الأربعاء 25 أيلول (سبتمبر) 2013

لماذا استدار الإيرانيّون حول ملفّ «المحرقة» اليهودية؟ 1-2

الأربعاء 25 أيلول (سبتمبر) 2013 par د. إبراهيم علوش

تناقلت وسائل الإعلام في مطلع أيلول الجاري تصريحات لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يؤكد فيها أن «محرقة» اليهود في الحرب العالمية الثانية حقيقة وأنه يدينها وأن إيران لم تنكرها البتة وأن الرجل الذي كان ينكرها في إشارة إلى الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد قد رحل. واتبع الوزير ظريف هذه التصريحات بـ»تغريدة» على موقع «توتير» يهنئ فيها يهود العالم برأس السنة العبرية الجديدة. كذلك فعل الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني عندما هنأ «اليهود جميعاً» برأس السنة العبرية الجديدة والمقصود بـ»اليهود جميعاً» جميعهم بالتأكيد وبينهم اليهود الذين يحتلّون فلسطين!
إذا كان الوزير ظريف أرفق تلك التصريحات بإدانة لقتل الفلسطينيين من قبل «الإسرائيليين» فإنها تمثّل تراجعاً عن النهج الذي خطه الرئيس نجاد في التصدي لواحدة من أخطر مصادر قوة الحركة الصهيونية العالمية أي أسطورة «المحرقة» والأهم أن هذه التصريحات ترد في سياق سياسة «الانفراج» مع الغرب التي يقودها الرئيس روحاني والتي أثمرت عن اتصالات ولقاءات أوروبية وأميركية مع إيران عشية مغادرته للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة وعن ترحيب ألماني بلعب إيران دوراً وسيطاً في الأزمة السورية إلخ... ما يوحي أن مرحلة جديدة على وشك أن تبدأ في العلاقات الإيرانية-الغربية تحلّ فيها السياسة والدبلوماسية مكان المواجهة والتصادم.
المرحلة المقبلة هي نتاج مجموعة عوامل ذاتية إيرانية وموضوعية إقليمية ودولية. فمن ناحية كان هناك تشتيت أصوات قواعد المحافظين في الانتخابات الرئاسية الإيرانية على عدة مرشحين مقابل مرشح معتدل واحد هو روحاني لمصلحة تكريس روحاني رئيساً ما يوحي أن «تعديل المسار» الإيراني كان محسوباً لتخفيف العقوبات الاقتصادية القاسية المفروضة على إيران من ناحية ولتكريس وضع إيران كندٍّ إقليميٍ إذا قبل الغرب تخفيف المواجهة معها من دون تقديم تنازلات جوهرية في مواقعها الإقليمية أو برنامجها النووي... أي أن التفاهم مع الغرب الآن يعطي إيران فسحة للتنفس ويمثّل اعترافاً غربيّاً في الآن عينه بوضعية إيران الإقليمية وهذا ما عبرت عنه ميركل بقبول إيران كوسيط في الأزمة السورية وما عبرت عنه فرنسا بقبولها مشاركة إيران في مؤتمر جنيف 2.
أما من ناحية موضوعية فإن إيران هي فعلياً الوكيل الإقليمي لمجموعة دول البريكس في المنطقة وبالتالي فإن صعود روسيا والصين وتراجع الولايات المتحدة في الإقليم ودولياً يحسّن ميزان القوى لمصلحة إيران. لكن المفصل الأهم في تفسير اضطرار الغرب إلى التعامل إيجابياً مع إيران تمثل بصمود سورية وتراجع التهديد العسكري الأميركي لمصلحة التقدم الديبلوماسيّ الروسيّ المدعوم بصمود سوريّ.
قفز بعض كتّاب معسكر أدوات حلف الناتو العربية والإسلامية على خطوة تهنئة اليهود برأس السنة العبرية الجديدة لكي ينالوا من صدقية موقف إيران المعلن حيال الكيان الصهيوني. كذلك قفز بعض أولئك الكتّاب على سياسة الانفتاح والانفراج الإيرانية إزاء الغرب لكي ينالوا من صدقية الموقف الإيراني المعلن ضد «الاستكبار» الغربي. والواقع أن الأنظمة الخليجية وامتدادتها في الإقليم وتركيا العدالة والتنمية هي الخاسر الأكبر من أي تفاهم إيراني-غربي وتلك الأنظمة وامتداداتها تصبح أوراقاً مستعملة برسم مكبّ النفايات بمقدار ما ينشأ تقارب أو تفاهم إيراني-غربي والأنظمة العربية بتبعيتها الذيلية لحكومة الولايات المتحدة هي المسؤولة قبل إيران عن وصولها إلى مثل هذا المصير.
لكن قصة «المحرقة» هي الأهم في التمهيد لأي تقارب من هذا النوع وهذا ما لا يدرك أهميته عرب كثر فـ»المحرقة» ليست مجرد رواية تاريخية أو حدث وقع كغيره في الحرب العالمية الثانية بل هي في الثقافة الغربية عامة أهم حدث في التاريخ البشري برمته وأخطر مجرزة مزعومة عرفها الإنسان وهي عقدة الذنب المركزية التي كرّسها الصهاينة في الوجدان الغربي لأجل تحقيق الأهداف الآتية بالتوازي:
تبرير نفوذ اللوبيات اليهودية في المجتمعات الغربية وسطوتها ورمي كل من ينتقدها بتهمة «معاداة السامية» على نمط النازيين الذين يفترض أنهم قاموا بتلك «المحرقة».
تبرير حق الكيان الصهيوني بالوجود نظراً إلى حاجة اليهود الملحة دوماً إلى ملجأ من «لا سامية» هذا العالم كي لا تتكرّر «المحرقة» مجدداً تحت شعار never again!
تبرير بقاء الكيان الصهيونيّ فوق أي قانون أو شرعة دولية أو دينية بذريعة الحاجة إلى ضمان أمن اليهود بأيّ طريقة مشروعة أو غير مشروعة ومن هنا التسامح الغربي مع الترسانة النووية وغير التقليدية «الإسرائيلية» مقابل أي سلاح غير تقليدي في المنطقة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 92 / 2166090

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2166090 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010