الخميس 5 أيلول (سبتمبر) 2013

الكيان الفلسطيني في ميزان التسوية «الإسرائيلية»

الخميس 5 أيلول (سبتمبر) 2013 par علي بدوان

من مآسي العملية السياسية التفاوضية الجارية بين الطرفين الرسمي الفلسطيني و“الإسرائيلي” أن التصورات “الإسرائيلية” لمسار الحلول هي وحدها الموضوعة على طاولة التفاوض بعيدًا عن مرجعية الشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة، وذلك في ظل التبني الأميركي الكامل، وغياب الراعي النزيه والمحايد.
وفي مسار تلك العملية، يتبين بأن هناك إجماعًا “إسرائيليًّا صهيونيًّا” حول قيام كيان فلسطيني في مناطق من الضفة الغربية مع قطاع غزة، ولكن وفق ماهية وحدود مفروضة مسبقًا وتحت السلطة الأمنية والعسكرية “الإسرائيلية” الكاملة (حدودها، مساحتها، جيشها، حدود السيادة،...).
فمساحة التباين في الرأي موجودة داخل الطيف السياسي والمجتمعي في “إسرائيل” بالنسبة لمسألة الكيان الفلسطيني، وإن كانت هذه المساحة ضيقة نسبيًّا. فاليمين الصهيوني (القومي/ العلماني) ومعه كتلة شاس التي تمثل اليمين التوراتي الشرقي يرى فيها إدارة محلية جديدة محصورة، مغلولة، وبشكل أفصح يرى فيها كيانًا “عديم التواصل الإقليمي” أقل بكثير من دولة وأكثر بقليل من حكم ذاتي مع ضم واسع للمستوطنات المقامة في القدس والضفة الغربية، مع سيادة “إسرائيلية أبدية على القدس الكبرى التي تمثل مساحتها ربع مساحة الضفة الغربية البالغة بحدود (5888) كيلو مترا مربعا، فضلًا عن السيطرة”الإسرائيلية" المستديمة على المنافذ والمعابر والجو، إضافة إلى السيطرة على الحد الفاصل بين فلسطين والأردن، أي على كامل منطقة غور الأردن من الشمال مرورًا بوادي عربة حتى أقصى الجنوب.
وبعبارة ثانية فإن أحزاب اليمين القومي والتوراتي الصهيوني تريد حلًّا لمشكلة الفلسطينيين بكيان مقطّع الأوصال ومحصور في جوف الضفة الغربية ومطوق بالكامل، الأمر الذي يجعل من هذا الكيان الفلسطيني أشبه بمحميات آبارتهيد جديدة. فاليمين يريد إدارة محلية فلسطينية بقيادات محلية مبعثرة تحت قبضة الاحتلال، يسميها الفلسطينيون ما يشاؤون “دولة، إمبراطورية، مملكة...” أو أي اسم آخر.
ومع هذا، فإن اليمين التوراتي الغارق في رواية الميثولوجيا والخرافة الصهيونية يرفض بالقطع الحديث عن دولة فلسطينية، ويرى على لسان رموزه بأن الترانسفير الطريق الوحيد لتطهير “أرض إسرائيل” من “الغرباء”، ومع أن أفكار هذا التيار تتهاوى كل يوم تحت زحمة الوقائع القائمة على الأرض وتصاعد الكفاح الوطني للشعب الفلسطيني، إلا أن هذا التيار ما زال يمثل حضورًا على مستوى الكنيست وعلى مستوى الشارع اليهودي في فلسطين المحتلة.
إن المعركة التي تحركها القوى اليمينية الغارقة في صهيونيتها بالدرجة الأولى وهي قوى ما زالت تعتقد بأنها تستطيع أن تعيد الأمور إلى سابق عهدها، هذه المعركة تدور حول ماهية وطبيعة الكيان الفلسطيني. وعلى حد تعبير مارك هيلر من معهد يافا للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب (إن المسألة للغالبية العظمى من الإسرائيليين ليست معروفة ما إذا كان سيتم قيام دولة فلسطينية أم لا، لكن متى وكيف وضمن أي حدود وبأي صلاحيات وسلطات، وهذه الأمور لم يتم تسويتها بعد).
من جهته يقف حزب العمل “الإسرائيلي” المصبوغ بصبغة اليسار الصهيوني العمالي، وهو حزب براغماتي عريق في ممارساته اللعبة التكتيكية، والذي يضم بين أجنحته صقورًا لا يختلفون عن صقور الليكود واليمين القومي العلماني، يقف متصدرًا الرأي المنادي بدولة فلسطينية، أو كيان تحت الوصاية الإسرائيلية الأبدية، وهذه الدولة وفق مواصفات طيف حزب العمل و“اليسار الصهيوني العمالي” هي: (دولة فلسطينية على مساحات من قطاع غزة والضفة الغربية، مع اقتطاع أجزاء منها وتفكيك بعض المستوطنات الصغيرة + ضم شريط بعرض 20 كيلومترا على طول خط غور الأردن) بحيث لا تتجاوز مساحتها بأحسن الأحوال (80%) من مساحة الضفة الفلسطينية بعد شطب مساحة القدس الكبرى التي تتجاوز مساحتها ربع مساحة الأرض المحتلة عام 1967 في الضفة الغربية، مستندًا إلى استحالة تهجير الشعب الفلسطيني الذي بقي على أرض فلسطين، فالاقتلاع أصبح خلف التاريخ، لدرجة أطلق فيها شيمون بيريز أحد الأقطاب التاريخيين في الحزب وثعلب السياسة “الإسرائيلية” الصهيونية موقفه القائل بأن “الديمغرافيا تفعل فعلها”، وأنه أي بيريز لا يريد دولة “إسرائيلية” على أرض كل فلسطين التاريخية ستقود إلى وضع تتحول فيه إلى دولة “مختلطة ثنائية القومية ذات أغلبية عربية”.
وبالمحصلة، فإن قيام الدولة الفلسطينية أصبح قضية إجماع دولي عاجل لا يمكن تجاهلها، وتحظى بحضور يومي على أجندة المجتمع الدولي. ففلسطين ـ الدولة التي غيّبت عن الخارطة الدولية بفعل عملية الاقتلاع والتبديد القومي للفلسطينيين أصبحت الآن حاضرة بقوة، بانتظار التجسيد المادي على الأرض الفلسطينية. الضفة الإسرائيلية، تبدو الأمور أكثر تعقيدًا بصدد الدولة الفلسطينية، مع أن التسليم بقيامها أصبح محط قبول وأمرا لا مندوحة عنه لإقرار سلام الحل الوسط (الشرعية الدولية) في المنطقة. ولكن ثمة سؤالا يتعلق بماهية (الدولة/ الكيان) يكرر نفسه من حين لآخر وهو سؤال لا يشغل بال “الإسرائيليين” كحالة حزبية على المستوى السياسي، وإنما يشغل بال “الإسرائيليين” كحالة مجتمعية أيضًا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 56 / 2165798

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165798 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010