السبت 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

زوابع سنودن في فنجان الدونية الأوروبية!

السبت 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par عبداللطيف مهنا

قبل لجوئه إلى موسكو فجَّر إدوارد سنودن المستشار في وكالة الأمن الوطني الأميركية آخر ما جادت به حلقات مسلسل فضائح السياسات الأميركية الكونية، والتي شغلت موخرًا إلى حد ما عالم هذه الحقبة الطافحة بالتحولات الكونية الزاحفة. سرَّب وثائقه التي بات يتوالى نشر جديدها تباعًا في صحف الغرب. وإذ هي بالآلاف، فإنها وقف على مسألة واحدة، وهي أن الولايات المتحدة تتجسس على كل من هم حولها في هذا العالم وبلا استثناء، بمن فيهم حلفاؤها وأصدقاؤها، أو تابعوها قبل أعدائها، وكل ضحاياها من هؤلاء، وعلى اختلافهم، يتفقون جميعًا حول مثل هكذا توصيف لمثل ما كشفته هذه الوثائق. هنا، قليل من تمعُّن يطرح علينا سؤالًا قد يفسد جوابه على القلة التي ربما تفاجأت بما كشفه سنودن دهشة المتفاجئ. إنه، وما الجديد؟ أو ما الذي فُضح ولم يك مفضوحًا؟!
باستثناء من زعم من الحلفاء الأوروبيين، وبعضهم وليس كلهم، بأنهم قد صدموا بالأمر، ولأسباب سنبيِّنها لاحقًا، لم نسمع جهةً في أربع جهات الكون عبرت عن صدمتها لمثل هذا المفتضح الأميركي، لأن من لم يك يفطن إلى ما سيكشفه له سنودن فيما بعد كان إما يفترضه أو يتوقعه، فالعالم، كل العالم، لا سيما في حقبته الأخيرة، التي كانت قد بدت ولسنوات قليلة في بداياتها أنها أميركية بامتياز، ولدرجة أن بشَّرنا حينها بعض الأميركان بالقرن الأميركي، ما فتئ يشهد ويلمس تتالي مؤشرات البدايات الحثيثة لانحسارالهيمنة الأميركية وتآكل سطوتها، وبات لا يفوته ملاحظة أن سياسات هذه الامبراطورية تنبئ في تخبطها وارتباكاتها، وتتالي أزماتها وفضائحها بأنها تعيش مرحلة من مكابرات سن اليأس، وحال من تخطو متثاقلة، وفق سنن ما مر قبلها على هذا الكون من امبراطوريات، نحو محتَّم الأفول. كما ليس بالخافي ولا المكتوم، ومنذ انكفائها بعيد غزوها واحتلالها للعراق، وفل جبروت قوتها الهوجاء لفشل لحق ولا يزال يلحق بجحافلها في بلاد الأفغان، أضف إليه أزماتها الاقتصادية المتمكنة والمستفحلة، وراهن تهتُّك آحادية قطبيتها بفعل بشائر بروز مظاهر تعدد هذه القطبيات كونيًّا، أنها تتجه مكرهةً لاستبدال حروبها الكونية الشاملة لكافة أرجاء المعمورة بالمموهة والناعمة، أو بالأحرى القذرة، التي لا تستثني من شرورها شبرًا واحدًا منها، والتي إذ لا تهمل عدوا، لن توفر صديقًا أو يسلم منها حليف، وحيث حروبها واحتكاراتها المعولمتان تتلازم وتسير جنبًا إلى جنب ... آخر توصيف خصت به منظمة العفو الدولية ذاك الجزء المتعلق بحروبها التي تدعوها “مكافحة الإرهاب” هو “حروب سرِّية غير قانونية ولا أخلاقية”... والآن، وماذا عن أولئك “المصدومين” من حلفائها الأوروبيين؟!
بعض ما نشرته “اللوموند” الفرنسية، وبعدها الجارديان“البريطانية خلاصته أنه، واعتمادًا على أجهزة التنصت والاختراق والأقمار الاصطناعية، وما تتيحه لهم هيمنتهم على كل ما يمر بالشبكة العنكبوتية عبر احتكارهم لها من خلال سدنتها من أمثال”جوجل“و”ياهو“و”الفيس بوك“و”اليوتيوب“وأخواتهما من هذه المواقع التي تمكنهم من مداخل خلفية لها تطل على كل ما تختزنه، يديرون نظامًا تجسسيًّا كونيًّا شاملًا ومتشعبًا لسلسلة من برامج المعلوماتية ذات التقسيمات القارية يقرصنون من خلاله كل وسائل التواصل الإلكتروني والهاتفي في العالم، ويقومون، بمشاركة من الموساد و”وحدة الاستخبارات الإلكترونية“التي يديرها، بتحليلها وأرشفتها، بحيث يغدو الكوكب الأرضي بكامله قيد تخزينهم وبرسم استقصائهم المعلوماتي ... ليس هذا ما أزعج”المصدومين“الأوروبين الذين من الصعب تصوُّر أنهم كانوا يجهلونه قبل افتضاحه، ولا يرون ما يسوؤهم في كون حليفهم، الذي يعرفون أنه يتجسس حتى على مواطنيه قبل مواطنيهم، كان يتنصت على ما لا يقل عن 35 رأس دولة في العالم والمليارات من مواطنيه وفي المقدمة بالطبع العالم الإسلامي، وإنما ما يعنيهم من كل هذا هو ما يثير ويغضب شارعهم الذي اكتشف أنه حتى خصوصيات كل ما يدب فيه هي تحت طائلة العين والأذن الأميركية المتجسسة ... لذا كان لا بد من ما هو لا يتعدى الزوبعةً من الاستنكارات والاحتجاجات الحيية أو المعاتبة وبعض الشكوى وزعم الإحساس بالصدمة لهذا الأمر الجلل المتمثل في تجسس الحليف الأكبر على حلفائه، حتى”من دون مبرر استراتيجي أو مبرر للدفاع القومي“، كما يقول رئيس الوزراء الفرنسي”، والقائمين بـ“الاستنكار الشديد” من قبل رئيسه هولاند، ويستحق من المستشارة ميركل وصفه بـ“غير المقبول على الإطلاق”، ومن الاتحاد الأوروبي مجتمعًا، والذي ما كانت ولن تكون دوله على قلب رجل واحد، ليس بالأكثر من عبارة وردت في بيانه تقول، “إن انعدام الثقة قد يضر التعاون في عملية جمع المعلومات الاستخبارية”، لكنما دون أن يغفل عن تثمينه للعلاقات “الوثيقة مع الجانب الأميركي”!
كل هاته الزوبعة، التي أثارت قنبلة سنودن عند البعض توقع تحولها إلى عاصفة تجول في معسكر الحلفاء الغاضبين، ليشهدوا ما هو ليس بأكثر من زوابع تنوس في فنجان الدونية الأوروبية حيال حليفها الأكبر، لم تنتزع من شبه الصمت الأميركي أكثر من “أن التجسس أمر روتيني بين الأمم”، وتأكيد أوباما لميركل في اتصالها المعاتب به بما يعني أنه من الآن وفي المستقبل لن تتلصص بلاده على هاتفها الشخصي ... ما السر في ذلك؟!
إنه، وببساطة، لأن واشنطن ومعها إسرائيلها تشاركهم بعض حصادها التجسسي، ومنهم من يتعاون معها في بعض جمعه وتحليله، ويقال إنها حذَّرتهم بأن وثائق سنودن تحتوي على تفاصيل عن تعاونهم معها... ولأنهم جميعًا يتجسسون على بعضهم البعض ...



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 41 / 2165399

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165399 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010