الأربعاء 30 حزيران (يونيو) 2010

الدورة التاريخية : الإسلام و«طبيخ النَّوَرْ» (1/2)

الأربعاء 30 حزيران (يونيو) 2010 par د. أكرم حجازي

مَنْ عايش الأحكام العرفية أو ما يسمى بأحكام الطوارئ يدرك مدى الظلم والوحشية التي يعاني منها المدنيين حين تصبح مثل هذه الأحكام نافذة. هذه الأحكام تصدر بالعادة في أعقاب الكوارث الطبيعية الكبرى أو غزو الأجنبي خطر داهم أو في أعقاب الانقلابات العسكرية. والهدف الرئيس من العمل بها هو تجاوز القوانين المقيدة لسرعة التحرك في مواجهة الأخطار وليس القمع والاضطهاد كما هو واقع في أكثر بلدان العالم الثالث. وفي أغلب البلاد العربية لا يوجد لها أي أصل قانوني يشرعها. وحتى إنْ كانت مقيدة بالدستور، موضوعيا أو شكليا، فما من أحد يمكن له أن يفلت مما تراه مؤسسات الحكم والقوى النافذة تهديدا يمس أمن الدولة. وما من دستور أو قانون يمكن أن يجرِّم سلطة يبيح لها القانون العرفي استعمال ما تراه مناسبا في حفظ الأمن والنظام. والأسوأ أن نمط النظام السياسي في البلاد العربية هو نمط أمني بامتياز.

وفي ظل الحرب المستعرة على الإسلام نشطت نخبة من العلماء والمشايخ وعلى رأسهم رموز الإفتاء الرسمي وحتى من بعض الزعماء بتقديم فتاوى وتصريحات ذات طابع ديني أشبه ما تكون بالقانون العرفي غير آبهة بشرع ولا بمنطق ولا بأخلاق، فلا سند لها ولا تأصيل شرعي ولا مبرر لإطلاقها إلا ما تستدعيه الاحتياجات الأمنية أو السياسية أو الأغراض الحزبية. والأخطر في هذا النوع من الفتاوى أنها تهم الشأن العام وليست ذات طابع فردي بحيث يمكن حصرها في واقعة معينة. بل أنها غدت، منذ فترة وجيزة، تتجاوز الشأن العام لتمس صميم العقيدة والتشريعات الإسلامية. ورغم أن غالبيتها الساحقة تصب في سياق الأطروحة الغربية للإسلام بلا أدنى مواربة إلا أن أصحابها لم يتراجعوا عنها قط بقدر ما برروا تصديرها بنفس الأسلوب الذي صدرت به. أي بلا سند شرعي.

لم ينكر الغرب أنه يبحث عن إسلام يلائمه، فإنْ لم يوجد فلا مانع من إيجاده. وبالتوازي مع هذه الأطروحة كانت مؤسسة راند وأمثالها تحشد من تراه مناسبا من العلماء والدعاة والمفكرين تحت بند « علماء مسلمين معتدلين» أو « أكثر الشخصيات تأثيرا في العالم». ومن العجيب أننا لم نجد من بين هؤلاء من يعترض على ورود اسمه في القائمة أو يتبرأ منها. بل أن أغلب هؤلاء قدموا للغرب إسلاما أشبه بما يكون في العرف الشعبي بـ « طبيخ النَّوَرْ». أما هذا « الطبيخ» العجيب فله قصة أعجب من المفيد معرفة مواصفاته كي يتبين لنا ماهية الإسلام المنشود لدى الغرب.

كل شريحة اجتماعية قابلة للتطور قيميا وعقديا سوى شريحة «النّوَر» التي اشتهرت ولما تزل بالانحدار القيمي والعقدي والأخلاقي إلا من رحم الله. ومن سمات هذه الشريحة التي اعتادت ارتكاب الموبقات أنها ترى نفسها غير معنية بالحلال والحرام، ولا بأخلاقيات وسائل الكسب ومشروعيتها، ولا بأي هم من هموم الأمة. كذلك الأمر بالنسبة لمأكلها. فحتى الربع الأخير من القرن العشرين كانت هذه الشريحة تعيش فقرا مدقعا، وحالا يرثى لها. وكان نساؤها وحتى بعض رجالها يتسولون في ستينات القرن العشرين على أبواب البيوت بحثا عن لقمة خبز يسدون به رمقهم حتى من أولئك الذين يعانون فقرا مثلهم ولكن أقل درجة. فتجد أحدهم يطرق الباب خاصة في فترة ما بعد الظهر طالبا المساعدة، ويبدأ الحوار التالي :

أهل البيت (خاصة النساء أو الأطفال لأن الرجال يكونون في العمل) : مين؟

النوري : أنا!

أهل البيت : ماذا تريد؟

النوري : من مال الله! صدقة! رغيف خبز!

أهل البيت : عندنا طبيخ ! هل أحضر لك صحنا من الملوخية؟

النوري : نعم

أهل البيت : خذ

النوري: يحمل كيسا بلاستيكيا أو وعاء فيفتحه ويقول: أسكبيه هنا، ثم يغادر ...

في بيت ثاني

أهل البيت : طابخين بامية! هل أحضر لك صحنا؟

النوري : نعم

أهل البيت : خذ

النوري : يفتح السطل ثانية .. أسكبيه هنا .. فيه رغيف خبز؟ روح مع السلامة ...

بيت ثالث

أهل البيت : الله يعطيك ..

بيت رابع

أهل البيت: الله يبعثلك

بيت خامس

أهل البيت : تأكل فاصولياء؟

النوري : هاتي

أهل البيت : خذ

النوري : أسكبيه هنا

هكذا! بعد أن يمتلئ الوعاء بسبعة أو عشرة أنواع من الطعام؛ وبعد جولة معاناة يعود هذا المتسول أو المتسولة إلى المنزل ويستبشر أهل بيته بوجبة ليس لها هوية ولا طعم ولا مذاق ولا منطق ولا أي أساس من التجانس. بعض أهل البيت يأكلون من شدة الحاجة لكن أغلب الطعام يلقى طريقه إلى مكب النفايات. وبدلا من أن يرتقي هؤلاء الناس بحثا عن حياة أفضل وأكرم لهم يواصلون الانحدار بالتنكر لكل عقيدة وأخلاق وقيم. وهذا بالضبط هو الإسلام الذي يريده الغرب .. وهذه بالضبط الأمة التي يرحبون بها في عالمهم. وهي أساليب تقود إلى نبذ الإسلام وتعاليمه، وسبحان من قال: وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ (البقرة : 217).

قائمة فتاوى طارئة

بعض الفتاوى والتصريحات لو تم جمعها وتصنيفها ووضعها في سلة الإسلام فلن تكون أكثر من «طبيخ نَوَرْ» بامتياز .. والعجيب أن أصحابها، بما لديهم من علم شرعي، وبخلاف «النّوَرْ»، يعلمون علم اليقين أن فتاواهم فاقدة لأي تأصيل شرعي أو حتى منطقي يمكن أن يقبل به حتى محدود الثقافة الدينية. والأكيد أنهم يعلمون أنهم ما أصدروها لحاجة فقهية يستدعيها تغير الأحوال والزمان. فثمة فتاوى تتعلق بإرضاع الكبير أو الموظف (عبد المحسن العبيكان و د. عزت عطية وليس د. علي جمعة كما ورد قبل التصحيح)* وأخرى تتعلق بحوار الأديان، وفتاوى تحرم الخروج على ولي الأمر حتى لو كان كافرا (العبيكان) وله فتاوى تجيز علاج السحر بالسحر، وفتاوى تنكر الجهاد وتنفي وجود راية له في العراق وأفغانستان وغيرهما (عبد العزيز آل الشيخ وصالح الفوزان وغيرهما) ، وللمفتي السعودي فتاوى تصف قتال المجاهدين بأنه قتال في سبيل الطاغوت، وفتاوى تُجرِّم التبرع للمجاهدين بدعوى تمويل الإرهاب، وفتاوى تعتبر النصارى واليهود مؤمنين، وبعض دعاتها يوصي بعدم جواز الدعاء على اليهود والنصارى (آل الشيخ وطنطاوي وآخرين)، وآخر يرى أنه لا يجوز وصف غير المسلم بالكافر على الإطلاق لأنه لم يؤمن بمحمد رسولا (القرضاوي)، وله فتوى بإجازة بناء الكنائس لغير المسلمين في الدول الإسلامية، وفتاوى تحرم المظاهرات بدعوى أنها تلهي عن ذكر الله (صالح اللحيدان) ، وفتاوى تجيز التعبد بالمذهب الشيعي ونشره بين أهل السنة (محمد مهدي عاكف وعلي جمعة)، وفتاوى تصف المنقبات بالعاريات (أبو عبد الله غلام الله وزير الشؤون الدينية الجزائري)، وأخرى تبيح للأوروبيين حظر الحجاب (محمد سيد طنطاوي)، وفتاوى تطالب بالحرية قبل تطبيق الشريعة ( يوسف القرضاوي وراشد الغنوشي)، وفتاوى تسمح للجنود المسلمين من قوات المارينز الأمريكيين بالقتال ضد المسلمين في أفغانستان! (حررها سليم العوا وأعد لها الخياط وشارك بها فهمي هويدي ووقعها القرضاوي)، وفتاوى تكفر حاكم عينا وتبرئ آخر (وجدي غنيم)، وأخرى تثني على من سبق تكفيره (محمد حسان ورفاقه في ليبيا)، وأخرى تبرئ الحاكم من التضييق على المسلمين وإعلانه الحرب على الإسلام وكل مظاهر الدين (سلمان العودة في تونس)، وفتاوى تكفر نظام وتصمت على نظام مماثل (سوريا والعراق)، وفتاوى تجيز الردة عن الإسلام (علي جمعة) وأخرى ترى في الردة خروجا على النظام وليس كفرا (عبد المنعم أبو الفتوح )، وفتاوى تحلل الربا والفائدة (طنطاوي وعلي جمعة)، وفتاوى تقر بمشروعية المعاهدات والقوانين الدولية (فتوى مؤتمر ماردين) وأخرى تحرمها! وفتاوى تهلل للغرب وتنتشي فرحا بِطَلَّةِ قائده (عائض القرني) ، وفتاوى تبيح سفك دماء المسلمين حتى في المساجد أو تصمت عليها أو تبرر لها وتدعو للقتلة (السديس والقرضاوي وغيرهما)، وفتاوى تجيز الترحم على الكفار أو المشركين، وفتاوى تجيز إمامة المرأة في الصلاة (حسن الترابي)، وفتاوى تحرم المقاطعة التجارية (آل الشيخ وصالح الفوزان وعبدالله الغديان)، وفتاوى تحرم دعاء القنوت حتى في كبرى النوازل إلا بإذن ولي الأمر، وفتاوى تحرِّم اختراق المواقع الإلكترونية لليهود نظرا لما تسببه من خسائر لأصحابها! ( صالح الفوزان )، ودعوة وزير أوقاف عربي لطلبة بلاده إلى الانشغال بتحصيل العلم والثقافة وترك الصلاة التي لا تجلب لهم فائدة أو منفعة، وفتاوى تجيز الاختلاط وتشرِّعه (الغامدي وغيره) ، وفتاوى تجيز الغناء والطرب (القرضاوي والكلباني أخيرا) وحتى جواز صلاة الراقصة بملابس الرقص! (علي جمعة)، وفتاوى ملتوية تبيح الزنا وتشرعه ولو بصورة فاضحة (أحمد الكبيسي)، وهو نفسه الذي وصف مجتمع الإمارات بأنه مجتمع يتفوق على مجتمع الخلافة الراشدة !!! بدعوى أنه « لا يوجد معارض سياسي واحد» لحكام الإمارات! وفتاوى توصي الحكومة برفع رسوم الضرائب على الخمور بدلا من تحريم إنتاجها أو التجارة بها (حزب العدالة والتنمية في المغرب)، وفتاوى تدعو لإنشاء مفاسد أصغر لدرء مفاسد أكبر وكأن الإسلام جاء ليفسد في الأرض (سعد الدين العثماني)، وفتاوى تفتري على الرسول صلى الله عليه وسلم وتتحداه وتكفر به لو طلب من صاحبها أن يكفر بالمسيحية واليهودية (مفتي سوريا محمد حسون)، وهو نفسه من قال أما المجلس الأوروبي: لعن الله من قتل فلسطينيا أو إسرائيليا! وأخرى تفتري على الرسول وتقول أنه فشل في 26 محاولة (عمرو خالد)، وآخر يذهب أبعد منه فيرى أن الرسول فشل في دعوته (د. أحمد البغدادي)، وفتاوى تشرع لبناء الجدار الفولاذي على حدود قطاع غزة مع مصر لخنق القطاع (طنطاوي وغيره)، وأخرى تهيئ الأئمة والخطباء للتطبيع مع إسرائيل بوصفها جارة، خاصة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بالجار (وزارة الأوقاف المصرية) ...

قائمة طويلة جدا حبذا لو تجد من يجمعها ويوثقها من مصادرها الأصلية كي تعلم الأمة وأجيالها القادمة من هم القائمون على شريعتها والذين استودعهم الله أمانة العلم وجعلهم ورثة الأنبياء؛ فإذا بهم يتطاولون على أحكام الله وشريعته وأنبيائه .. قائمة من أعجب الفتاوى التي ما أنزل الله بها من سلطان إلا عند هؤلاء العلماء والمشايخ والدعة، ناهيك عن فتاوى الزنادقة من بعض العلماء وكتابات بعض المفكرين والكتاب الليبراليين والمتصهينين والملاحدة. فأي إسلام ستورثه مثل هذه الفتاوى للأمة؟

الحلقة القادمة : مناقشات منهجية لفتاوى طارئة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* تصحيح خطأ

بالنسبة لفتوى الرضاعة فقد ورد خطأ اسم مفتي مصر د. علي جمعة، والصحيح أن صاحبها هو د. عزت عطية رئيس قسم الحديث في كلية أصول الدين في جامعة الأزهر. وقد صدرت في منتصف العام 2007، ونشرها موقع «العربية نت» مما تسبب بردود فعل عالمية وموجة سخرية من الإسلام.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 75 / 2165754

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165754 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010