الخميس 12 أيلول (سبتمبر) 2013

الأيديولوجية الفاشلة

الخميس 12 أيلول (سبتمبر) 2013 par فيصل جلول

لم تتوفر لحركة سياسية عربية من قبل ظروف ملائمة للحكم بقدر تلك التي توفرت لحركة الإخوان المسلمين الذين تسلموا خلال عام واحد تقريباً السلطة في مصر وفي تونس، ونصف السلطة في اليمن وتولوا قيادة المعارضة المسلحة في سوريا وحصلوا على شطر كبير من السلطة في ليبيا، وتولوا حكومة المملكة المغربية، وعادوا إلى الواجهة مجدداً في السودان، ولم يكف فرعهم الجزائري الأكثر اعتدالاً عن احتلال مواقع مهمة في مجلس النواب وفي مجالس الوزراء المتعاقبة، بيد أن سنة واحدة في الحكم كانت كافية لتبيان فشلهم بسبب محدودية تجربتهم السياسية وطغيان تكوينهم الأيديولوجي على وقائع البلدان التي حكموها أو تولوا أدواراً أساسية فيها .

يستثنى من هذا التقدير كما أشرت الفرع الجزائري للإخوان المسلمين ممثلاً بحركة “حمس” التي انشقت من بعد إلى جناحين كلاهما فضل المشاركة في الحياة السياسية الجزائرية بطريقة براغماتية ومازال الطرفان على الرسم نفسه . معلوم أن “حمس” رفضت الانخراط في العنف خلال العشرية السوداء 1990 - ،2000 وأسهمت في خروج البلاد من الحرب وفي استئناف الحياة السياسية الجزائرية على قواعد سلمية ولعل اعتدال هذا التيار يمنحه فرصاً أكبر للتنافس على الرئاسيات المقبلة في العام المقبل .

في تواريخ سابقة على ما سمي ب “الربيع العربي” كانت فروع حركة الإخوان المسلمين تكاد أن تكون بمجملها في السجون في أكثر من مكان جراء اتهامها بالعمل في الظلام وتدبير الانقلابات السرية، وقد دفع أعضاء الحركة ثمناً باهظاً لأنشطتهم السياسية في عهود مختلفة، وجرى حظرهم في أكثر من بلد، إلى أن تمكنوا تدريجياً من العودة إلى العمل السياسي تحت لافتات مختلفة في هذا البلد العربي أو ذاك كل وفق ظروفه . فقد اشتركوا في حكم اليمن بعد حرب عام 1994 وانتقلوا إلى المعارضة في عام 2000 محتفظين بعدد مهم من النواب في البرلمان . وتمكن الإخوان في مصر والمغرب الأقصى ولبنان من دخول البرلمان، في حين انفردت حركة “حماس” الفلسطينية بالمقاومة المسلحة بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام ،1993 وصمدت بنجاح خلال حربين قاسيتين مع “إسرائيل” عامي 2008 و2012 .

بالمقابل ضربت فروع الحركة في تونس والسودان واستثنيت من العمل السياسي فاختار الفرع التونسي العمل السري السلمي وانتقلت معظم قياداته إلى الخارج، في حين رد إخوان السودان بإشعال انتفاضة مسلحة في دارفور كادت في إحدى الفترات أن تصل إلى عقر دار السلطة في أم درمان، بيد أنها فشلت واعتقل زعيمها التاريخي حسن الترابي .

مع انطلاق “الربيع العربي” كان تيار الإخوان المسلمين الوحيد الذي يحتفظ بتمثيل شعبي مهم في تونس ومصر بخاصة، وبمؤسسات تنظيمية وتجربة طويلة في العمل السياسي، وكان كذلك التيار السياسي الوحيد الذي لم يتول الحكم في العالم العربي، فقد سبقه الليبراليون في أكثر من دولة عربية والناصريون في مصر، والبعثيون في سوريا والعراق، والماركسيون في جنوب اليمن، وبالتالي كانت الفرصة متاحة أمام هذا التيار ليتولى الحكم وليخضع معتقداته ومبادئه للتجربة، ولعله اكتشف واكتشفنا جميعاً أن “الإخوان” احترفوا المعارضة إلى حد أنهم تصرفوا في إدارة الدول التي تسلموها كمعارضين وليس كحكام طال انتظارهم، وهذا على الأقل ما لمسناه في تونس والقاهرة .

ما من شك أن تجربة الحكم الإخواني القصيرة في تونس قد بيّنت مهارة الشيخ راشد الغنوشي وقدرته على المناورة الفعالة والتعايش الناجح في الحكم الائتلافي، وهي مكتسبة من تجربته الطويلة في الإقامة القسرية في أوروبا، ولكنه على الرغم من ذلك لم يتمكن من نشر آمال عريضة في الشارع التونسي للرهان على حزبه في إدارة البلاد بطريقة أفضل من نظام بن علي .

معلوم أن النهضة لم تتمكن حتى الآن من أخونة بُنى الحكم السابق الاقتصادية والإدارية التي تقاوم بنجاح ترفدها طبقة سياسية تقليدية نجت خلال سنتين من عقاب الشارع الذي اكتفى بالانتصار على بن علي وأسرته .

ومن المتوقع أن الإخوان المسلمين في هذا البلد سيواجهون من الآن فصاعداً مشكلة عويصة، ذلك أن نجاحهم في الحكم مرهون بخوض المنافسة مع معارضيهم ومع أجهزة الدولية وفق الخصائص والقواعد التونسية المرعية الإجراء، وهذا أمر متاح بالنظر لبراغماتية هذا التيار، لكنه يفترض التخلي عن الأيديولوجيا التي حفظت وما زالت تحفظ وحدة التنظيم وقدرته التعبوية . ولعل الغنوشي يلمس هذه المشكلة يومياً وإن نسي لبعض الوقت فإن نائبه الشيخ الليبرالي عبدالفتاح مورو لن يتردد بوعظه في كل فرصة وفي كل مناسبة .

من جهة ثانية كانت تجربة الحكم الإخواني في مصر أقل فعالية وأكثر ارتباكاً ولربما دفعهم الخوف من الفشل إلى الامساك بمفاصل الدولة لمواجهة المتضررين في كل قطاعات الدولة والجيش والشرطة والمجتمع المدني، والراجح أن يكون المرشد العام للجماعة قد ارتكب خطأ فادحاً عندما أصر على المواجهة مع كل هذه الفئات دفعة واحدة متسلحاً بشرعية الانتخابات وكأن الثقافة السياسية الديمقراطية للناس راسخة وطويلة ومجربة إلى الحد الذي يمكن أن يغفروا ما سمي ب “الأخونة” وألا يتجرأوا على الإطاحة بالسلطة الإخوانية في الشارع .

لقد حرم العبء الأيديولوجي للإسلام السياسي الإخوان المسلمين من هامش المناروة في منعطفين كبيرين، الأول عندما تسلموا السلطة منفردين وتجنبوا الائتلاف كما فعلت النهضة في تونس، والمنعطف الثاني عندما سخروا من تظاهرات 30 يونيو و3 يوليو، وبالتالي امتنعوا عن التفاوض مع الفريق السيسي على صيغة سياسية تجعلهم شركاء مضاربين في سلطة قيد البناء .

في المحصلة العامة يخطئ “الإخوان” في تفسير خسارتهم للسلطة في مصر بقوة خصومهم، ففي المجابهات سيكون دائماً طرف آخر، في حين أن النجاح والفشل مسألة ذاتية تماماً، ولكي يعود الإخوان للمشاركة في السلطة ربما يتوجب عليهم التخلص من أيديولوجيا الإسلام السياسي والعودة إلى إسلام الناس اليومي الذي لا يخلو من عبء العودة إلى الوراء .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 29 / 2165415

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165415 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010