الأربعاء 30 حزيران (يونيو) 2010

المعركة الضارية بين الجغرافيا والتاريخ في الشرق الأوسط

الأربعاء 30 حزيران (يونيو) 2010 par د.أحمد القديدي

لعل المعركة الكبرى المنسية في الوقت الراهن ما بين معارك الشرق الأوسط هي الصراع المستمر الدائرة رحاه بين الجغرافيا والتاريخ، والسبب يبدو واضحاً بينا لكل ذي عينين ولكل متابع لأحداث الماضي والحاضر، فمنطقة الشرق الأوسط التي كان الغربيون من الأدباء يسمونها بالشرق الحائر هي منطقة مرسومة بالقلم والمسطرة يوم السادس عشر من شهر مارس سنة 1916 بتوقيع معاهدة سايكس بيكو (على اسم وزيري خارجية الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية) إلى درجة أن أحد المؤرخين الإنجليز سأل حين شاهد الخريطة الجديدة : ما سر الانحراف في الخط المستقيم الفاصل بين الحجاز القديم والمملكة الهاشمية الأردنية؟

فقال له شاهد عيان كان حاضراً في رسم خريطة سايكس بيكو : لقد عطس المسيو بيكو وهو يسطر الحدود فانحرفت يده بالقلم وتجسد على أرض الواقع (أي على خارطة الجغرافيا) هذا المنعطف التاريخي غير الإرادي في الربع الخالي! ولذلك لا يجب أن نعجب إذا ما سمعنا الأمريكيين ومن ورائهم الإسرائيليون يتحدثون عن خريطة جديدة للشرق الأوسط بل ويحاولون رسم ملامحها بما استطاعوا من قوة ومن إمكانات وبما استطعنا نحن العرب من غفلة وخروج عن دائرة الفعل والتأثير.

فانظر حولك أيها القارئ الكريم لتشهد المساعي تعمل عملها الدؤوب المستمر لتغيير الخريطة العربية لا حسب مصالح العالم العربي والعالم بأسره، بل حسب المصالح الظرفية المؤقتة للإمبراطورية الظرفية المؤقتة (ما دامت أعمار الإمبراطوريات في أيدي الأقدار كما علمنا العلامة عبد الرحمن بن خلدون).

ولذلك فإن ما نخشاه هو تشكل حدودنا الجديدة لحساب الشركات العملاقة العابرة للقارات ومصالح السوق العالمية ونحن نتحول من أوطان إلى أسواق ومن مواطنين إلى مستهلكين ومن بني آدميين (لنا كرامة حسب نص القرآن) إلى قوافل من عابري الصحارى والقفار، نشكل عالة على الأمم الأخرى (ما دمنا لا ننتج ما نأكل ولا ننسج ما نلبس ولا نركب ما نصنع و.... حتى لا نقرأ ما نكتب).

فالأمة التي تريد أن تسطر حدود خريطتها وتصنع تاريخها لا بد من أن تغير ما بأنفسها وتعمل العقل في شؤون مصيرها. ولنبدأ بفك الاشتباك ما بين الجغرافيا والتاريخ! لقائل أن يقول إن هذه مسائل نظرية فأفصح رحمك الله! ولهؤلاء الإخوة أقول ها أنا مفصح. فالذي يجرى اليوم أمام أعيننا المندهشة وسواعدنا المحبطة في كل من العراق وفلسطين والسودان واليمن والصومال هو الذي سيقرر المصائر العربية على مدى القرن الراهن على أقل تقدير. فماذا فعلنا نحن العرب أمام هذه المخاطر المحدقة؟ الجواب : لا شيء ذا معنى وذا أبعاد وذا تأثير (وقد ذكر الأستاذ محمد حسنين هيكل في حديث له على قناة الجزيرة أنه بصدد البحث عن المعنى والأبعاد والتأثير).

لنبدأ بالمعنى الذي يجب أن ندركه من خلال المواجهة ما بين الجغرافيا والتاريخ. والمعنى الخفي هو في نظري يختصر في المصالح وليس في الأيديولوجيات. فالغرب تحركه مصالحه المتغيرة مع الزمن وهو تبعا لمصالحه الاقتصادية أساساً ولكن الإستراتيجية والأمنية أيضاً. بينما نحن العرب يعتقد جزء من نخبتنا أن ردود أفعالنا يجب أن تكون أيديولوجية (مهما كانت تلوينات هذه الأيديولوجية) فظللنا إزاء الغرب نتكلم لغة لا يفهمها ويخيل لنا أننا أقنعناه أو حتى هزمناه!

ثم تأتي الأبعاد وهي ذات ثقل ومضاعفات لأن مواجهاتنا في مناطق الأزمات مع الغرب خلفت حروباً وضحايا وإضاعة وقت وفرص لا تعوض. وظللنا نراوح مكاننا ظانين أننا نتقدم وننتصر! فكم من الخسائر لحقتنا في ربع القرن الأخير وعشرية هذا القرن في مواجهات عسكرية لم نستعد لها وسيقرؤها التاريخ بعيون مختلفة.

أما التأثير فهو ضرورة الاعتبار بهذه التحولات واستخلاص دروسها الضرورية حتى ندخل مرحلة الرشد السياسي والحضاري في عالم لا يرحمنا إذا ما لم نرحم أنفسنا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 96 / 2165543

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165543 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010