الأحد 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

أميركا والتجسس على العالم!

الأحد 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par د. فايز رشيد

التجسس على المواطنين والعالم في داخل الولايات المتحدة وخارجها هو الشعار الذي ترفعه وكالة الأمن القومي الأميركية. لم يسلم من التجسس, الأصدقاء القريبون من أميركا بمن فيهم الرئيس الفرنسي هولاند والمستشارة الأميركية أنجيلا ميركل ولا الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف, اضافة الى35 زعيما من مختلف أنحاء العالم. التنصت الأميركي كان على كل شيء الكومبيوتر والرسائل المطبوعة عليه, الهواتف بما فيها الشخصية وغيرها وغيرها واستعملت أحدث الأجهزة بما فيها الكاميرات المثبتة والمربوطة بالأقمار الصناعية الأميركية. منذ يونيوالماضي عندما كشف إدوارد سنودن المستشار السابق في الوكالة المكلفة مراقبة الاتصالات حقيقة التجسس الأميركي على العالم والفضائح تتكشف واحدة بعد الأخرى والحبل على الجرار.
لقد اهتمت واشنطن بما كشفه سنودن. وخوفاً من الفضائح التي يتم كشفها الآن حاولت تسلمه من روسيا فلم تقبل الأخيرة بدعوى أنه يرفض العودة إلى بلده. أثّرت هذه الحادثة على العلاقة بين البلدين إلى الحد الذي ألغى فيه أوباما زيارة رسمية إلى روسيا،على هامش قمة سانت بطرسبرج الاقتصادية التي عُقدت منذ بعض الوقت. المحاولة الأميركية الحثيثة لاسترجاع المستشار السابق في الوكالة (التجسسية) دليل فاقع على تورط الإدارة الأميركية في هذه المهمة القذرة، ودليل على كم المعلومات التي يملكها سنودن, ودليل على أن في جعبته بعد, الشيء الكثير مما تخشى واشنطن نشره. لقد عطّلت الولايات المتحدة اللجوء السياسي الذي طلبه المستشار السابق, من دول عديدة وقامت بالتدخل والاتصال بهذه الدول من أجل منعها الاستجابة لطلبه, إلى أن أعلنت روسيا: أنها أعطته الإقامة في موسكو. إن علاقة أميركا مع كل دول العالم بمن فيها الدول الصديقة لها مبنية على الشك, فلا مجال للثقة والكل تحت المراقبة. هذا جزء من العنجهية والصلف الأميركي المبنيين تجاه كل الآخرين. بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 تبنى الكونجرس الأميركي قانوناً سمّي بـ القانون الوطني (باتريوت اكت) لتوسيع عمل الاستخبارات في مجال مكافحة الإرهاب. لكن القانون لم يبق في الحدود التي جرى سنه من أجلها، بل توّسع إلى الحد الذي طال فيه كل المجالات وكافة الأفراد بمن فيهم الأصدقاء الحميمون لواشنطن.
في الذكرى الثانية عشرة لإقرار القانون: جرت مظاهرة حاشدة في واشنطن احتجاجاً على التجسس الأميركي على الحياة الخاصة للأميركيين. وكان من جملة الشعارات التي جرى رفعها“اوقفوا التجسس على الجماهير” وهي المرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة التي يتجمع فيها الناس من أجل حياتهم الخاصة. هذا ما قاله في الحشد رئيس مجموعة الإعلام والتكنولوجيا الحرة كريج أهرون الذي ذكر أيضاّ“إن الرأي العام الأميركي غيّر كثيراً في نظرته إلى وكالة الأمن القومي والخصوصية”. ومع كشف المعلومات عن عمليات التنصت اضطرت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لاتخاذ إجراءات في أغسطس الماضي من أجل ضمان شفافية أكبر في عمليات المراقبة! لكن من الواضح أن لا شفافية فيما تمارسه وكالة الأمن القومي على الأميركيين حتى في أدّق خصوصياتهم الحياتية.
لطالما كشفت الأحداث عن الدور القذر لوكالة المخابرات الأميركية (السي.أيْ.إيه) في إسقاط العديد من رؤساء الدول الذين لا يتفقون وسياسات واشنطن, تجاه العديد من المسائل السياسية على الصعيد العالمي، ومن بين هؤلاء محاولة إسقاط الزعيم العربي الوطني جمال عبد الناصر. لقد لعبت الوكالة دوراً في إسقاط ثورة مصدّق في إيران, والرئيس التشيلي الشرعي سلفادور الليندي وغيرهم وغيرهم.لقد لعبت الوكالة دوراً في إحداث اضطرابات كثيرة في العديد من الدول ومن بينها دولنا العربية, وذلك في إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والإثنية وتحويلها فيما بعد إلى حروب طاحنة أدت في إحدى حلقاتها الى تفتيت الدولة. لقد كشف فرانسيس ستونر سسوندرز في كتابه القيمّ“الحرب الباردة الثقافية، المخابرات المركزية الأميركية وعالم الفنون والآداب” (المجلس الأعلى للثقافة ,القاهرة 2003,) محاولة الولايات المتحدة الأميركية غزو العالم ثقافياً من خلال تسييد الثقافة الأميركية على كل مناطق العالم بما في ذلك أوروبا , من أجل الاستفراد بزعامة العالم، واستعملت تعبيرات شتى لتبرير هذا المفهوم ومنها: تحصين العالم ضد ما كان يسمى بـ (وباء الشيوعية). لقد ابتدأت المخابرات المركزية منذ عام 1947 في بناء كونسيرتيوم(اتحاد) من أجل تمهيد الطريق أمام مصالح السياسة الخارجية الأميركية! مقصود القول إنه في مفهوم الولايات المتحدة“فإن الغاية تبرر الوسيلة”لذلك لا تتوانى الأجهزة الاستخباراتية الأميركية عن استعمال كل الوسائل في سبيل خدمة هذه السياسات, حتى لو كان منها: التجسس على الأمور الحياتية والشخصية للأميركيين وغيرهم في بلدان العالم المختلفة.
إن المبدأ الأميركي“من ليس معنا فهو ضدنا” الذي كان يردده بوش مراراً, لم يكن من اختراعه بل هو شعار أميركي تم اختراعه في عهد الرئيس الأميركي روزفلت, وهو يعني إن لم تكن مطلق دولة ومطلق نظام ببغاء لما تريده الولايات المتحدة من سياسات ومواقف, فبالحتم فإن هذه الدولة وهذا النظام يقفان في صف أعدائها, ولذلك يجوز التآمر وايجاد المشكلات للدول المعارضة. كما يجوز إسقاط النظام بكافة الوسائل والسبل. لذا فإن الأجهزة الأمنية الاستخباراتية الأميركية العديدة تتواءم والسياسات الداخلية والخارجية للإدارات الأميركية المختلفة.الأمر الذي يعني أن ما تقوم به هذه الأجهزة من تجسس على الدول والرؤساء والبشر, ليس اختراعاً خاصاً بها وإنما تكرار لأوامر تتلقاها من المعنيين في الإدارات الأميركية وتحديداً من الرؤساء الأميركيين.
يبقى القول: إن الفضائح الأميركية في التجسس لن تتوقف عند الحدود التي وصلت اليها, فعلى شاكلة وثائق ويكليكس وملاحقة أسانج, ها هي فضائح جديدة تتكشف وتجري ملاحقة سنودن , والحبل على الجرار.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 48 / 2165325

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165325 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010