الخميس 12 أيلول (سبتمبر) 2013

فلسطينيو سوريا .. مؤشرات ودلالات

الخميس 12 أيلول (سبتمبر) 2013 par علي بدوان

من المفيد الإطلاع العام على واقع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا بعد مرور اكثر من عامين من عمر الأزمة الداخلية في البلاد، حيث بات فلسطينيو سوريا جزءاً أساسيًّا من نسيج المجتمع في سوريا بشكل عام مع الحفاظ على خصوصيتهم الوطنية باعتبارهم أصحاب حق فوق أرضهم الوطنية المحتلة منذ عام النكبة 1948.
ففي سوريا يعيش نحو (530) ألف لاجئ فلسطيني ممن يطلق عليهم مُسمى (الفلسطيني السوري)، وهم كالمواطنين السوريين تماماً من حيث الحقوق والواجبات وفق المرسوم الرئاسي الرقم (256) لعام 1956 الذي ساوى بينهم وبين المواطنين السوريين مع الحفاظ على هويتهم الوطنية الفلسطينية.
هؤلاء اللاجئون الفلسطينيون دخلوا سوريا عام النكبة 1948، وكانت أعدادهم لا تزيد على (90) ألف مواطن طردوا من أرض وطنهم فلسطين بفعل عملية التطهير العرقي التي قامت بها العصابات الصهيونية (الهاغاناه، البالماخ، شتيرن ...) وتحديداً في مناطق شمال فلسطين والساحل الشمالي والأوسط بشكل رئيسي.
ويتميز المجتمع الفلسطيني في سوريا بخصائص معينة كان من سمتها الاستقرار النسبي قياساً لأوضاع فلسطينيي الشتات عموماً. لكن تلك السمة بدأت بالتأرجح مع الأزمة العامة في سوريا والتي طالت جميع سكان سوريا ومنهم الفلسطينيون الذين هم في النهاية جزء لا يتجزأ من النسيج السكاني العام مع احتفاظهم بخصوصيتهم الوطنية الفلسطينية في بلد عربي شقيق عاملهم بكل محبة وإكرام، كالمواطن السوري على صعيد الحقوق والواجبات.
ويُعتبر المجتمع الفلسطيني في سوريا مجتمعا فتيا تتسع قاعدته العمرية الصغيرة باطراد مع مرور الزمن بفعل عامل الخصوبة لدى المرأة الفلسطينية، وبفعل ظاهرة النمو حيث تزداد أعداد أفراد المجتمع الفلسطيني في سوريا بمعدل شبه ثابت في وحدة الزمن (في المتوسط 3.5% سنويًّا)، ونتائجه في زيادة عملية الإنجاب والنمو الطبيعي لنسبة السكان، فنسبة (43,2%) منه دون سن الخامسة عشرة، ونسبة (62%) منه دون سن السادسة عشرة، لذا يتمتع اللاجئون في سوريا بكونهم مجتمعا فتيا تكبر فيه قاعدة الهرم السكاني الممثلة بالأطفال والشباب ما قبل السابعة عشرة.
ففي التوزع العمري وفق أهرامات العمر يطغى طور الشباب، ويليه طور الإنتاج، وطور ما بعد الإنتاج، ويتحدد شكل الهرم السكاني لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا بمسقط مثلثي على المستوى أشبه بالمثلث المتساوي الساقين ذي القاعدة العريضة، مما يترتب عليه تراجع نسبة القوة البشرية العاملة، وازدياد أعباء الأسرة والإعالة تجاه متطلبات الحياة اليومية الصحية والاجتماعية والتعليمية، أما نسبة كبار السن (65 عاماً وأكثر) فتكاد تكون (3.2 %). ومن هنا يتمتع مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا بخصوبة مرتفعة نسبيًّا وتكاد تماثل نسبة الخصوبة في المجتمع السوري وتعادل (7.35).
وتحدد الخصوبة القدرة الإنجابية للمرأة الواحدة في سن حياتها الإخصابية، وتبلغ بالنتيجة (43) بالألف. وتعتبر التنمية البشرية بين اللاجئين الفلسطينيين في سوريا تنمية بشرية متوسطة وفق مقاييس برنامج الأمم المتحدة، بينما حجم القوة البشرية بينهم بلغت بالمتوسط في الأعوام الأخيرة نسبة (54.5%).
وبالنتيجة إن مرد اتساع قاعدة الهرم العمري السكاني وطغيان الطور الشاب في الهيكل العمري للتجمع الفلسطيني في سوريا يعود إلى ارتفاع معدلات الخصوبة الكلية للمرأة الفلسطينية في سوريا مقارنة حتى بالمرأة العربية بالأقطار المجاورة وبالحدود النسبية. مع التراجع الملموس خلال السنوات الخمس الأخيرة لمعدلات الإنجاب تبعاً لتعقيدات الحياة الاقتصادية وضعف مردود الأسرة ودخول المرأة سوق العمل الإنتاجي.
وبالإجمال فإن عوامل التأرجح في النمو السكاني للاجئين الفلسطينيين في سوريا لم تبرز على السطح بعد، ولم تسبب حتى بتجلياتها الأولية أية تغييرات حادة في النمو السكاني للفلسطينيين فوق الأراضي السورية سوى وقوع هجرات أخيرة نتيجة الوضع الصعب الذي تمر به البلاد.
وعليه، كان لارتفاع نسب التعليم عند المرأة الفلسطينية في سوريا، ودخول العديد من الإناث في سن العمل سوق الإنتاج، وفق وتيرة متزايدة، الأثر الكبير في التراجع المحدود لمعدلات الخصوبة للمرأة الواحدة للعام الواحد كما تم ذكره.
إضافة لما تقدم، وصل العمر المتوقع عند الفلسطينيين في سوريا خلال الأعوام الأخيرة نحو (68.5) سنة للذكور، وحوالي (72.5) سنة للإناث. في حين يصل العمر في الدول المتقدمة إلى (78) سنة للذكور. وتعتبر هذه المؤشرات مهمة وضرورية لما تلقيه من رؤية لواقع التجمع الفلسطيني في سوريا. خاصة وأن العمر المتوقع للذكر والأنثى يحمل دلالاته بما يتعلق بدرجة تطور المجتمع ورقية، ودرجة استفادته من الخدمات المقدمة له بجوانبها الصحية والاجتماعية والتعليمية عبر وكالة هيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، والحكومة السورية والجهات الفلسطينية المعنية، وذلك بالرغم من المأساة التي يعيشها الآن فلسطينيو سوريا نتيجة الأزمة العامة التي تمر بالبلاد.
وبالنسبة للقوة البشرية بين الفلسطينيين في سوريا فقد كانت قبل اندلاع الأزمة تبلغ نحو (63,8%) وهي تتفاوت بين الذكور والإناث. علماً أن القطاع العام في سوريا يستوعب أكثر من ثلثي عدد المشتغلين بأجر. حيث تتألف القوة البشرية من قسمين: فئة من هم خارج قوة العمل لكنهم لا يعملون ولا يرغبون بالعمل كالطلبة والمتقاعدين وربات البيوت والذين يعيشون من إيراد استثماراتهم. والفئة الثانية فتضم فئة قوة العمل ذوي النشاط الاقتصادي. مقابل ذلك بلغ معدل النشاط الاقتصادي الخام للاجئين في سوريا نحو (28.9%). والغالبية تعمل في القطاع الحكومي السوري وبشكل رئيسي في الخدمات العامة التي تتضمن قطاع التعليم والصحة والأعمال الوظيفية والمحاسبة وغيرها.
ووفق البحوث الميدانية التي أجراها المكتب المركزي للإحصاء الفلسطيني فان هناك نحو (74%) من إجمالي العاملين الفلسطينيين في سوريا يعملون بشكل دائم في حين لا تتعدى نسبة المشتغلين بأعمال موسمية أو متقطعة (26%). أما مساهمة المرأة الفلسطينية اللاجئة في سوريا في النشاط الاقتصادي فتقدر بنحو (23,5%).
أخيراً، إن المعطيات الواردة أعلاه، تقدم لنا توصيفاً مختصراً عن حال فلسطينيي سوريا، لكن التوصيف إياه يخضع الآن للتبدلات الناجمة عن الأزمة العامة في البلاد، وتحديداً في الجانب المتعلقة ببروز ظاهرة الهجرة عند فلسطينيي سوريا باتجاه المغتربات وبلاد المعمورة المختلفة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 41 / 2181091

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2181091 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40