الأربعاء 11 أيلول (سبتمبر) 2013

سباق بين المخرج السياسي والضربة العسكرية

الأربعاء 11 أيلول (سبتمبر) 2013 par غسان العزي

تسير الأمور بوتيرة جد متسارعة على المستوى الدبلوماسي، وطبول الحرب تُقرع فتسمع أصداؤها في أرجاء العالم الذي يحبس أنفاسه في انتظار ساعة الصفر . أنصار الضربة الأمريكية يقولون إنها آتية لا محالة، لأن الولايات المتحدة لا تستطيع المغامرة بصدقيتها وكرامتها، كقوة عظمى، فتتراجع عن الضربة المزمعة بعد كل هذه التهديدات المترافقة مع حشود عسكرية . لذلك فهي مضطرة اضطراراً لتسديد الضربة التي توعدت بها النظام السوري . لكن قد تكون هذه الضربة مجرد قصف محدود مركّز شبه متفق عليه سلفاً مع موسكو التي تسلمت بنك الأهداف من واشنطن وسلمته للنظام السوري الذي قام بإخلاء المواقع وتهريب ما أمكن تهريبه من عتاد وسلاح وأجهزة . والهدف هنا يقف عند إنقاذ ماء وجه الرئيس أوباما الذي لا بد أن يردّ الجميل للرئيس بوتين في مرحلة لاحقة وملف آخر . ولكن قد تكون هذه الضربة “أكثر من وخزة دبوس”، على ما قال الجنرال ديمبسي، أي أنها قد تذهب إلى حد القضاء على إمكانية أن يستمر النظام السوري في حربه فينهار، في مرحلة لاحقة غير بعيدة، تحت ضربات المعارضة المسلحة .

أما أنصار النظام السوري وحلفاؤه فيعتقدون بأن واشنطن لا تجرؤ على تسديد هذه الضربة التي ما انفكت تهدد بها لأسباب عدة، منها معارضة الرأي العام في الدول الغربية، كما تدل استطلاعات الرأي، ورفض عدد من الحلفاء، مثل بريطانيا وإسبانيا وإيطاليا وبولونيا وغيرهم، المشاركة العسكرية . أما السبب الأهم فهو الخوف من حرب إقليمية واسعة، قد تمتد إلى حرب عالمية، بحسب التهديدات الإيرانية - السورية والموقف الروسي الداعم للنظام السوري .

بين هذين الرأيين ثمة رأي يقول إن الحرب استمرار للسياسة بوسائل أخرى، بمعنى أن الضربة العسكرية الأمريكية تحمل هدفاً سياسياً، هو معاقبة النظام السوري كما هو معلن ودفعه إلى الذهاب للتفاوض مع المعارضة في جنيف . والرئيس الأمريكي إذ يؤجل الضربة فلأنه يعمل على تشكيل تحالف دولي، سياسي وليس عسكرياً بالضرورة، استعداداً لكل الاحتمالات، بمعنى أنه يستعد سياسياً للاحتمالات العسكرية كافة .

وقد فتح جون كيري كوة في جدار الأزمة عندما أعلن أن “على الرئيس السوري تسليم مخزونه من السلاح الكيميائي إلى المجتمع الدولي إذا أراد تفادي الضربة” . وهذا شرط معقول وممكن التحقيق لاسيما بعد موافقة دمشق على وضع الكيماوي السوري تحت الرعاية الدولية وما سبقه من إعلان طهران وموسكو الصريح، في بداية الأزمة، التنديد باستخدام السلاح الكيميائي من أي جهة أتى، وإنكار النظام لمثل هذا الاستخدام، بل واتهامه التفكيريين بذلك . كما أن أوباما أعلن عن إمكانية العودة إلى مجلس الأمن، بعد أن قال هولاند إنه سينتظر تقرير لجنة المفتشين التابعة للأمم المتحدة . هذه التأجيلات تسمح بالبحث عن الحل السياسي الذي غمز كيري من قناته من دون التوقف عنده طويلاً .

وهكذا، فإن السيناريو الذي يتقدم على ما عداه هو العودة إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار يفرض على الأسد تسليم مخزونه من السلاح الكيميائي إلى المجتمع الدولي (تحت إشراف الولايات المتحدة وروسيا على الأرجح) في مهلة يحددها القرار والتي يجري التفاوض حولها خلف الكواليس بين موسكو وواشنطن . وقد يتضمن القرار دعوة الأطراف للعودة إلى مفاوضات “جنيف 2” . مثل هذا القرار يوفر مخرجاً للجميع . النظام السوري يتفادى الضربة العسكرية وحلفاؤه يتباهون بأنهم منعوا عنه مثل هذه الضربة، وموسكو تقدم نفسها كعنصر استقرار في المنطقة، كونها تمكنت بالدبلوماسية من درء مخاطر حرب كانت واقعة لامحالة . أما الرئيس أوباما فيعلن عندها أنه ليس داعية حرب وأنه تمكن من دون حرب، وبالتهديد بها فقط، من تحقيق أهدافه لاسيما نزع السلاح الكيميائي من النظام السوري، وهذه عقوبة مؤلمة له، كما أنها تعيد قدراً من توازن القوى الذي يدفع في اتجاه حل تفاوضي عن طريق “جنيف-2” .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2165884

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165884 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010