السبت 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

سيناريوهات ما بعد فشل المفاوضات

السبت 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par ناجي صادق شراب

احتمال التوصل إلى تسوية من خلال المفاوضات الجارية بين السلطة الفلسطينية و”إسرائيل” ممكن وان هذا الاحتمال لا يمكن نفيه لأن هناك عوامل كثيرة قد تدفع في اتجاه هذه التسوية في مرحلتها الأخيرة . ومع ذلك تبقى احتمالات الفشل قائمه بل وكبيرة في ظل حكومة “إسرائيلية” تتبنى الاستيطان، وترفض حتى فكرة الدولة الفلسطينية أو حل الدولتين . وعليه لا بد من التعامل مع المفاوضات من منظور الفشل وليس إمكان الوصول إلى تسوية، بناء على الخبرة التفاوضية السابقة التي أوصلت المفاوضات إلى طريق الانسداد السياسي، حتى لا يفاجأ المفاوض الفلسطيني، أو السلطة الفلسطينية بهذا الاحتمال رغم أنها الأكثر معرفة باحتمالات الفشل . ما أقصده أنه علينا من الآن الاستعداد للسيناريوهات المحتملة للفشل، والعمل على الاستعداد للتعامل معها، وقد يكون من السهل طرح العديد من السيناريوهات والخيارات التي قد تذهب إليها السلطة، ولكن الصعب هو القدرة على أي من الخيارات الذهاب إليها في ظل معطيات ومحددات سياسية واقتصادية داخلية . وهو الأمر الذي يستوجب ومن الآن تحديد كل العوامل الدافعة أو المعيقة للخيارات المطروحة، ودراسة بيئة كل خيار، وما قد تترتب عليه من نتائج وتداعيات . ولا مشكلة في الخيارات والسيناريوهات، فهي عديدة بتعدد مكونات ومحددات القضية الفلسطينية، فنحن أمام قضية مركبة وممتدة وشاملة، ومن ثم أول تصور في هذه السيناريوهات أن نعمل على تصنيفها .

هنا قد نكون أمام ثلاث مجموعات من السيناريوهات: الأولى سيناريوهات الحزمة أو السيناريو الشامل، وتتراوح السيناريوهات هنا ما بين تفعيل قرارات الشرعية الدولية، والمسؤولية الدولية في إنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية الكاملة، وهذه ساحة معركة سياسية ودبلوماسية ليست سهلة، وتحتاج إلى دعم عربي وإسلامي ومن الدول الصديقة، وفي وسط هذه الحزمة علينا إحياء مسؤولية أوروبا في نشوء القضية الفلسطينية، ومطالبتها بأن يكون لها الدور السياسي الأكثر فاعلية وضغطاً على الولايات المتحدة و”إسرائيل” . وانتهاء هذه الحزمة بتفعيل المقاومة الشعبية في كل أبعادها فلسطينياً وفي داخل “إسرائيل”، ودولياً من خلال دور المؤسسات الدولية، ودور الناشطين السياسيين، وهذا السيناريو من السيناريوهات المهمة، ويحتاج إلى دور أكبر لوزارة الخارجية الفلسطينية والديبلوماسية الفلسطينية، وأن تتحول إلى دبلوماسية كفاحية .

والمجموعة الثانية من السيناريوهات يمكن تسميتها بسيناريوهات القدرة أو البحث والتركيز على السيناريوهات الأكثر تأثيراً وفعالية، وفي هذا السياق لا بد من تفعيل الدور العربي وممارسة عناصر القوة، وفي سياقه يمكن تفعيل دور الجاليات الفلسطينية وتحويلها إلى لوبيات فاعلة في الدول التي تعيش فيها، وبالتالي تحويل القضية الفلسطينية إلى أحد مكونات السياسات الداخلية في العديد من الدول المؤثرة . وقد تتعدد وتتنوع سيناريوهات القدرة، وهي تقع في إطار البحث عن عناصر القوة وتفعيلها . أما المجموعة الثالثة وهي السيناريوهات المضادة، ويقصد بها السيناريوهات التي يمكن أن تلجأ إليها “إسرائيل”، وحتى بعض القوى الفلسطينية المعارضة، والهدف هنا وضع تصور لاحتواء الآثار والتداعيات السلبية لما يمكن إن تقوم به “إسرائيل” من خيارات مضادة مثل وقف أموال الضرائب، ووقف المساعدات من الدول الأوروبية والولايات المتحدة، واستمرار “إسرائيل” في سياسات التهويد والاستيطان، وإعلان انسحاب آحادي من الضفة الغربية، كما حدث في غزة، وهنا لا بد من تفعيل مسؤولية “إسرائيل” كسلطة احتلال، والعمل على الدخول معها في معركة الديمقراطية، ومعركة الإنسانية أي البعد الثقافي الإنساني في الصراع، وهذا سيناريو مهم في كشف الوجه الحقيقي ل”إسرائيل” .

ولاحتواء هذه السيناريوهات المضادة لا بد من التغلغل داخل قوى المجتمع “الإسرائيلي” وخلق قوى ضاغطة داخلية، فلم تعد “إسرائيل” مجتمعاً منغلقاً، بل تملك السلطة مداخل ومنافذ كثيرة يمكن أن تلعب دوراً مهماً . ولا ننسى التداعيات السلبية للسيناريوهات المضادة التي قد تأتي من الداخل الفلسطيني ومن القوى المعارضة، وإمكان قيامها بأعمال قد تحبط كثيراً من الجهد الفلسطيني وخياراته، وقد يكون أفضل الخيارات هو إنهاء الانقسام، وإعادة بناء نظام سياسي ديمقراطي، ومع استبعاد ذلك يبقى العمل على احتواء أي سيناريوهات مضادة من الداخل لأن تأثيرها قد يكون أقوى من تلك التي تأتي من “إسرائيل” ذاتها .

وعليه قد نكون أمام صورة فوضوية من السيناريوهات، لذلك يحتاج الأمر إلى تحديد دقيق لهذه الخيارات، وهنا قد يبدو خيار تفعيل المسؤولية الدولية، وتفعيل دور الدولة الفلسطينية غير الكاملة العضوية وتحويلها إلى كاملة خياراً ذا أولوية، لكن هذا الخيار في حد ذاته لا يكفي ولا بد من دعمه بخيار المقاومة المدنية الشعبية بكل مستوياتها، وفي الوقت ذاته العمل على استعادة أهمية الدور العربي، وتحميل الدول العربية مسؤولية أكبر، وخصوصاً دولة كالأردن بأن يكون لها الدور المباشر . . هكذا يبدو لنا أن المشكلة لا تكمن في حصر وتعداد الخيارات، ولكن في القدرة على فعل الخيار، فالخيارات هي في النهاية سياسات وقرارات وأفعال، تعمل في بيئات معقدة ومتشابكة، وفي كثير من الأحيان في بيئة غير فلسطينية، وهو ما يستوجب دراسة هذه البيئات ونقاط قوتها، وضعفها . المشكلة لا تكمن في تعداد الخيارات وحصرها، بل في تحديد الخيار الأفعل، والمضي قدماً حتى النهاية .

وقد نتساءل: وأين خيار التفاوض في كل هذه الخيارات، يبقى قائماً ولكن في ظل معطيات ومحددات جديدة، لأن الخيار لا يسقط حتى مع فشله . وقد يقول قائل وماذا عن خيار حل السلطة، هذا خيار لا يتوافق وخيار الدولة الفلسطينية وتفعيلها، ولكن قد نعيد مفاهيم السلطة بما يتوافق والخيارات المطروحة . هذه صورة سريعة لما يمكن أن تكون عليه خياراتنا في حل فشل المفاوضات .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2177827

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2177827 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40