السبت 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

لهذا تدرس مصر الغاء كامب ديفيد!

السبت 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par محمد ابراهيم

نحن الخاسرون.. هكذا صرح عدد من الخبراء الاستراتيجيين الأميركيين اعتراضا على موقف الإدارة الأميركية وإعلانها تقليص المساعدات العسكرية لمصر، اعتبروا القرار ينم عن جهل وعدم فهم من الإدارة الاوبامية لأهمية استمرار التحالف الاستراتيجي والعلاقات مع مصر، فلو كان أوباما يدرك كم دفعت الولايات المتحدة من ثمن وجهد كي تستطيع تحويل وجهة المصريين في السبعينيات من اتجاه روسيا إلى واشنطن، لما كان سيفكر لحظة في أن يتخذ قرارا متسرعا بتقليص المساعدات أو حتى تأجيلها بدعوى انتظار تحقيق التقدم في العملية الديمقراطية.

لن تخسر مصر شيئا إذا قلصت المعونة أو قطعت تماما، أو على الأقل لن تخسر مصر الكثير، فقدر المساعدات لا يغري الحكومة المصرية على تقديم أية تنازلات مقابل الابقاء عليها، بل على العكس عدد من الدوائر المصرية لم تعد ترى ضرورة للإبقاء على المعونة من الأصل وتضغط كي تتقدم مصر من نفسها بطلب واضح وصريح للإدارة الأميركية لإيقاف تلك المساعدات، كي يتوقف البيت الأبيض في نفس اللحظة عن ممارسة دور الرقيب السخيف على مصر.

الموقف في الولايات المتحدة فيه قدر كبير من الغضب على أوباما بسبب قراره، فكل الحسابات السياسية والاستراتيجية تؤكد أن المستفيد الأول من المساعدات العسكرية لمصر هي أميركا نفسها، وأن توقف هذه المساعدات لأي سبب سيكون تأثيره أكبر على واشنطن وليس القاهرة، والتي لديها بدائل عديدة ومتاحة يمكنها من خلالها تعويض ما سينقص بسبب وقف تلك المساعدات. فعلى المستوى المالي سيغطي الدعم الخليجي هذا النقص ويزيد عليه، وقد أعلنت دول خليجية بوضوح أنها لن تتأخر عن مساندة مصر التي تعتبرها ركيزة الاستقرار في المنطقة.

أما على المستوى التسليحي فقد فتح القرار الأميركي الغبي، حسب الخبراء الأميركان أنفسهم، الباب واسعا كي تتجدد المحاولات والتلميحات الروسية والصينية لإمكانية توطيد العلاقات مع مصر ومدها إلى المجال العسكري. الأهم كما يقولون إن مصر ليست حزينة ولن تنهار إذا ما قطعت واشنطن معونتها، بل على العكس سيكون قرارا مريحا للقاهرة لأنه سيزيد من حريتها في التعامل مع واشنطن.

ويؤكد هذا الأمر ما ذكرته كاتي ماكفرلاند والتي زارت مصر مؤخرا على رأس وفد لمقابلة عدد من المسئولين المصريين وجلست مع الفريق أول السيسي لساعتين قال لها خلالها بالحرف: الحصول على المساعدات ليس مهما لكننا بصراحة نريد الدعم المعنوي، والذي لن يكلفكم سنتا واحدا.. وإذا دعمتونا فسيكون عظيما.. وسيساعدنا على استقرار الوضع.

كلام السيسي حسب ماكفرلاند يؤكد أن مصر في غنى عن المساعدات المادية الأميركية التي لا تفيد، وانما ضررها أكبر، واذا كان لا بد من دعم فالأهم هو الدعم المعنوي الذي يعني الاعتراف الاميركي بحق الشعب المصري في تقرير مصيره بيده دون أن يفرض عليه، ودون أن تملي الإدارة الأميركية رغبتها وتنصب على المصريين من تشاء.

فالدعم الذي يطلبه المصريون ليس دولارات ولا أسلحة ولا معونات وأنما فقط أن تعبر الإدارة الأميركية عن احترامها لارادة الشعب.

لكن في المقابل الخسائر التي ستحلق بالولايات المتحدة إذا قطعت مساعداتها عديدة وفي مقدمتها فقدان مصر كشريك استراتيجي مهم في منطقة لا يمكن أن تستغني عنها واشنطن. وربما هذا ما تسبب في غضب نواب في الكونغرس اعترضوا صراحة على إصدار أوباما لهذا القرار دون الرجوع إليهم أو مناقشتهم. هؤلاء النواب بمن فيهم جمهوريون وديمقراطيون يرون القرار خطأ لا يغفر لإدارة أوباما وسيعرض المصالح الأميركية في الشرق الأوسط لكثير من المخاطر أسوأها على الإطلاق أن تولي القاهرة من جديد وجهها بعيدا عن أميركا وأن تستبدلها بوجهة أخرى معروفة، وهذا الخطر هو نفسه ما حذرت منه ماكفرلاند وقالت إن عواقب هذا التحول المصري ستكون وخيمة ليس فقط على واشنطن وإنما أيضا على إسرائيل التي أصبح لديها هاجس واضح من أن ترد مصر على القرار الأميركي بأن تعلن تحللها من اتفاقية السلام مع إسرائيل.

صحيح أن هذا أمر مازال قيد التوقع لكنه أيضا ليس مستبعدا خاصة أنه أصبح مطلبا شعبيا ويعتمد من ينادون به على أن المساعدات كانت جزءا من اتفاقية السلام ووقفها يعني منح مصر حق الغاء معاهدة السلام، ووقتها وحسب الخبراء الأميركان ستكون أزمة حقيقية وسكبا لمزيد من البنزين على النار المشتعلة في المنطقة، وربما لهذا السبب كان استقبال الإسرائيليين لقرار أوباما مصحوبا بخيبة أمل على حد وصف الصحفية إيزابيل كيرشنز في النيويورك تايمز، فهم وأن كانوا يراهنون على ذكاء المصريين في تعاملهم مع معاهدة السلام لكنهم لا يستطيعون الأعتماد على هذا الرهان كثيرا كما أنهم يتخوفون جدا من تأثير القرار على مكانة أميركا نفسها في المنطقة وهو ما سيتطلب فيمن سيأتي بعد أوباما أن يبدأ جولة دبلوماسية جديدة مثل التي بدأها الدكتور هنري كيسنجر منذ نحو أربعين عاما وتحديدا عقب حرب أكتوبر من أجل إيجاد علاقات مصرية أميركية من خلال عملية السلام التي رعتها واشنطن بين القاهرة وتل أبيب، وليس بمقدور الولايات المتحدة الآن أن تضحي بهذه العلاقات سواء على المستوى السياسي أو العسكري والاستراتيجي لمجرد أن أوباما تحالف مع الاخوان بدلا من الشعب المصري، فالمعونة ليست مجرد شحنات دبابات وإنما دليل على التواجد والتأثير الأميركي وإذا فقدت أميركا هذا التواجد ستفقد كثيرا من تأثيرها وقوتها.

ليس هذا فحسب وإنما لم تغفل ما كفرلاند تعرض المكاسب التي حققتها الولايات المتحدة من وراء المعونة للخطر، وفي مقدمتها السماح لطائراتها بالتحليق واستخدام الأجواء المصرية، إضافة إلى العبور من قناة السويس ومساهمة مصر في تدريب عناصر من الشرطة العراقية.

يضاف إلى ما قالته ماكفرلاند أن طبيعة المساعدات نفسها وأسلوب إنفاقها يصب كله في مصلحة الإدارة الأميركية، سواء المساعدات العسكرية البالغة مليار و300 مليون دولار، أو الاقتصادية التي تصل إلى 245 مليون دولار، فما تتسلمه مصر في يدها كمعونة سائلة لا يزيد عن 10 في المائة من المبلغ المعتمد والباقي يأتي في صورة قطع غيار وصيانة وسلع ومستشارين وخبراء كلها تصب في مصلحة أميركا نفسها.

الأهم أن المليار و300 مليون دولار وإن كان رقما ضخما عندما بدأت المعونة في نهاية السبعينيات، فهو الآن لا يمثل قيمة يمكن أن تكون مؤثرة على مصر سواء تسليحيا أو في أي مجال وبالتالي مصر أكثر قدرة الآن على رفض المعونة بالكامل.

ومما يؤكد الغباء من قبل الإدارة الأميركية في هذا القرار أيضا أن المبرر الذي تلمح له الإدارة كسبب لأتخاذه هو معاقبة الجيش المصري على إزاحة حكم الأخوان ومحمد مرسي الذي كان على تحالف وثيق مع إدارة أوباما ومكلفا بتنفيذ أجندة متفق عليها، لكن الحقيقة أن القرار لم يصب في هذا الاتجاه، وإنما جاء بنتائج عكسية. فقد زاد من مشاعر الغضب في الشارع ضد الأميركان وأكد لمن رفضوا حكم الإخوان وهم أغلبية المصريين أنهم بالفعل ازاحوا نظاما كان سيسلم مصر للولايات المتحدة ويقسم سيناء لصالح إسرائيل، كما أن القرار تسبب في زيادة شعبية الفريق أول عبدالفتاح السيسي الذي حاول أوباما معاقبته بالمعونة فعاقب الشعب المصري أوباما بالالتفاف أكثر حول السيسي واعلان الكراهية لأوباما والأميركان، وكل من يحاول مساندة الإخوان على حساب الشعب المصري فكما ذكرت الـ “سي إن إن” فإن هذا القرار منح فرصة للحكومة المصرية كي تحقق مزيدا من التأييد وسط الرأي العام.

لقد أيقن الأميركان خطورة ما يريد أن يفعله أوباما، وأنه قرار متهور سيقضي على جهد ضخم قام به عدد من الرؤساء الأميركين السابقين من أجل توطيد العلاقات مع القاهرة وتحويلها إلى إطار رسمي فاعل ومفيد، باعتبار أنها الدولة الأكبر والأكثر نفوذا في البلاد الإسلامية والعربية، كما أنها الدولة الأهم في معادلة السلام في المنطقة، وهو ما يجعل مصر مرشحة بقوة لتكون جزءا مهما من الأزمة التي سيتعرض لها أوباما داخليا خلال الشهور القادمة، فاذا كان أوباما وادارته يتخيلون أنهم بقرارهم هذا يضغطون على مصر، فالحقيقة أن مصر هي التي أصبحت تمثل خطرا كبيرا على أوباما إذا لم يسارع في تصحيح خطئه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2166046

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2166046 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010