلال زيارته السعودية، “أن لا دور للأسد في مستقبل سوريا” . هل ما قاله كيري كان لمجرد استرضاء السعودية أم أنه موقف ثابت؟ إذا كان ثابتاً، فلماذا استرسلت روسيا في الإعلان عن أن المؤتمر سينعقد في 23 و24 نوفمبر مع علمها أن سوريا لا يمكن أن توافق على حضوره إذا كان إقصاء الأسد شرطاً لانعقاده؟

قيل إن دافع كيري لإطلاق تصريحه كان تحفيز السعودية، وبالتالي “الإئتلاف الوطني”، على حضور المؤتمر . لكن، طالما كيري يعلم علم اليقين أن دمشق لن تقبل بإقصاء الأسد قبل بدء المفاوضات ولا خلالها، فهل يكون تصريحه وسيلة للتحفيز أم للتعجيز؟

من الواضح أن مسؤولي الولايات المتحدة مرتبكون بسبب خلافات حلفائهم . تجلّى ذلك فيما يشبه الاعتراف أدلت به مساعدة كيري، وندي شيرمان، في اجتماع الثلاثي الروسي - الأمريكي - الأممي في جنيف مؤخراً . شيرمان دافعت عن ضرورة إعطاء المزيد من الوقت للإئتلافيين لأن عقد الاجتماع في 23 و24 نوفمبر الجاري، كما كان مقترحاً، يُعدّ تسرعاً ويشكّل مكسباً مجانياً للنظام السوري الذي سيحاور معارضة منقسمة ومشرذمة وغير جاهزة، وأنه “ينبغي ألاّ نتسرع بل أن ندعم اجتماع المعارضة في اسطنبول كي يصلوا إلى جنيف موحدين” .

هل في مقدور المعارضين السوريين المجتمعين في اسطنبول التوصل إلى اتفاق بشأن المسألتين المركزيتين: إقصاء الأسد قبل المؤتمر، وإبعاد إيران عنه؟

كيري مقتنع بذلك لدرجة أنه حرص في الرياض على التصريح أنه “باستثناء حل تفاوضي، لا نرى وسائل كثيرة لإنهاء العنف، لأنه ليس لدينا التفويض القانوني ولا المبررات او الرغبة في هذا الوقت لنجد أنفسنا في خضم حرب أهلية” في سوريا .

حلفاء أمريكا الإقليميون لا يشاطرون كيري رأيه . ففي الوقت الذي كان الاجتماع الثلاثي الروسي - الأمريكي - الأممي منعقداً في جنيف، كان ثمة اجتماع آخر غير ديبلوماسي منعقداً في الريحانية على الحدود التركية -السورية . ذلك أن تشكيلات مسلحة قديمة وأخرى جديدة تبدو في طور الإعداد والتحضير للاندماج بدعم من شخصيات تتولى مسألة التمويل .

اجتماع الريحانية ضم “هيئة أركان الجيش الحر” وقادة بعض الألوية والكتائب الإسلامية . كانت سبقته لقاءات شملت شخصيات سلفية “جهادية” وممولين، غايتها تشكيل جيش جديد يضم أكبر المجموعات المقاتلة مثل “لواء التوحيد” و”صقور الشام” و”جيش الإسلام “ و”الفرقة الثانية”، على أن يتبع ذلك إنشاء “مكتب سياسي” يكون بمثابة بديل ل “الإئتلاف الوطني السوري” . وكانت عشرات المجموعات المسلحة اعلنت سحب اعترافها بالإئتلاف وب “الحكومة المؤقتة” التي ينوي تشكيلها .

من الواضح أن ثمة مقاربة للأزمة السورية وتحظى بدعم من مجموعات مسلحة عدّة غايتها تكوين “جيش محمد” من فصائل “جهادية” تريد أن تشكل بديلاً ل “الجيش الحر” ولقيادة العميد سليم إدريس . كل ذلك بقصد تنظيم مواجهات عسكرية فاعلة ضد الجيش السوري يكون من شأنها إيجاد ميزان قوى ميداني جديد يكون أكثر تكافؤاً . إلى ذلك، يُراد لهذا “الجيش الجديد” الموحد أن يقدّم مواجهة أفضل وأفعل لكتائب “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) ول “جبهة النصرة” التي انعكست تصرفاتها الميدانية سلباً على سمعة المعارضة السورية .

في الواقع، باشر بعض فصائل “الجيش الجديد” قبل إعلان قيامه هجمات واسعة النطاق في منطقة درعا وعلى السفح الشرقي لجبل الشيخ في وجه الجيش النظامي وفصائل الدفاع الوطني المساندة له . تردد أن الهدف الرئيس لهذه الهجمات السيطرة على موقع حربون للدفاع الجوي التابع للواء 90 في الجيش السوري . في المقابل، يسعى الجيش السوري إلى صدّ هذه الهجمات للحؤول دون سيطرة مسلحي “جبهة النصرة” على السفح الشرقي لجبل الشيخ ما يعزز سيطرتها على قسم من الأراضي السورية المحاذية لخط وقف النار مع العدو “الإسرائيلي” في منطقة الجولان المحتل .

كل هذه الواقعات والتطورات إن تدل على شيء فعلى أن مؤتمر جنيف -2 ما زال بعيد المنال، وإن استنزاف سوريا مازال ناشطاً، وإن مداه طويل .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165502

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165502 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010