الخميس 1 تموز (يوليو) 2010

مصطلحات لغة لا نفهمها

الخميس 1 تموز (يوليو) 2010 par فهمي هويدي

بعض المعلومات التي تنشرها الصحف في الدول الديمقراطية على أنها أخبار جادة ومثيرة للاهتمام تتحول عندنا إلى غرائب وعجائب وربما إلى أمور تثير السخرية والتندر. فالصحف الفرنسية تتحدث هذه الأيام عن الإجراءات التقشفية التي اتخذها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ومنها إلغاء الحفلة السنوية التي تقام في القصر الرئاسي بمناسبة العيد الوطني (في 14 يوليو)، بعدما تبين أنها تكلفت في العام الماضي 732 ألف يورو، وهى مصاريف دعوة 7500 شخص لهذه المناسبة. ما يعنى أن كل ضيف كلف خزينة الدولة مائة يورو. كذلك ألغى الرئيس الفرنسي الطائرات الخاصة التي كانت تحمل الصحفيين لتغطية الزيارات الرئاسية لقاء مبالغ منخفضة. بحيث أصبح على الصحيفة التي تريد أن تغطى زيارات الرئيس أن تتحمل مصاريف السفر على شركات الطيران التجارية، على أن تنسق العملية مع قسم الصحافة في الرئاسة. (تبين أن الطائرات التي تحمل الصحفيين تكلف ميزانية الدولة مئات الآلاف من اليورو).

وفي سياق تتبع الصحف لمظاهر البذخ في وزارات الدولة، فإن صحيفة «لوكانار انشينيه» كشفت عن أن أحد الوزراء (كريستيان بلان) اشترى كمية كبيرة من السيجار من موازنة وزارته، وكان سعر السيجار الواحد 12 يورو، فسارع الوزير إلى تسديد قيمة ما اشتراه فور نشر الخبر، وأكد رئيس الوزراء أن السيد بلان كان يتعين عليه من البداية أن يسدد قيمة السيجار من ماله الخاص، حتى إذا كان يقدمه إلى ضيوفه في المكتب.

قبل ثلاثة أسابيع من نشر أخبار التقشف في الحكومة الفرنسية كانت وكالات الأنباء قد تحدثت عن مضمون إقرار الذمة المالية للرئيس الأمريكي باراك أوباما عن عام 2009. ومنه علمنا أن ثروته في ذلك العام تراوحت بين 2 و3 ملايين و7.7 مليون دولار. وأن كلب الأسرة (برتغالي الأصل اسمه بو) قدرت قيمته بمبلغ 1600 دولار، وقد أدرج في الإقرار رغم أنه أهدى إلى الأسرة من السيناتور الراحل ادوارد كينيدى. وأظهرت السجلات أن أوباما وزوجته لديهما بعض حسابات مدخرات تقاعد مع أحد صناديق الاستثمار، وأن لديهما حسابات أخرى مع اثنين من البنوك. كما أنهما يملكان بعض السندات وأذون الخزانة. وتفاصيل هذه المعلومات، بما في ذلك أسماء البنوك وقيمة الإيداعات مدرجة في الإقرار. وما أثار الانتباه في هذا الصدد أن الرئيس وزوجته فتحا حساب ادخار لتأمين مصاريف التعليم الجامعي لابنتيهما ماليا (11 سنة) وساشا (8 أعوام).

أشار التقرير المنشور عن ذمة الرئيس الأمريكي إلى أن جزءا كبيرا من ثروته حققه من عوائد تأليف كتابيه الأكثر مبيعا (أحلام أبي وجرأة الأمل)، وقد نشرا قبل أن يصبح الرجل رئيسا. والثابت في إقراره الضريبي عن عام 2009 أن أرباحه في ذلك العام بلغت 5.5 مليون دولار، معظمها في حقوق تأليف الكتب.

ماذا يكون شعور القارئ المصري أو العربي حين يقرأ هذا الكلام؟.. إذا نحيت جانبا ردود أفعال الذين لن يأخذوه على محمل الجد، وسيحولون الوقائع المنشورة إلى مادة للتندر والسخرية، فلن نعدم أناسا يعبرون عن الحيرة والدهشة. وهؤلاء ممن يعجزون عن استيعاب فكرة تقشف الرئاسة والحكومة اللذين يملكان مفاتيح «بيت المال»، ومنهم من لم يسمع عن شيء اسمه الذمة المالية لرئيس الدولة. وهو «صاحب المحل» الذي إذا كان لا يسأل عما يفعل، فلن يكون بمقدور أحد أن يسأله عما ينفق. ثم إن المال كله في «كيسه»، لا فرق فيه بين ما هو خاص أو عام. ولا غرابة في ذلك لأن بعض نواب الشعب الأتراك كانوا قد زاروا مصر قبل ثلاث سنوات، وحينما حدثهم نفر من أقرانهم في مصر عن تزوير الانتخابات، فإنهم لم يستوعبوا المصطلح وسألوهم ماذا يعني وكيف يكون التزوير؟.. وهو ما يسوغ لنا أن نجد أناسا في مصر يسألون أيضا: ماذا يعنى التقشف وهل يمكن حقا أن يُسأل رئيس الدولة عن ذمته المالية؟

تلك مفردات ومصطلحات لغة لا نفهمها، وقيم مجتمعات بيننا وبينها ــ في شق محاسبة ومساءلة أهل الحكم ــ ما بين السماء والأرض. فحكامهم بشر وحكامنا آلهة، وما في «كيس» الدولة هو عندهم مال الشعب وحصيلة ما يدفعونه من ضرائب (هو مال الله في الثقافة الإسلامية)، وهو عندنا قدر وهبه الله لأجل الحكم فاقتسموا الهبة فيما بينهم وتوارثوها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2176726

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2176726 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40