نستطيع اليوم أن نعلن عن وفاة الأحادية القطبية بعد اتفاق جنيف بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية. الأزمة السورية سارعت في نهاية زمن الأحادية القطبية. فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي أصبح العالم محكوما بما تريده وتمليه الولايات المتحدة التي اعتبرت نفسها المنتصر الوحيد في العالم. لقد تهاوى الميزان الدولي تماما منذ نحو ثلاثة عشر عاما. وسرحت أميركا ومرحت على كيف كيفها في طول العالم وعرضه. حاربت المسلمين والعرب خلال العقد ونيف الماضي دون هوادة. احتلت أفغانستان واحتلت العراق. وسارعت إلى تدمير ليبيا مع حلفها الأطلسي. لم يكن العالم إلا طوع البنان الأميركي. من قال لا فمصيره الهوان والندم. ومن يمالئ ويداري فهو على العين. أما من يتحالف فهو على العين والرأس، أكان ديكتاتوريا أم لم يكن.
ثلاثة عشر عاما والدنيا تضج وتصيح وتئن طلبا للعدالة والأمن والأمان بسبب الغلظة الأميركية المنفلتة من عقالها. وما كان العالم إلا أن يتمنى أن ينتهي عصر التحكم الأميركي ـ ومعه بطبيعة الحال التحكم الغربي والصهيوني في الأساس.
لم يشهد العالم بعد الحرب العالمية الثانية وإلى عام 1990 ما شهده خلال فترة فقدان التوازن الدولي التي سادت فيها أميركا ومادت. لم تتصرف أميركا من موقع القوي المدافع عن المظلوم. ولم تتصرف كما يتصرف الشقيق الأكبر الذي يحدب على الصغير والكبير في آن معا. بل تصرفت بديكتاتورية لا تعرف الرأفة طريقا إلى قلبها إلا لمن طأطأ وجاهر بالولاء ـ خوفا لا إيمانا أبدا.
اليوم بعد أن استفاق العالم على وعي يقول بضرورة العودة إلى التوازن وبضرورة التخلص من (الأخ الأكبر الأشد ظلما) جاء دور العدل في الميزان. العالم يجب أن يكون متعدد الاقطاب لكي يحصل على الأمن والاستقرار. هكذا برزت قوة البريكس التي تقودها روسيا والصين وتضم نحو نصف سكان الكرة الأرضية (الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا إضافة إلى روسيا والصين). ولم يقبل الروسي الباحث عن موطن الحقيقة والمصلحة التي تركلها أميركا جانبا إلا أن يشمر عن الساعدين ويقول لأميركا (كفى). وبعد ثلاث مرات من استخدام الفيتو الروسي ـ الصيني صار لزاما أن تعرف الإدارة الأميركية أنها ضيعت المفتاح، وأنها لم تعد المالكة الوحيدة للعالم تتصرف به كما يحلو لها.
الفضل في عودة الوعي والتوازن للعالم، يعود إلى الجائحة أو الأزمة السورية ـ الأزمة التي فتحت شهية الكيان الصهيوني وأميركا ودول الغرب المتحالفة مع الطرفين. لكن روسيا والصين حاولتا الحد من غلواء العدوانيين الذين عربدوا وأزبدوا في البحر الأبيض كما في البحر الأحمر. هكذا كان أن تصرف الروس على وفق مصالحهم من جهة وعلى وفق العودة إلى القانون الدولي من جهة ثانية. قالوا انتهى زمن حكم الغاب ولا بد من العودة إلى القانون الدولي وحكمه وحكمته. ففي مجلس الأمن لا تستطيع أميركا ومن يتحالف معها فرض إرادتهم كما يريدون على العالم. التصدي الروسي الصيني لهم أفهمهم أن العالم ليس الساحة المفتوحة لعدوانيتهم بعد اليوم.
اتفاق جنيف بشأن الأسلحة الكيميائية السورية فاتحة التصرف من موقع عودة التوازن إلى النظام الدولي. وبالتالي فعصر الأحادية القطبية إلى الجحيم. وعلى العالم كله أن يمشي في جنازة لئيم قاتل مدمر اسمه (عالم القطب الواحد) إلى حيث المثوى الأخير .. ليدفن العالم الأحادية القطبية ويفتح ذراعيه مرحبا بعودة التوازن في عالم متعدد الأقطاب لا يسمح بالمروق عليه وعلى قوانينه وأنظمته.
الجمعة 20 أيلول (سبتمبر) 2013
الأحادية القطبية إلى مثواها الأخير
الجمعة 20 أيلول (سبتمبر) 2013
par
نواف أبو الهيجاء
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
12 /
2165266
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
8 من الزوار الآن
2165266 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 8