الجمعة 4 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

روح تشرين… هل يستعيدها العرب؟

الجمعة 4 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par معن بشور

كل الانتصارات التي حققها العرب في العقود الماضية، سواء في ثوراتهم أو حروبهم، نجح أعداء العرب في الخارج والداخل في الالتفاف عليها، ومحاصرتها وتجويفها ومن ثم الإجهاز عليها.
لم يكن مصير النصر العربي في حرب تشرين المجيدة (أكتوبر 1973) مختلفاً، فكم بقي في ذاكرة الأمّة، لاسيّما في ذاكرة الأجيال الجديدة، من طعم ذلك الانتصار الرائع الذي به ومعه انكسرت أسطورة “الجيش الذي لا يقهر” وبه ومعه عرفت الأمّة أنه حين يتخذ قادتها القرار يصبح في متناولها الانتصار.
ولم يكن صعباً على من يعرف العقل الصهيوني، ومعه العقل الاستعماري، أن يتوقع أن يباشر المهزومون في تلك الحرب مشروعهم للانتقام ممن تسبب في هذا الانتصار، وهو مشروع متجدّد يتخذ له في كل مرحلة اسماً أو عنواناً.
لقد صنع الانتصار العربي في حرب أكتوبر جيش مصر العظيم، وقد سعى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قبل رحيله إلى تجهيزه بكل أسباب الرد على هزيمة حزيران 1976، وسعى أبناء مصر وخريجو جامعاتها المتطوعون في جيشهم الوطني إلى إنجاح واحدة من أهم العمليات الحربية في التاريخ المعاصر يوم حطموا خط بارليف وعبروا، بمعجزة تكاملت فيها الكفاءة مع الشجاعة، قناة السويس (التي أغلقتها الحرب لمدة سبع سنوات، ربما انتقاماً من انتصار مصر في معركة تأميمها عام 1956 ومواجهة العدوان المسمى باسمها).
وصنع الانتصار العربي في حرب أكتوبر ذلك القرار التاريخي الذي اتخذه الرئيس الراحل حافظ الأسد بالمشاركة في إعلان الحرب على الكيان الغاصب، الذي لا تبعد جيوشه الجرارة عشرات الكيلومترات عن دمشق. لقد كان القرار تاريخياً لأن كثيرين كانوا يظنون أن مصطلح شن حروب التحرير لم يعد معروفاً ومتداولاً عند العرب.
وصنع الانتصار العربي أيضاً جيش العراق الباسل الذي دفعت به قيادته آنذاك ممثلة بالرئيس الراحل أحمد حسن البكر ونائبه الرئيس الراحل صدام حسين إلى مشارف دمشق مدافعاً عن عاصمة الأمويين ومتجاوزاً كل الصراعات والخلافات والتناقضات القائمة بين النظامين الخارجين من رحم الحزب ذاته.
وصنع الانتصار العربي أيضاً وأيضاً قرار الجزائر الثائرة بقيادة زعيمها الراحل هواري بومدين الذي ذهب إلى موسكو بعد حزيران 1967 ليوقع شيكاً على بياض بقيمة كل سلاح يحتاجه الجيش المصري ثأراً لكرامة الأمّة، وعرفاناً بالجميل للشقيق الذي انتصر لثورة المليون شهيد وكان انتصاره لها سبباً من أسباب العدوان الثلاثي على مصر في 29/10/1956، أي قبل يومين فقط من الذكرى الثانية لثورة الفاتح من نوفمبر 1954. لقد كان غي موليه رئيس وزراء فرنسا “الإشتراكي”.
وصنع الانتصار كذلك قرار الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز حين قرر استخدام سلاح النفط في معركة المصير العربي، مدركاً أن انتصار القاهرة ودمشق ليس انتصاراً للأمّة فقط، بل هو تحصين لكل قدرة وطاقة وموارد عربية ما زالت تتعرض حتى الساعة للابتزاز الاستعماري المستفيد أولاً وأخيراً من غياب القرار العربي والاستقلال العربي، ومن الانزلاق الرسمي العربي في مهاوي الحروب الداخلية، ونار الأحقاد والعصبيات المدمرة…
حتى لبنان بحجمه المحدود، وإمكاناته الضعيفة ساهم في صنع ذلك الانتصار، يوم سمح للثورة الفلسطينية بقيادة الرئيس الراحل ياسر عرفات بأن تسعى لفتح جبهة ثالثة في جنوب لبنان، بل يوم أخذ رئيسه الراحل سليمان فرنجية، ورئيس وزرائه تقي الدين الصلح القرار بأن تحّل مصفاة طرابلس للنفط محّل مصفاة حمص التي قصفها طيران العدو، وأن يتقاسم لبنان مع سوريا المحروقات معتمداً نظام “المفرد والمزدوج” بهدف توفير أكبر قدر من الوقود لسوريا (بالمناسبة مصفاة حمص بقيت هدفاً للقصف والدمار مؤخراً، فيما مصفاة طرابلس بقيت مقفلة منذ سنوات عديدة).
لقد كان لكل بلد عربي قصة مع تلك الحرب، فالطيران الحربي المغربي أرسل أسراباً تقاتل في مصر وسوريا، والجيش الجزائري أرسل أسراباً جوية وقوات برية، وكذلك فعلت أقطار أخرى، رغم إمكاناتها المحدودة، ورغم ظروفها، الصعبة كاليمن التي كانت بالكاد قد خرجت من حربها الأهلية التي كانت مقدمّة لإنهاك جيش مصر تمهيداً لضربه في حزيران 1967.
قصة تشرين إذن كانت قصة التضامن العربي على طريق المعركة والذي انبثق من الخرطوم في آب/أغسطس 1967، حين حمل السودانيون الأوفياء سيارة الزعيم الخارج للتو من نكسة حزيران، جمال عبد الناصر، “وحملوا” الحكام العرب على رفع شعاراته “لا صلح، لا اعتراف”، و “ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة”.
ومنذ انتصار تشرين والتآمر مستمر ضد مكونات الانتصار، فكان مصرع الملك فيصل في ظروف ما تزال غامضة، فيما يعتقد كثيرون أنه دفع ثمن “حرب النفط” من جهة وثمن قسمه أن يصلي في الأقصى… فأين سلاح النفط اليوم من سياسات بلاده، بل أين الأقصى ومعه كل حقوق فلسطين والأمّة.
ثم كانت حرب لبنان، التي ما زالت مستمرة وبعناوين مختلفة حتى الساعة، قتلاً وخطفاً، تدميراً وتشريداً، تحريضاً وتهجيرا،ً حتى بات مطلب أبنائه شبه الوحيد “أعيدوا لنا جثامين أبنائنا، كما هي حال أبناء عكار المفجوعة بأبنائها المفقودين في بحار الظلمات بالقرب من شواطئ أندونيسيا، والهاربين من دياجير الحرمان في وطنهم.
العراق أُستدرج إلى حرب تلو الأخرى، حتى إذا ما أطفأ واحدة اشتعلت فيه واحدة أخرى، لأسباب ليس الآن مجال تحليلها، والجزائر أُغرقت في حرب أهلية كاد عدد ضحاياها يقارب عدد شهداء ثورتها، والمغرب سُلّط عليه سيف التطبيع مع العدو وجهز لأن يكون مقراً لأحد مؤتمرات “الشرق أوسطية” في أواسط التسعينيات، وبحضور شمعون بيريز بنفسه الذي جمع يومها نفراً من رجال الأعمال الخليجيين ليقول : ” مالكم مصر … تعالوا إلينا في تل أبيب ونحن في خدمتكم. لقد فهم الرئيس مبارك الرسالة فكانت قمة الإسكندرية الثلاثية مع الرئيس الراحل حافظ الأسد والملك الراحل عبد العزيز، وتوقف مسار مؤتمرات الشرق أوسطية وتعطل يومها مؤتمر الدوحة التطبيعي التي كان أميرها يستعد لاستقبالها.
أما سوريا التي أفلتت أكثر من مرة من شباك حرب أهلية نصبت لها داخلها وخارجها، فهي اليوم تشهد تدميراً غير مسبوق، وقتلاً غير معهود، وتصميماً على الانتقام من شعبها الذي ما تخلّى عن عروبته الجامعة يوماً أو عن تنوعه الجميل ساعةً، كما تشهد إصراراً على الثأر من جيشها الباسل الذي بقي شامخاً في وجه الاعداء، شريكاً في مقاومة كل احتلال، ومواجهة كل عدوان، منذ قيام الكيان الصهيوني حتى حرب لبنان وحروب غزة مروراً بوقفته يوم الحرب على العراق واحتلاله.
ومصر التي نجح كسينغر في “اصطياد” قيادتها في السبعينات ودفعتها إدارته إلى توقيع ” كمب دايفيد”، ورهنتها ” معونتها” الرمزية ليتحول رئيسها إلى “كنز استراتيجي”، كادت أن تفلت بعد ثورة 25 يناير من تلك الشبكة الأمريكية – الصهيونية، لولا أن أوقعتها شهوة السلطة والصراع الذميم عليه في أتون فتن واحتراب تستهدف مصدري القوة الرئييسين في مصر وهما وحدتها الوطنية وقواتها المسلحة.
إذن، لم يبق واحد من شركاء النصر في أكتوبر 1973 دون اصابته بسهم قاتل أو جارح (ودائماً مسموم)، ولكن علينا أن لا نغفل أبداً أن الثغرة الكبرى التي نفذ منها أعداء الأمة لم تكن فقط تلك الثغرة العسكرية التي فتحها شارون غرب قناة السويس في الأيام الأخيرة من حرب أكتوبر (ثغرة الدفرسوار)، بل إن هذه الثغرة كانت، بشكل خاص، في تلك الأخطاء والخطايا التي ملأ علاقاتنا ببعضنا البعض، أنظمة وشعوباً، حكاماً ومواطنين، طوائف ومذاهب تيارات وأحزاباً، فتقدمت الينا جحافل العدو بعد أن أصبحنا مثقلين بجراحنا، متجلببين بعجزنا، ممتنعين عن مواجهة مؤهلة للانتصار.
غير أن روح تشرين انتقلت من الجيوش (التي يحاولون تدميرها اليوم)، إلى الشعوب وقد تعلمت أن الأنظمة المتحكمة بالجيوش قد تهزم أو ترضخ لكن المقاومة التي تولد من رحم الناس لا يمكن ترويضها، لذا كانت معادلة الشعب والجيش والمقاومة هي المعادلة التي ستضمن الصمود للبنان والنصر للعرب.
روح تشرين تتجلى اليوم بالمقاومة، كما بالتضامن والوحدة، وليكن الوفاء لروح تشرين بصون المقاومة، واستعادة التضامن العربي، وبناء التكامل بين الأقطار، وحماية الوحدة داخل كل قطر.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165364

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165364 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010