السبت 21 أيلول (سبتمبر) 2013

الكل يسبح عكس التيار

السبت 21 أيلول (سبتمبر) 2013 par د. عصام نعمان

قالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الامريكية جنيفر بساكي: “لقد قرأنا بالطبع تعليقات الوزير لافروف . إنه يسبح عكس تيار الرأي العام العالمي” .

ما قصَدَت أن تقوله بساكي صراحةً هو أن تقرير مفتشي الأمم المتحدة بشأن استخدام أسلحة كيميائية في سوريا أكد استخدام غاز السارين، وأنه “استناداً إلى المعلومات الاستخبارية الأمريكية الخاصة فإن الكثير من التفاصيل الأساسية يؤكد أن نظام الأسد ارتكب هذا الهجوم” ما يتطلب، في رأي واشنطن، اتخاذ قرار في مجلس الأمن في ظل الفصل السابع إذا ما تباطأت حكومة دمشق في تحديد أمكنة تخزين الأسلحة الكيميائية تمهيداً لتطبيق إجراءات إزالتها .

سيرغي لافروف لم يستخدم في رده اللاحق على واشنطن تعبير “السباحة ضد تيار الرأي العام العالمي”، لكنه بدا وكأنه يستعمل التعبير نفسه بإصراره على أن تقرير مفتشي الأمم المتحدة لم يقدّم أي دليل على أن القوات الموالية للرئيس بشار الأسد نفذت الهجوم، وأن لا مسوّغ تالياً لإاخاذ قرار في ظل الفصل السابع .

الكل في الواقع يسبح عكس التيار بالنسبة إلى الشعب السوري وسائر شعوب الدول المجاورة التي تضررت، وما زالت، من أهوال الحرب الدائرة في سوريا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية .

يكابد الشعب السوري، بحسب تقريرٍ لوكالة الأمم المتحدة للاجئين، من تشرّد أكثر من ستة ملايين سوري، أربعة ملايين منهم نزحوا إلى أمكنة أكثر أماناً في الداخل، ومليونان لجأوا إلى دول الجوار، ولا سيما إلى لبنان والأردن والعراق وتركيا .

منسقة العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة فاليري اموس أعلنت أن نحو سبعة ملايين سوري بين نازح ولاجئ بحاجة إلى مساعدة انسانية عاجلة، وأن الأمم المتحدة بحاجة ل 4 .4 مليار دولار لتقديم هذه المساعدات العاجلة في العام 2013 فقط، في حين تمّ جمع 84 .1 مليار دولار منها حتى الآن .

في لبنان، تتوقع لجنة الأمم المتحدة لغرب آسيا “اسكوا” ان يبلغ عدد اللاجئين السوريين إلى لبنان بحلول العام 2014 نحو 3 .2 مليون، أي أكثر من 56 في المئة من عدد السكان المقيمين في البلاد . بين هؤلاء 470 ألف فلسطيني، نحو 70 ألفاً منهم نزحوا من سوريا بعد اندلاع الحرب فيها، بالإضافة إلى نحو 40 ألف عراقي كانوا مقيمين فيها واضطروا إلى النزوح أيضاً .

إلى الأردن وتركيا نزح نحو مليون سوري أيضاً وهم يعانون مشاكل حياتية واجتماعية حادة، كما يشكلون عبئاً اقتصادياً على البلدين المضيفين .

كل هذه المحن والمآسي والتداعيات، ولا سيما في لبنان، دفعت الأمم المتحدة، بمبادرة فرنسية، لعقد اجتماع في 25-9-2013 على هامش دورة الجمعية العمومية في نيويورك يشارك فيه عدد من الدول للبحث في سبل مساعدة لبنان في تحمل عبء اللاجئين السوريين . وسيركّز رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في كلمته خلال الاجتماع على حاجة لبنان الماسة إلى مساعدات وازنة لتحمّل أعباء اللاجئين السوريين من حيث الغذاء والسكن والتطبيب، إضافةً إلى صعوبة ضبط تحركاتهم .

من الضروري التأكيد على أن ما يسمى المجتمع الدولي لا يبدو جاداً في مواجهة الأضرار والخسائر والتداعيات الناجمة عن الحرب في سوريا وعليها . فقد سبق ل “المؤتمر الدولي لدعم اللاجئين السوريين” الذي انعقد في الكويت بدعوة من الأمين العام للأمم المتحدة أن أقرّ مساعدات بمبالغ ضخمة، لكن تبيّن لاحقاً أن ما سُدد منها لا يصل إلى نصف ما تقرر .

كل هذه الواقعات والإحصائيات والملابسات إن دلت على شيء فتدل على أن مجتمع الدول عموماً، ولاسيما الدول الكبرى والأخرى التي لها علاقة بما جرى ويجري في سوريا، لا تعير الجوانب الإنسانية والاجتماعية للحرب البشعة التي تدور في مختلف أرجائها منذ سنتين ونصف السنة اهتماماً ومعالجة، ولا نقول رعاية، أو أن حجم الاهتمام والمعالجة المتحققين، أقل بكثير من احتياجات النازحين السوريين في الداخل واللاجئين السوريين في الخارج .

لا سبيل إلى إغفال حقيقة صارخة هي أن دولاً كبرى ومتوسطة وصغرى تنحاز إلى أحد طرفيّ الحرب في سوريا وتمدّه بالدعم السياسي والمالي والعسكري . بغض النظر عن أسباب ذلك الدعم ومشروعيته، فإن أحكام القانون الدولي وأعرافه كما أبسط المبادئ الأخلاقية المتعارف عليها تقضي بأن تضع تلك الدول في حسبانها المفاعيل والنتائج والأضرار والتداعيات الإنسانية والاجتماعية الناجمة عن دعمها لطرفيّ الصراع، وأن تبادر بلا إبطاء إلى معالجتها والتعويض على الاطراف المتضررين جميعاً، دولاً ومواطنين .

المعالجة تكون باتخاذ التدابير واعتماد الإجراءات التي من شأنها وقف الحرب . ذلك أنه من دون وقف الحرب ستظل أسباب الضرر والخسارة والمعاناة قائمة، وفي مقدمها تدفق اللاجئين السوريين إلى الدول المجاورة، وما ينشأ عنها من مآسٍ وتتركه من تداعيات اقتصادية واجتماعية وديمغرافية على تلك الدول وسكانها .

التعويض على السكان المتضررين يكون بتخصيص مساعدات عينية ومالية واجتماعية مباشرة لهم من الدول ذات الصلة بالحرب، وبواسطة الحكومات المعنية أو وكالات الأمم المتحدة المتخصصة . أما التعويض على دول الجوار المتضررة لإعادة إعمارها فيكون، بالدرجة الأولى، مسؤوليةَ الدول المشاركة في الحرب السورية بشكلٍ أو بآخر، كما مسؤولية مجتمع الدول عموماً والأمم المتحدة خصوصاً .

مع تقديري ومراعاتي لمبادئ وأفكار ومواقف كل القوى والجماعات المؤيدة لكلٍ من طرفيّ الصراع في سوريا وعليها، فإني أعجب لخلو شوارع العرب والعالم من مسيرات وتظاهرات واجتماعات تدعو مجتمع الدول، ولا سيما الدول ذات الصلة المباشرة بالحرب، إلى وقفها والمبادرة بلا إبطاء إلى اتخاذ ما يقتضى من تدابير وإجراءات لبلسمة الجراح ومساعدة النازحين واللاجئين والمتضررين إنسانياً واجتماعياً على نطاق واسع للحؤول دون تكامل كارثة بشرية واجتماعية هائلة لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلاً منذ مقتل مئات الآلاف في قصف هيروشيما ونجازاكي في اليابان سنة 1945 . الكل مدعو إلى وقف السباحة عكس تيار الإنسانية والرأفة والرحمة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 28 / 2176601

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2176601 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40