الثلاثاء 1 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

نهاية البرزخ التي يحلم بها المصريون!

الثلاثاء 1 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par علاء حمودة

الظن أن جوهر الحيرة والعجز عن استيعاب ما يحدث في مصر منذ الـ25 يناير وصولا الـ30 من يونيو، هو الإصرار على تحجيم مشاكل المصريين في دائرة مطالب حياتية وفئوية، ولعل في ذلك التشخيص السطحي ظلما تاريخيا لحراك شعبي ملهم متدافع الموجات، نجح في وقت قصير ـ وقياسا بتاريخ الشعوب ـ أن يعيد تقييم الحسابات في المنطقة والعالم بأكمله، لكن وضع النقاط على الحروف يفرض الاعتراف بأن ثورات المصريين كانت بنت حركة تاريخ متمردة، ترفض مراوحة سياسات ادت إلى وقف ضخ الدماء في شرايين قلب الأمة العربية، وتحويلها إلى عصا يتكئ عليها جسد عجوز هرم لا حول له ولا قوة، أوعلى أحسن الأحوال متحف كبير لماض نذكره بالخير ولا نملك الا أن نقرأ عليه الفاتحة.
ومع هذا الغبن لواقع حراك تاريخي سيظل يجري طالما النيل يجري، شاقًا بتدافع لحظاته التاريخية واقعا حضاريا جديدا، فإنه يجدر الانتباه إلى تلك الطاقة الجبارة التي تتفجر من أحشاء مصر مع هذا الحراك، لتحرق أي انحياز لخيارت ماض عاشته على مدار 4 عقود من الانحياز للاختيار الاميركي، وهو التفاعل الذاتي الذي جعل من مصر اليوم محرقة كبرى لنزوات الطامع أو المتربص أو الجاهل أو المدفوع بأحلام اعادة عقارب الساعة للوراء، فيما يتضاعف حجم الدهشة أمام وقود تلك المحرقة الكبرى من ابطال مشهد الماضي، الذين دخلوا في حرب تكسير عظام كبرى أو ربما دفع قدري مدهش وساحق، حكمته اغراءات قوية توحي بخلو الطريق أمامهم لاعادة تدوير قمامة الماضي.
منذ ثارت مصر على مبارك بانحيازاته الاميركية الصرفة، وما قدمه نظامه من تأمين تقاعد مبكر ومريح لـ(القاهرة) من أدوارها الاقليمية والدولية، وهي في برزخ طويل وممتد في رحلة البحث عن الذات والتنقيب في كنوز ماض فخيم يعتمر بالإنجازات القومية، محاولة قدر الجهد تفادي مطبات ساداتية ـ مباركية تثقل كاهلها، ومعاندة لتجنب إشارات مرور أميركية وغربية تريد اعادتها إلى حيث بدأت الطريق، لكن البيان العملي الأول كان تحت سلطة نخبة عسكرية قديمة تفجرت بتناقضات ربيع حرب اكتوبر وانتصاره وخريف كامب ديفيد وفاتورته المثقلة بالتبعية وارتهان القرار الوطني، فكان منطقيا أن ينتهي هذا الصراع الداخلي بكوارث سلمت حكم مصر إلى البديل الإخواني اللدود والجاهز والمتربص والمرضي عنه أميركيا، لينسدل الستار وبشكل درامي على تلك المرحلة، مذيلا تلك الصفحة بعلامة تعجب كبرى، لم تزل الغموض حولها أوسمة الرئيس الاخواني السابق للقائد ورئيس الأركان السابقين.
كان اذن الانصياع المرحلي للاختيار الاميركي في وضع لمسة من لمسات مشروع الشرق الاوسط الكبير على الصيد الثمين هو جزء من فاتورة مؤجلة الدفع، فبدا ملحوظا أن الرهان الاميركي على حكم الاخوان وتمكينهم هو استكمال لما بدأه مبارك ومن قبله السادات في رسم سريالي لخارطة المنطقة وتفتيت مفاصل وحدتها ولحمتها التاريخية، لكن وللحق فإن فطرة المصريين الذكية وعبقرية الأضداد المعتملة داخل التركيبة المصرية، وقفت بالمرصاد لهذا المخطط الجهنمي واهالت عليه وابلا من التراب، فكانت ثورة الـ30 من يونيو استكمالا لمفهوم غاب على مدار عامين للحرية المنضبطة، واسقاطا لنظرية الآنسة رايس في الفوضى الخلاقة، واسقاط الجيوش.
ولم تتوقف جولات المشهد العبثي الذي يمسك بتلابيب مصر ويحاول ادارة مستقبلها بلعبة الكراسي الموسيقية، فما ان غاب الاخوان عن المشهد، حتى تسلل نفر من فلول نظام مبارك بنخبته الساقطة، وغزوا الصحافة والاعلام المصري بمذكرات ولقاءات، في محاولة لتصفية حسابات وغسل وجه تلك الحقبة السوداء في تاريخ مصر، لكن يبدو أن تلك الزمرة الأسيرة لأوهام الماضي وسرابه، لم تدرك بعد أن قطار الغضب المصري يمضي في البرزخ مندفعا وساحقا كل شبح لماضي الفساد والاستبداد والتبعية للأميركي وحراسة بوابة اسرائيل، بل والاهم أن أرامل هذا الماضي قد فاتهم حقيقة أن نفس الشعب الذي يستدرون تعاطفه هو الذي عاش منذ أيام أجواء احتفائية غير عادية بالذكرى الـ43 لرحيل الزعيم جمال عبدالناصر، في حنين شعبي غير مسبوق لعصر من العزة والكرامة الوطنية والقومية، ولا شك في أن مضي (المباركيين) في هذا الاختيار الساذج هو دخول اختياري في موجة انتحار جماعي على الطريقة اليابانية المعروفة باسم الهاري كاري.
ان المشهد الاخير من هذا البرزخ الطويل والممتد، والذي يجعل الكثيرين يتوقفون بترقب لمغزاه ومعانيه، هو زيارة الفريق اول عبدالفتاح السيسي لضريح الزعيم الراحل جمال عبدالناصر في الذكرى الـ43 لوفاته، والتي اعرب فيها السيسي عن الاعتزاز بما حققه ناصر لمصر من إنجازات اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة ، وما قدمه من خدمات جليلة لدعم القضايا العربية والإقليمية، ومساندة الشعوب الإفريقية والآسيوية في نضالها من أجل الاستقلال والسلام والحرية، أما الجانب الأكثر لفتا للانتباه في تلك التصريحات هو تأكيد السيسي ان الزعيم الراحل سيظل نموذجاً يحتذى به للأجيال القادمة في الكفاح والتضحية من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية وتلبية طموحات وتطلعات الشعب المصري العظيم.
لقد تجاوز ما جاء على لسان قائد الجيش الحدود البروتوكولية التقليدية والعبارات الإنشائية التي تقال في هكذا مناسبات، لكن يبدو أنها رهان مستقبلي على التزام واستحقاق تاريخي يجب الوفاء به، ولا يصح ـ بل من المخاطرة ـ أن يكون مناورة أو رهان على دغدغة لمشاعر الجماهير المتعطشة للحرية والكرامة القومية، بما يعني أن كلمات السيسي تلك ستكون كشف حساب مثقل له اذا ما تقدم للانتخابات الرئاسية واصبح رئيسا لمصر مدفوعا بتأييد شرائح شعبية واسعة، قطعًا لا تطالبه باستحضار شخصية الزعيم الراحل أداء وتمثيلا واخراجا، لكن استلهام التجربة وعصرنتها وفقا للظرف التاريخي الذي تعيشه مصر ومحيطها الاقليمي والدولي، وليتذكر أن آخر انتخابات رئاسية مصرية ورغم ما شابها من ظروف استثنائية الا أنها أتت بالبديل القومي كطريق ثالث اختارته مصر بعدما أجبرت قسرا على الاختيار بين صندوقي مبارك والاخوان، ويقيني أن ذلك هو نهاية البرزخ التي يتمناها المصريون، كاختيار ثالث ينفض غبار العقود الـ4 الماضية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2178444

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2178444 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40