الثلاثاء 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

الأخطر من وعد بلفور

الثلاثاء 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par د. فايز رشيد

في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني كل عام تتجدد ذكرى وعد بلفور الذي جرى اطلاقه في عام 1917 . ستة وتسعون عاماً مرّت على هذا الوعد المشؤوم من وزير خارجية بريطانيا العظمى للحركة الصهيونية، والذي جعل من فلسطين مكاناً لإقامة الوطن القومي لليهود ظلماً وزوراً وبهتاناً، بما يمثله ذلك من انصياع وتآمر بريطاني -غربي لقرار المؤتمر الصهيوني الأول الذي انعقد في مدينة بازل السويسرية في عام ،1897 والذي جعل من فلسطين أرضاً للميعاد .

قرار الحركة الصهيونية، وبريطانيا، مثّلا ولا يزالان التقاء المصالح الاستعمارية والصهيونية ومخططاتهما البعيدة المدى للوطن العربي والقاضية بإقامة دولة غريبة عن المنطقة وعدوة لسكانها في الجزء الفاصل بين دول الوطن العربي في آسيا والأخرى في إفريقيا، هذه الدولة ستكون رأس جسرٍ للمصالح الاستعمارية في الشرق الأوسط، وحربة في ممارسة العدوان على دوله , كما أنيطت بها مهمة منع الأقطار العربية من الوحدة لأن وحدتها تجعل منها قوة مؤثرة على الساحة الدولية،تم رسم هذا المخطط في مؤتمر كامبل-بنرمان في عام 1908 بين الدول الاستعمارية, تتويجاً لقرار المؤتمر الصهيوني, وتمهيداً لوعد بلفور فيما بعد .

وبالفعل جرت الأحداث الفعلية بقوة السلاح الاستعماري الانتدابي البريطاني وفقاً لهذا المخطط،إذ سهّلت بريطانيا(الدولة المنتدبة على فلسطين) وكافة الدول الاستعمارية الأخرى (بما في ذلك ألمانيا النازية) هجرة اليهود إلى فلسطين تحت سمع وبصر سلطات الانتداب البريطاني، وسلّحتهم بالأسلحة الحديثة التي كانت في ذلك الوقت لينشئوا في ما بعد منظماتهم الإرهابية الصهيونية،التي كانت نواة الجيش “الإسرائيلي” حينما تم الإعلان عن قيام الكيان .

كذلك في الرابع من يوليو/تموز 1917 تلقت قيادة الحركة الصهيونية رسالة من وزير الخارجية الفرنسي: جول كمبون ورد يقول فيها: “سيكون من العدل ورفع مظالم الماضي أن نساعد بحماية قوات من الحلف على إحياء القومية اليهودية في الأرض التي أجلي عنها عنوة شعب “إسرائيل”، قبل مئات كثيرة جداً من السنين” . في 19 سبتمبر/أيلول 1917 تسلمت القيادة الصهيونية رسالة من رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج، وموقّعة من وزارة الخارجية البريطانية، جاء فيها: “إن أرض “إسرائيل” يجب أن تنشأ من جديد لتكون الوطن القومي للشعب اليهودي” . لقد حرصت قيادة الحركة الصهيونية على كسب اعتراف عالمي بربط فلسطين بالتاريخ اليهودي، أي أن فلسطين ليست منّة من أحد وانما “كانت وطناً قومياً للشعب اليهودي” .

لقد استحصلت الحركة الصهيونية في عام 1905 على وثيقة شعارها “لأجل وطن يهودي” صاغها بالتنسيق معها رجل دين بروتستانتي معروف من شيكاغو هو الكاهن بلاك ستون جاء فيها “لقد أجلي الشعب اليهودي عن وطنه بالقوة وإن عودة اليهود الى وطنهم فكرة جيدة وتحظى بقبول كل المؤسسات الرسمية والأهلية الأمريكية” . في عام 1920 وفي مؤتمر سان ريمو في إيطاليا عام 1920 تم ادخال وعد بلفور في نطاق الاتفاق الدولي . بعد ذلك وفي عام 1922 تبنت عصبة الأمم ال 51 وثيقة كتاب الانتداب على أرض “إسرائيل” الذي شمل وعد بلفور وجعلوه التزاماً دولياً .

لا نكتب عن وعد بلفور وما جرى قبله وبعده بهدف التباكي عليه، لكن من أجل توضيح حجم المؤامرة على فلسطين وعلى الأمة العربية بأسرها من الدولة الاعظم وحليفاتها آنذاك واستهدافها عموم المنطقة . جاءت ولادة الدولة الصهيونية في عام ،1948 ومنذ تلك اللحظة وحتى الآن 2013 لم يتوقف التآمر “الإسرائيلي” لا على شعبنا ولا على أمتنا . كل الذي حصل بعد ما يزيد على الستة عقود، أن “إسرائيل” أصبحت أكثر عدوانية وصلفاً وعنصرية عاماً بعد عام .

من جانب آخر ازداد التآمر الاستعماري على الوطن العربي وهو ما يؤكد حقيقة المؤامرة التي صيغت خيوطها في أوائل القرن الماضي .

الآن نشهد فصولاً جديدة من المؤامرة عنوانها: تفتيت الدول القطرية العربية وتحويلها الى كيانات هزيلة ومتناحرة ومتحاربة . أفضل مثال على صحة ما نقول هو جنوب السودان الذي تم اقتطاعه من جسد الوطن الأم ليمثل “إسرائيل” جديدة يتم زرعها في الخاصرة الأخرى للوطن العربي .

حتى الآن لم نستفد من دروس الماضي، العرب ما زالوا مفككين والقطرية تتمازج مع العصبوية لتشكل ما يشبه الظاهرة في العالم العربي على حساب شعارات الوحدة والتكامل والتنسيق البيني العربي . الحال الفلسطيني ليس بأفضل، فالانقسام بات حقيقة واقعة في عامه السادس على التوالي . المشروع الوطني الفلسطيني يعاني تراجعاً كبيراً رغم وضوح كافة خيوط المؤامرة .

في ذكرى وعد بلفور من الواضح أن الخطر الصهيوني لا يقتصر على الفلسطينيين بل يتعداهم إلى كل العرب . من أجل هذا لا بد من تعزيز التلاحم بين الخاص الوطني والعام القومي . “إسرائيل” لا تريد السلام لا مع الفلسطينيين ولا مع العرب . تريد استسلامهم الكامل لها ولتسوياتها . لكل ذلك لا بد من بناء استراتيجية فلسطينية وعربية جديدة في كيفية التعامل مع هذا العدو وأطماعه في الوطن العربي . استراتيجية تقوم على مجابهة “إسرائيل” وكافة المؤامرات التي تحاك ضد العرب ولعموم المنطقة . ولتتعزز شعارات التضامن والتكامل العربي على طريق الوحدة العربية . بالطبع هذا ليس حلماً وإنما ضرورات واقعية ومتطلبات مرحلة وضمانة لبقاء الأمة العربية والا سنكون أمام حلقات تآمرية جديدة هي نسخ كربونية عن وعود بلفور عديدة واتفاقيات سايكس بيكو جديدة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2181292

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2181292 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40