الأربعاء 30 حزيران (يونيو) 2010

لولا التاريخ لأعلنّا «وفاة الأمّة»

الأربعاء 30 حزيران (يونيو) 2010 par سعد محيو

القمة العربية المُصغّرة في طرابلس الغرب، جاءت معبّرة بشكل مذهل عن الوضع العربي في مرحلته المأزومة الراهنة .

فثمة دولتان في القمة، هما اليمن والعراق، تُعانيان حرباً أهلية ضروساً قد تُسفر في خاتمة المطاف إما عن تشظيهما ككيانات سياسية، أو على الأقل عن اعتمادها في البقاء على مساعدات القوى الخارجية .

وهناك دولة كبرى هي مصر، تمر في مرحلة انتقالية سيتعيّن عليها، خلالها وبعدها، تحديد طبيعة تطورها السياسي، وفي الوقت نفسه مواجهة تحديات خارجية كبرى تتمثّل في تهديد حبل وريد حياتها في منطقة منابع النيل، وفي ضرورة استعادة دورها التاريخي الإقليمي في الشرق الأوسط قبل أن تتم إعادة صياغة هذه المنطقة حصراً عبر الثالوث الإيراني- التركي- “الإسرائيلي” .

ليبيا، الدولة الرابعة في القمة، خلقت لنفسها أزمة هوية طاحنة، بعدما أدارت ظهرها خلال السنوات الماضية الأخيرة للعروبة، وحاولت خلق هوية إفريقية خاصة بها عبر إقامة اتحاد إفريقي تتربع هي على “عرشه المالي” .

أما الدولة الخامسة في القمة، وهي قطر، فهي قد تكون الأكثر حيوية في هذه الأيام، دبلوماسياً وتلفزيونياً، لكن الديموغرافيا والجغرافيا لهما القول الفصل في نهاية الأمر .

هذه الدول الخمس أناطت بها القمة العربية تحضير اقتراحات لتطوير العمل العربي المشترك، إما بطرح مشروع الاتحاد العربي أو الاكتفاء بتطوير وظائف ومهام الجامعة العربية . وهي انقسمت خلال القمة حيال فكرة الاتحاد، ولم تر وسيلة لتطوير الجامعة سوى الدعوة إلى عقد قمتين عربيتين في السنة .

وبالطبع، لم تكن هذه المحصلات مفاجئة . فالإناء ينضح بما فيه، حيث باتت الأولوية في العراق واليمن والعديد من الدول العربية هي الحفاظ على الكيانات الراهنة لا إقامة كيان عربي واحد .

لكن، يمكن أن تكون لهذه القمة الخماسية فائدة في بُعد آخر: تذكير الجميع بمدى عمق الدَرْك الذي انحدرت إليه الأمة العربية في العقود القليلة الماضية: من تزعّمها لحركة عدم الانحياز الاستقلالية ولعب دور عالمي وإقليمي رئيس، إلى سقوطها الدولة تلو الأخرى في أيدي الاحتلال المباشر أو غير المباشر .

لولا التاريخ لقفزنا فوراً إلى الاستنتاج بأن ما نشهد الآن في الجغرافيا هو حشرجات موت الأمة العربية وبدء ولادة أمم- دول عديدة على رفاتها، تكون في معظمها تابعة أو مُلحقة بالقوى الدولية والإقليمية .

بيد أن هذا التاريخ يُنقذنا من ضلال هذه المحصلة، إذ هو يُشير إلى أن هذه الأمة بقيت حية وتركل حتى بعد انقضاء وقت طويل على غياب الإمبراطوريات العربية الأموية والعباسية والأندلسية، وأنها لم تُسلم قيادها بعد ذلك، فرادى وجماعات، إلا لمن تحدّث بلغة الاستجابة للدعوة (الإسلامية) .

قد يبدو هذا الكلام رومانسياً أو حالماً . لكن روح المقاومات التي انبعثت في العراق ولبنان وفلسطين (على تقليديتها)، ونبض الممانعة الثقافية والعُنفية في دول أخرى، تشي بأن الأمر ليس كذلك، إنها السهم الذي يوضح الطبيعة “الطبيعية” لسير التاريخ في هذه المنطقة .

تريدون دليلاً آخر: إنه موجود في قمة طرابلس الخماسية نفسها، حيث يكون العجز هو نفسه بطاقة دخول (وإن ذهنية) إلى مناحي القوة الكامنة في هذه الأمة .

العروبة عائدة حتماً، لكن ليس بالطبع عن طريق القمم الخماسية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2166088

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2166088 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010