الأزمة السورية تحجب المشهد الفلسطيني

تدور في سوريا حرب طاحنة طال أمدها وتفاقم ضررها، وأحرقت الأخضر واليابس والشجر والحجر، وخلفت ملايين الضحايا بين قتلى وجرحى ونازحين ولاجئين، ودمرت البنى التحتية والمعالم والمآثر والمؤسسات، واستقطبت هذه الحرب الطاحنة الإعلام الذي يتابع أحداثها وتداعياتها، والتحركات الإقليمية والدولية التي تدخل على خطها .

هذه الحرب التي تدور في سوريا ضحيتها هو الشعب السوري الذي تعاظم عدد ضحاياه، وكذلك سوريا الدولة الآيلة للانهيار . إن هناك من القوى الإقليمية والدولية من يدعم النظام بالسلاح، ومنها من يدعم المعارضة بالسلاح، وهذا السلاح يتلاقى على الأرض السورية ليحصد السوريين وليخلف المآسي، ويقضي على المعالم والمآثر .

ويلوح أحياناً بالحل السياسي باعتبار أنه المخرج الوحيد من هذا النفق المظلم، وتلاقت وجهة النظر الروسية والأمريكية على هذا المنحى بالتأكيد على الحل السياسي وعلى عقد مؤتمر “جنيف 2” للحوار البناء بين طرفي النظام والمعارضة بحضور القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في الوضع السوري . ولكن هذا الطرح ما زال بعيداً عن الواقع و”مؤتمر جنيف 2” تعترضه عقبات كثيرة، كما أن هناك شكوكاً كبيرة حول إمكانية عقده أو نجاحه . وجاء احتمال توجيه ضربة عسكرية أمريكية لسوريا في أعقاب اتهام النظام باستخدام الأسلحة الكيماوية، ثم الاتفاق الأمريكي - الروسي لنزع الأسلحة الكيماوية ليستقطب المزيد من الاهتمام الإعلامي .

إن استقطاب الأزمة السورية المتفاقمة للإعلام وللحراك السياسي طغى على المشهد الفلسطيني، وبدت القضية الفلسطينية غائبة عن التناول الإعلامي والإعلام بعيداً عن متابعة الشأن الفلسطيني بكل أبعاده، بما في ذلك الاعتداءات الصهيونية على الأرض الفلسطينية والشعب الفلسطيني والانتهاكات الصهيونية للحقوق الفلسطينية . حتى وزير الخارجية الأمريكية الذي تبنى مهمة لإحياء مفاوضات السلام بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني بدا منغمساً في ملف الأزمة السورية وبدا الإعلام متابعاً لحراكه السياسي على صعيد هذه الأزمة .

إن الإعلام الذي استقطبته الأزمة السورية المتفاقمة بدا غير مواكب للأحداث على الساحة الفلسطينية بقدر ما هو مواكب للأحداث على الساحة السورية . حتى الجامعة العربية بدت منغمسة في الشأن السوري أكثر من انغماسها في الشأن الفلسطيني . وهكذا غاب المشهد الفلسطيني إلى حد بعيد عن ساحة الإعلام وعن ساحة الحراك السياسي .

صحيح أنه ما زال له بعض الحضور، ولكنه حضور باهت إزاء طغيان الاهتمام بالشأن السوري . إن الأزمة السورية المتفاقمة قد أصبحت هي محور اهتمام الإعلام وهي في قمة أولويات الحراك السياسي إقليمياً ودولياً، وقد طال أمدها وتفاقم ضررها، وتعاظم ضحاياها وبدا الأفق مسدوداً أمام أي حل لها، حتى الحل السياسي الذي توافقت عليه الولايات المتحدة وروسيا ما زال نظرياً، وتحيط به الكثير من الشكوك . كل ذلك ظل مبعث قلق إقليمي ودولي وخشية من انزلاق سوريا إلى التفكك والحرب الطائفية أو الحرب الأهلية وانعكاسات ذلك على دول الجوار، وعلى المنطقة بصفة عامة .

ولعل الكيان الصهيوني الذي يبدي بعض القلق من انتقال الصراع إلى حدوده يبدو مرتاحاً لنزع الأسلحة الكيماوية السورية ولرحى الحرب الطاحنة في سوريا، إذ هي استنزاف لطاقات عربية وموارد عربية وكل ذلك يصب في مصلحته . وإذا كان العراق قد جرى استنزاف طاقاته وموارده بفعل الغزو والاحتلال الأمريكي وآل به المآل إلى دولة هشة تعتورها الأزمات السياسية وغير السياسية، وترزح تحت تركة ثقيلة من الاحتلال، فإن سوريا يبدو أنها ستؤول إلى دولة منهارة أو فاشلة أو مقسمة . وكل ذلك يصب في مصلحة الكيان الصهيوني، لأن أي استنزاف للطاقات والموارد العربية على أرض عربية وأي حرب تدور على أرض عربية وأي تدمير للقدرات والإمكانات العربية يصب في مصلحة الكيان الصهيوني .

إن غياب المشهد الفلسطيني عن ساحة الإعلام والحراك السياسي، حتى في ظل مهمة وزير الخارجية الأمريكية التي تبنّى فيها إحياء مفاوضات السلام أو حضوره الباهت، هو وضع مؤقت مرهون باستقطاب الأزمة السورية للإعلام وللحراك السياسي .

وفي كل الأحوال، فإن غياب المشهد الفلسطيني أو حضوره الباهت في خضم الأزمة السورية المتفاقمة ليس مستغرباً، فقد كان مثل هذا الغياب أو الحضور الباهت مشهوداً في خضم أي أزمة عربية طاحنة . وهذه الأزمات مهما طال أمدها نسبياً، فهي عابرة بصرف النظر عن مآلاتها .

أما القضية الفلسطينية فغيابها أو حضورها الباهت هو وضع مؤقت، لأنها قضية محورية محفورة في الضمير العربي وحضورها دائم ومتواصل، طالما ظل الاحتلال الصهيوني جاثماً، بسنابكه على الأرض الفلسطينية ومواصلاً عدوانه على الشعب الفلسطيني .

ستظل القضية الفلسطينية هي القضية المركزية الأولى على الساحة العربية والغياب المؤقت عنها لا يعني غيابها عن الضمير العربي .