الخميس 29 آب (أغسطس) 2013

مستقبل “القطاع”.. بين الخيارات الكيدية والخيار الوطني

الخميس 29 آب (أغسطس) 2013 par عبد الرحمن ناصر

تسيطر حالة من الترقّب والقلق على أجواء قطاع غزة، الذي اعتاد على حال من التوتر بسبب الاعتداءات الصهيونية المتواصلة عليه، وصار عليه تحمُّل هموم أخرى، دون أن يغيب التهديد الذي يشكله الاحتلال، ولو للحظة واحدة.

لم تكن فترة حكم “الإخوان” في مصر “شهر عسل” بالنسبة إلى القطاع وأهله، وبعيداً عن بعض الخطب الرنانة التافهة، وآمال “الربيع” التي غرق فيها البعض بكامل وعيه وإرادته، فإن الواقع على الأرض لم يشهد تغيراً فعلياً، وعملياً لم يوافق محمد مرسي وحكومته، على تحويل معبر رفح إلى معبر دولي بين مصر وقطاع غزة، وأصرت على تمسكها بالمعاهدات والاتفاقات الدولية، وجرى إغراق الأنفاق بالمياه العادمة، وظلت المعابر بين غزة والأراضي المحتلة عام 48، هي المخصصة لحركة البضائع.

وبالتزامن مع ذلك، شرع الإعلام المصري في شن حملة عنصرية شعواء ضد قطاع غزة، تحت غطاء الهجوم على “حماس”، بوصفها جزءاً من “جماعة الإخوان المسلمين”، تصاعدت هذه الحملة بشدة مع عزل الرئيس مرسي، واشتداد الأزمة السياسية في مصر.

اتسمت الحملة الإعلامية بكم هائل من التفاهات والتلفيقات، وزادت جرعتها العنصرية وصولاً إلى قيام أحد أشهر مقدمي البرامج المصرية برفع يده بالتحية إلى “الخواجات” (ويقصد الصهاينة اليهود من محتلي فلسطين)، ولأن يدعو على الهواء مباشرة إلى إبادة الفلسطينيين، ليرد عليه زميل له في ذات الاستديو منوّهاً بأن مثل هذه الإبادة “ستخفف من عدد اللاجئين في العالم”! عند هذا الحد تجاوزت الحملة المزج بين معركتها مع “الإخوان” في مصر وغيرها وبين الشعب الفلسطيني لتصبح معركة مفتوحة على القطاع وأهله، وقد وفر الأداء الإعلامي لحماس مادة خصبة لحملة الإعلام المصري، وكان مفهوماً عدم التدخل في شأن مصري محلي، أكثر من الانغماس في التحيز لطرف دون آخر، مهما كان العنوان.

خيارات.. وتصعيد

بكل حال فإنه من الطبيعي أن تسيطر حال القلق والترقب على القطاع، الذي يتأثر بشدة حيال كل تطور في مصر، خصوصاً والجيش المصري يخوض معركة في سيناء ضد “مجموعات تكفيرية متطرفة، ومهربي مخدرات”، يجري الزعم بأنهم جميعاً على صلة وثيقة بالقطاع.

الصهاينة دخلوا على خط التصعيد والتوتير، فقد نقلت صحيفة هآرتس عن مسؤول في “الشاباك” تقديره بأن قطاع غزة بات “مصدر الإرهاب والقتال إلى سيناء وليس العكس”، وأضاف: “نحن اعتقدنا أن سيناء هي مصدر الشر بالنسبة لغزة، وتبين أن الأمور معاكسة تماماً، لقد فهم المصريون الوضع بسرعة أكبر منا”، وأشار إلى أن حماس في قطاع غزة تعرف بمعسكرات تدريب الجماعات “الجهادية”، وتنقل أفرادها، وادعى وجود تفاهمات بين حماس وآل دغمش تعهد الأخيرون فيها عدم العمل من قطاع غزة مقابل سماح حماس لهم بإجراء التدريبات.

يندرج هذا الخبر في سياق الحملة التحريضية الهائلة على قطاع غزة، يمهد الصهاينة لخيارات واحتمالات كثيرة، فمع وصول “شيطنة” القطاع إلى هذا المستوى، يمكن تخيل شكل ردود الفعل، تجاه اعتداءات صهيونية، أو إجراءات مصرية تجاه غزة.

لا شك في أن السؤال المنطقي الذي يدور في خلد كثيرين الآن، هو عن شكل “الخيارات” التي يجب أن تأخذها القيادات الفلسطينية لتجنب مأساة حقيقية في قطاع غزة، البدء في الإجابة على هذا السؤال يتطلب أمرين هامين: البعد عن التلاوم، والبعد عن الكيدية، فالأول (التلاوم) سيسبب غرقاً في مشكلات كثيرة، من أخطأ؟ وكيف؟ وبالمقابل: هل كان هذا السلوك أو ذاك خطأ؟ ولماذا؟، من الأجدى ترك هذه الأمور للتاريخ وللناس ليحكما عليها، والثاني (الكيدية) يحمل مخاطر كبيرة، وقد يغرق القطاع في حمام دم، يلغي صورته المقاومة التي تشكلت بدماء شهداء كثر على مر عقود، ولن يربح أحد من هذا الخيار سوى الكيان الصهيوني.

أبرز الأمثلة على “الكيدية” ما نقل عن مسؤول فلسطيني، حول نية رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الإعلان عن موعد لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية قريباً، وما ذكرته القناة الثانية في تلفزيون الاحتلال عن أن عباس، يعتزم الإعلان عن إجراء انتخابات عامة وحث حركة حماس على المشاركة فيها، أو إعلان قطاع غزة الذي تديره إقليماً متمرداً في حال رفضها المشاركة في هذه الانتخابات.

ونقل محلل القناة للشؤون العربية ايهود ايعاري عن مسؤولين في السلطة الفلسطينية قولهم: “إن السلطة الفلسطينية ستعيد النظر في تحويل الأموال إلى قطاع غزة والتي تقتطع من الموازنة العامة وتبلغ من 49 إلى 52 % من إجمالي موازنة السلطة”.

متحدث باسم حركة فتح نفى ما يحكى عن إعلان غزة إقليماً متمرداً، لكن أمين سر المجلس الثوري في الحركة أمين مقبول تحدث عما وصفه بالخيارات المؤلمة والصعبة، وقال “نحن مصرون على الذهاب للانتخابات ونأمل أن نتفاهم على هذا الأمر مع جميع القوى بما فيها حماس”، مضيفاً أن “الانتخابات التي ننشدها ونسعى لها تجرى في الضفة وقطاع غزة والقدس والشتات”، وحول خيارات القيادة الفلسطينية في حال رفضت “حماس” الانتخابات، قال مقبول “لم نسمع من حماس أنها ترفض الانتخابات، لكن إذا سمعنا ذلك ربما نلجأ في حينه لخيارات صعبة ومؤلمة نأمل ألا نصل إليها”، ونفى مقبول أن يكون من بين هذه الخيارات إعلان قطاع غزة “إقليماً متمرداً”، وقال “هذا ليس مطروحاً على أجندة القيادة الفلسطينية، وما تم الحديث عنه بهذا الصدد لا يمثل القيادة، ولم يناقش هذا الموضوع على طاولة القيادة في اللجنة المركزية أو المجلس الثوري”.

حركة الجهاد الإسلامي حذرت على لسان عضو قيادتها “خضر حبيب” من خيار إعلان القطاع متمرداً، وقال حبيب إن “هذا بمنزلة انتحار للرئيس محمود عباس، ولسلطة رام الله، ونفق مظلم لا رجعة فيه”.

من جانبه قال إسماعيل هنية؛ رئيس الحكومة في غزة: “نحن شعب متمرد على المحتل، ولكن يجب ألا تستخدم هذه اللغة ضدنا ولا نريد أن نستدعي العلاقات في بعدها الدموي ولا نحب ولا نرغب في ذلك”، وأشار هنية إلى سقوط “قرابة 450 قتيلاً في الأحداث المؤسفة عام 2007، بينهم 260 من فتح و180 من حماس وحولهم شباب آخرون لا علاقة لهم بالتنظيمات، لذلك لا نريد أن نذهب لهذا المربع الصعب، ولا نريد أن نستدعي العلاقات في بعدها الدموي”.

خيارات أخرى

رغم التحذيرات واللغة التصالحية، فشل لقاء عقد بين فتح وحماس في تهدئة الأوضاع بين الطرفين، فقد ظل الخلاف قائماً حول موضوع الانتخابات الذي تراه فتح أولوية، بينما تتحدث حماس عن صفقة شاملة، وتنفيذ أجندة جرى الاتفاق عليها في القاهرة.

إسماعيل هنية الذي انتقد استئناف المفاوضات بين السلطة وحكومة الاحتلال، عمد إلى لهجة تصالحية على الصعيد الداخلي، فأكد أنه لا خيار أمام الشعب الفلسطيني إلا خيار الوحدة والتفاهم، مشدداً على ضرورة تحقيق الوحدة الوطنية".

وأكد هنية، التزامه “بإعادة فتح كل المؤسسات والجمعيات التي أغلقت إبان أحداث الانقسام، وأن تكون هذه خطوة وطنية متقدمة، على أن تقابل بخطوة مماثلة في الضفة لتجسير الهوة”، داعياً إلى توسيع المشاركة في إدارة القطاع لحين تشكل حكومة وحدة وطنية، وإلى ضرورة البدء في إعادة بناء مؤسسات القرار الفلسطيني بما يؤدي لعملية تصحيح الخيارات والقرارات الفلسطينية، وطالب رئيس الحكومة الفلسطينية في غزة بضرورة إنهاء الانقسام الفلسطيني، معتبراً ذلك بأنه “خطوة مهمّة على طريق إعادة بناء مؤسسات الشعب الفلسطيني”.

وفي تصريح آخر قال هنية: “الوطن يتسع للجميع وليس حكراً على أحد، وفلسطين التي يضحي من أجلها الفلسطينيون هي وطن لكل الفلسطينيين، وغزة التي حررها أهلها هي ملكهم”.

كان لافتاً أن ردود الفعل على التصريحات التي أطلقها هنية، خصوصاً تلك المتعلقة بتوسيع المشاركة في إدارة قطاع غزة، كانت شبه غائبة، رغم تداول أوساط متابعة فلسطينية بوجود ترحيب حذر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بالعرض الذي قدمه رئيس الحكومة في غزة.

تتحدث الأوساط الفلسطينية المتابعة عن غياب التقدير السليم من قبل القيادات الفلسطينية لحراجة الظرف القائم، وتصف الكلام عن الانتخابات من جهة، وتنفيذ بنود المصالحة كاملة من جهة أخرى، انفصالاً عن الواقع، واستمراراً لحالة الكيدية والبحث عن “محاصصة في الركام”، وتضيف: الأوضاع لا تحتمل هذا النوع من الأداء، شعبنا يواجه مشكلات جدية في القطاع وفي الضفة أيضاً، والحاجة قائمة إلى مبادرات شجاعة وحلول إنقاذية دون تلاوم وتبادل اتهامات، ودون كيدية، ومحاولة استثمار في الظرف الصعب.

أكثر ما تخشاه هذه الأوساط، يكمن في استمرار الطرفين المتخاصمين فتح وحماس، على هذا الشكل المفجع من الأداء السياسي، فيما يحتمل أن تدهمنا المخاطر في أي لحظة، ودون أن يكون أي منهما قادراً على التعامل معها، ومع انعكاساتها الخطرة.

الأساس لأي تحرك ينبني، وفق الأوساط المشار إليها، على حفظ المقاومة في غزة، والتنازل عما يعتبره البعض مكتسبات، أو ما يعتبره البعض الآخر “حقاً” يريد استعادته.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2165891

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165891 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010