الثلاثاء 22 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

ليس بالموقف من الجهاديين وحده يفهم الموقف الروسي

الثلاثاء 22 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par محمود الريماوي

ثمة رأي ينتشر على نطاق واسع يفيد بأن موقف القيادة الروسية المتحالف مع نظام بشار الأسد يجد أسبابه في العمل على محاربة جهاديين إسلاميين على الأرض السورية بمختلف الوسائل، خشية انتقال هؤلاء إلى الاتحاد الروسي وتجديد حرب الشيشان على موسكو، بصيغة أوسع مما جرت عليه في أواخر الألفية الماضية.

هذا الرأي لا يجانبه الصواب. فموسكو تضع حقاً الجهاديين ومن هم في حُكمهم في مرتبة العدو الأول أمنيا في الداخل كما في كل مكان من العالم، بالنظر للصلات القائمة العابرة للحدود بين هذه التنظيمات، والتي أدت إلى ظهور مقاتلين شيشان بالفعل على الأرض السورية.

غير أن هذا الرأي على وجاهته، لا يحيط بتعقيد المشهد الذي يتعدى سعي موسكو إلى النفوذ الإقليمي في البحار الدافئة، والتنافس مع الولايات المتحدة الأميركية.

واقع الأمر أن موسكو وقفت مع النظام السوري في حربه على شعبه، قبل أن تظهر على الساحة السورية تنظيمات جهادية وسلفية، وأخرى ذات ولاء إيراني وطائفي.

انحازت القيادة الروسية إلى النظام في العام 2011، فيما كان النظام يُغرق الانتفاضة السورية السلمية بالدم، ولم يكن هناك من «يجاهد» سوى النظام في مسعاه الدموي لاستئصال شأفة الانتفاضة.

في تلك الأيام رفضت موسكو أي تدخل للأمم المتحدة، معتبرة أن ليس من مهام المنظمة الدولية تقرير مصير الأنظمة السياسية القائمة.

وأبدت موسكو استخفافا بالمطالب الشعبية السورية حتى في صيغتها الإصلاحية، ولكن مع جرعة من النفاق حول «احترام المطالب الشعبية» وفي الوقت ذاته دعم النظام في قمعه للانتفاضة التي تتعرض ومن يرفعون لواءها إلى الاستئصال.

لعل موسكو كانت تتمنى آنذاك أن تكون وتيرة القمع أخف قليلاً، ومن هنا كان الحديث عن أخطاء ارتكبها النظام والذي ردده نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف غير مرة، لكن موسكو في جميع الأحوال وقفت بصلابة ضد أي عقاب دولي قد يقع على النظام نتيجة قمعه لشعبه الذي لا حدّ ولا ضابط له.

والحديث عن الأخطاء تطرقت اليه به القيادة السورية نفسها للتدليل على أن النظام في دمشق مثله مثل سائر الأنظمة في العالم يخطىء ويصيب، فلماذا تخصيصه بالنقمة عليه؟

وهذا هو المنطق الروسي وكذلك المنطق الإيراني الذي يستخف بالعقول.

لنتذكر أن سنة 2011 شهدت موجة احتجاجات شعبية في روسيا، وأن العشرات من أحزاب المعارضة والجمعيات المدنية شاركت في تلك الاحتجاجات التي طاولت انتخابات الدوما (البرلمان) على خلفية اتهامات بتزوير تلك الانتخابات. وأن بعض المعلقين في الشرق والغرب ربطوا آنذاك بين موجة الاحتجاجات الشعبية في روسيا، وبين موجة الربيع العربي في مصر وتونس واليمن وليبيا، وقد ألقت تلك الاحتجاجات في موسكو ضوءا كاشفا على طبيعة الديمقراطية المقيدة في روسيا التي تفرض نسبة عالية من الأصوات كحد أدنى لوصول الأحزاب إلى البرلمان (7 بالمئة)، كما تضع اشتراطات ثقيلة على ترخيص أحزاب جديدة. وهو ما جعل حزب «روسيا الموحدة» يتصدر المشهد السياسي الانتخابي والبرلماني.

لم يكن من المتوقع ولا من اهتمامات المحتجين الروس «تغيير النظام» غير أن القيادة الروسية أبدت خشية كبيرة من أي تفاعل دولي مع الاحتجاجات الروسية، وهو ما أشار إليه أكثر من مسؤول روسي، ومن هنا جاء تحفظها الشديد على موجة الربيع العربي وعلى عدواه المحتملة، والذي وجد أوضح تعبير له في التحالف مع النظام في دمشق- جهاراً نهاراً- ضد شعبه، وتمكين هذا النظام من استخدام طائرات الميغ والسوخوي، وصواريخ غراد وسكود لِدكّ المدن السورية بدون قيد أو شرط على استخدام هذه الأسلحة، ولإيقاع عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين وتهجير أضعاف هذا العدد من السوريين خارج وطنهم، فيما تتكفل طهران بأداء ثمن الأسلحة والمعدات والذخائر.

لقد رأت موسكو في السابقة الليبية نذير شؤم.

فبينما أمكن إنقاذ الشعب الليبي من حكم الفرد والعائلة وتجنيب هذا الشعب المزيد من مجازر نظام القذافي، فقد رأت موسكو أن تدخل الناتو لا يبشر بالخير. فمن المفترض واحتكاماً إلى مبادئ «السيادة الوطنية» ترك القذافي يستبيح شعبه، وكان آنذاك على أبواب بنغازي مهددا الثوار والسكان فيها. وذلك في تنكّر روسي تام لظروف هذا التدخل، ومع التغافل عن رفض موسكو التنسيق من أجل تدخل دولي فعال تحت راية الأمم المتحدة في ليبيا.

مسؤولون روس على رأسهم الوزير سيرجي لافروف طالما كرروا تمسكهم بالحؤول دون تكرار السابقة الليبية في سوريا.

وبطبيعة الحال فهؤلاء المسؤولون لا يرون أن شيئا قد حدث في ليبيا سوى تدخل الناتو. لا يرون القذافي ومجازره ونظامه البدائي، ولا يلحظون حق الليبيين في الحرية والكرامة، هذا إذا انتبهوا لوجود شعب ليبي في الأساس.

تطورات الحدث السوري تثبت أن موسكو تريد تكرار كل شيء في السابقة الليبية في سوريا باستثناء تدخل الناتو. وتريد منح النظام الحاكم التمتع باستئصال شعبه، واستنزاف موارد الثروة الطبيعية والبشرية في هذا البلد، بدون أي تدخل دولي من أي نوع، والأفضل بدون أي اهتمام دولي، من أجل أن لا يكون للشعب هناك دور مهما صغُر في تقرير مصير بلده ونظامه.

فإذا ما بقي النظام ولو على الأنقاض فإن موسكو تكون قد ربحت جولة مهمة من التنافس مع الولايات المتحدة الأميركية، ويكون للمعارضة الروسية قدوة وعبرة في عدم التفكير بأي تغيير داخلي على النظام القائم، أو إثارة أي اهتمام في الخارج بوجود معارضة شعبية واسعة.

هكذا ومع خشية موسكو الجدية من ظهور جهاديين مع ما يترتب على ذلك من مخاوف أمنية، فإنه إلى جانب هذا الاعتبار الأمني الحساس، فثمة اعتبار سياسي يحكم الموقف من الحدث السوري، ويتمثل في السعي لصرف الأنظار عن مطالب وتحركات المعارضة الروسية في الداخل، وإسكات هذه المعارضة.

بدعم روسي حثيث، يقوم النظام في سوريا بتعميم نموذج غروزني (عاصمة الشيشان) المهدّمة وأرضها المحروقة على عموم سوريا والسوريين، وكما استغلت موسكو الصعود الجهادي في الشيشان لحرمان هذا الإقليم من استقلاله، كذلك تعمل دمشق على حرمان الشعب السوري من أي حياة حرة أو تعبير سياسي مستقل، مستغلة وجود عناصر جهادية، وما كان لهؤلاء أن يظهروا لولا الفوضى الدموية التي أشاعها النظام منذ الأيام الأولى للانتفاضة في آذار/ مارس 2011، ولولا النزعة الطائفية للنظام في استهداف مناطق بعينها، ولولا تعاونه المفتوح مع إيران وحزب حسن نصر الله وميليشيات طائفية عراقية في حربه على شعبه.

بالأخذ بمجمل هذه الاعتبارات يمكن فهم الموقف الروسي الذي يكشف عن «امبريالية صاعدة» تزدري الشعوب، وتحارب الأصوليات السلفية بالانحياز إلى أصولية أخرى (حزب حسن نصر الله) وإلى النظام الشمولي في طهران، ويجري الحديث عن أحكام القانون الدولي مع احتساب أن إبادة الشعوب لا يتناقض مع مبادئ هذا القانون. أما الأمم المتحدة فمهمتها حسب السيد سيرغي لافروف فهي تقويض أمن الشعوب، وتثبيت الحكام الطغاة وعدم إقلاق راحتهم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2165494

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165494 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010