الخميس 15 آب (أغسطس) 2013

عودة إلى حديث المصالحة كلام في الوقت الضائع

الخميس 15 آب (أغسطس) 2013 par عبد الرحمن ناصر

تركت التطورات التي أعقبت التحرك الشعبي واسع النطاق في مصر، يوم الثلاثين من حزيران/ يونيو الماضي، وعزل الرئيس المصري محمد مرسي، والأزمة المستمرة في مصر، آثاراً بينة على الوضع الفلسطيني، فعدا الإجراءات التي جرى تطبيقها من قبل السلطات المصرية تجاه قطاع غزة، والحملة الإعلامية الشرسة التي تشنها وسائل الإعلام المصرية الحكومية والخاصة، على الفلسطينيين عموماً، وحركة حماس خصوصاً، تراجع بشكل كبير منسوب الاهتمام المصري الرسمي، بالملف الذي تابعه المصريون خلال السنوات القليلة الماضية، أي ملف المصالحة الفلسطينية.

هذا التراجع يبدو طبيعياً ومفهوماً، فحجم الانشغال المصري بالأزمة الداخلية كبير جداً، خصوصاً مع إصرار جماعة الإخوان المسلمين، وأحزاب إسلامية أخرى على التصعيد، واستمرار الاعتصامات حتى عودة الرئيس المعزول، كما لا يبدو منطقياً أن يتحدث المصريون الآن عن مصالحة فلسطينية - فلسطينية بينما هم يدعون إلى حوار مصري – مصري، ومصالحة بين المصريين أنفسهم، ولا يترك الهجوم الإعلامي الشرس والقاسي على الفلسطينيين ودورهم (الجاري الحديث عنه) في الاشتباك المصري الداخلي، مجالاً لإطلاق مبادرة تجمع بين حماس وفتح في القاهرة.

وبحسب مصادر فلسطينية متابعة، فإن الفلسطينيين يبدون حرصاً على علاقة وثيقة مع العاصمة المصرية، ويتطلعون إلى أن تعيد السلطات في القاهرة، ملف المصالحة إلى جدول أعمالها، فمن شأن هذا بالنسبة لحماس (التي يأخذ بعض إعلامها موقفاً منحازاً بقوة لمحمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين) أن يفتح قنوات اتصال جديدة مع المصريين، ويمثل نفياً عملياً للاتهامات الموجهة للحركة بالتورط المباشر في الأحداث المصرية، أما السلطة الفلسطينية فترى من جانبها أن الحكومة المصرية الجديدة لن تكون منحازة لحماس، وربما تتمكن في الظروف القائمة من تحصيل مصالحة وفق الأجندة الفتحاوية، بحسب تلك المصادر، والتي تعزز وجهة نظرها بالإشارة إلى أن الحديث المتجدد عن المصالحة جاء من جانب حماس، وفي هذا الوقت بالذات الذي تندفع فيه السلطة إلى المفاوضات، التي تعتبرها الحركة تراجعاً أمام الضغوط الأميركية والصهيونية، وتفريطاً بحقوق الشعب الفلسطيني.

دعوة.. ومبادرة

عضو المكتب السياسي ل“حماس” موسى أبو مرزوق، أكد أن المصالحة الوطنية الفلسطينية ممر إجباري لا بد من إنجازه وإن كان الحديث عنه يزعج الكثيرين، معتبراً أن المصالحة وإنهاء الانقسام مصلحة مطلقة لـ“حماس” والشعب الفلسطيني، ومشيراً إلى أن قيادات حركة “فتح” يكثرون الحديث عن ورقة 14-5 واستحقاق 14-8، وكأنه لا يوجد في الورقة إلا بند إصدار المرسوم بتشكيل الحكومة والانتخابات.

وقال: “ألخص اتفاق (14-5) بنقاط حتى يتبين الجميع أين الخلل؛ توافق الطرفان على أن يكونا في حالة انعقاد دائم حتى تشكيل حكومة الوفاق الوطني وتحديد موعد الانتخابات، وتقديم الصيغة النهائية لقانون الانتخابات في المجلس الوطني، لأنه لا يمكن إجراء انتخابات بلا قانون، والتوافق وإصدار مرسوم بتشكيل لجنة انتخابات المجلس الوطني خلال أسبوع من إقرار قانون الانتخابات، وإصدار مرسوم بتشكيل محكمة الانتخابات للمجلس الوطني بآلية انتخابات المجلس التشريعي نفسها، وبدء التشاور بتاريخ (14-6) على تشكيل الحكومة ويتم الانتهاء من التشكيل خلال 3 شهور إلى (14-8)، بعدها يصدر الرئيس محمود عباس مرسوماً بالتشكيل ومرسوماً بتحديد موعد الانتخابات بعد 3 شهور، ويصدر الرئيس مرسوماً بدعوة المجلس التشريعي بعد أسبوع من أداء الحكومة الفلسطينية الجديدة، والعمل على توفير التمويل اللازم لعمل المصالحة المجتمعية، ودعوة لجنة الحريات للانعقاد خلال 15 يوماً”.

وأعرب أبو مرزوق عن أسفه لعدم إنجاز هذه المهام، وقال: “ما الذي تحقق من ذلك كله ومن المسؤول عن عدم التنفيذ؟ وهذه هي الأسئلة المحددة: هل نحن في حالة اجتماع دائم؟ هل قدمت صيغة قانونية محددة إلى ل.ت من اللجنة المشكلة من المجلس الوطني؟ أين مرسوم لجنة الانتخابات المركزية للمجلس الوطني؟ هل بدأنا التشاور لتشكيل الحكومة خلال الفترة السابقة؟ هل تم العمل على توفير التمويل اللازم للمصالحة المجتمعية؟ اجتمعت لجنة الحريات وتم الاتفاق على 15 بنداً، ما الذي تحقق منها”؟ وأضاف: “نحن حقيقة نريد المصالحة؛ ولكن المصالحة لا تتحقق بطرف واحد”.

تصريحات القيادي في حماس وردت على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي (الفايسبوك) وهو فيها يحمّل الطرف الفلسطيني الآخر المسؤولية عن عرقلة إجراءات المصالحة، ويمكن أن نلاحظ ببساطة أن عضو المكتب السياسي لحماس، لا يذكر شيئاً عن الظروف المحيطة بالراعي الأساسي للمصالحة، وفي هذا دعوة واضحة لأن يبادر الفلسطينيون إلى فرض ملف المصالحة على الأجندة المصرية المزدحمة.

وكان لافتاً للانتباه ما نشرته مواقع الكترونية فلسطينية عديدة، ونقلاً عما وصفته بمصادر مطلعة، عن مبادرة جديدة لاستئناف جلسات المصالحة بين حركتي فتح وحماس، تقودها شخصيات وطنية فلسطينية بتأييد من دول عربية وجهات رسمية فلسطينية، بدأت تطرح على قيادتي حركتي فتح وحماس لاستئناف جلسات المصالحة مباشرة بعد انتهاء عطلة عيد الفطر.

وبحسب المصادر، تنصّ المبادرة كمبدأ رئيسي لاستئناف جلسات المصالحة على ضرورة وقف التراشق الإعلامي بين حركتي فتح وحماس، والعودة لاستئناف جلسات المصالحة التي من المفترض أن يتم الحديث فيها عن آليات تشكيل حكومة الوفاق الوطني التي ستكون برئاسة الرئيس أبو مازن.

وتقول المصادر الإعلامية الفلسطينية إن المبادرة لاقت ترحيباً من الجانبين، وتتوقع أن يتم الإعلان عن استئناف الحوار بين الحركتين خلال الأيام القليلة المقبلة، مضيفة أن الرئيس أبو مازن ينوي إعلان موعد للانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني، لتجري بداية العام القادم طبقاً لاتفاقات المصالحة التي وقعتها الحركتان في القاهرة مؤخراً.

مؤشرات متناقضة

في الواقع، لم يصدر أي رد فعل من السلطة الفلسطينية على دعوة د. موسى أبو مرزوق، كما أن مصادر السلطة لم تصدر تعقيباً رسمياً، حول ما تردد عن مبادرة الشخصيات المستقلة، وشهدت الأيام القليلة الماضية تراشقاً كلامياً قاسياً بين طرفي الانقسام الفلسطيني.

ففي غزة، حذّر صلاح البردويل؛ الناطق الرسمي باسم “حماس”، أجهزة حركة فتح من استمرارها في تزويد وسائل الإعلام المصرية بمزيد من الوثائق المزورة، مشيرة إلى أن تمادي فتح في ذلك “يدفعنا إلى كشف المزيد من فضائحهم على الملأ”، وقال البردويل تعقيباً على ما نشرته صحف مصرية مما وصفه بالوثائق المفبركة: “استمراراً لمسلسل الفبركة الإعلامية الذي تنفذه الخلية الأمنية الإعلامية، وانتقاماً لنفسها مما لحق لها من فضائح، عمدت أجهزة فتح إلى تزويد وسائل الإعلام المصرية بمزيد من الوثائق المزورة المفبركة التي تهيّج الرأي العام المصري ضد المقاومة، وضد أبناء الشعب الفلسطيني في غزة”.

وأضاف: “نشرت بعض وسائل إعلام مصرية بيانين مفبركين منسوبين إلى كتائب القسام يفهم منهما تدخل كتائب القسام في الشأن الداخلي المصري، وهذا هو فحوى كل الفبركات السابقة نفسها، والهدف من ورائه دق الأسافين بين حماس والمقاومة وغزة من جهة، وبين الشعب المصري وجيشه وأمنه من جهة أخرى، وهم يعتقدون أنهم بذلك يستطيعون تمرير مؤامراتهم لتصفية القضية الفلسطينية من خلال المفاوضات القائمة الآن، والمرفوضة بالأغلبية الساحقة من طرف الشعب الفلسطيني وفصائله”.

وفيما جددت حماس نقدها اللاذع للمفاوضات بين السلطة وحكومة الاحتلال، جددت اتهامها الأجهزة الأمنية الفلسطينية باعتقال 3 من عناصرها في الضفة الغربية، وقالت الحركة في بيان، إن الأجهزة الأمنية استقبلت أيام عيد الفطر المبارك، باعتقال 3 من أبناء الحركة في الخليل ورام الله، بينهم اثنان تم اعتقالهما فور الإفراج عنهما من سجونهما.

في الجهة المقابلة، أكد النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني عن حركة فتح؛ ماجد أبو شمالة، أن قوة من أمن حكومة غزة دهمت منزل المحامي خليل أبو حسنة؛ مدير مكتبه والمدير التنفيذي للجنة الوطنية الإسلامية للتنمية والتكافل الاجتماعي، وقال: إن المداهمة تمت على خلفية نشاط خيري إنساني لأبو حسنة يقوم به لمساعدة المحتاجين من الحالات الخاصة والمعوّقين والأيتام والأسرى، من خلال اللجنة الوطنية الإسلامية.

وقالت وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية “وفا”، إن أجهزة أمن حكومة غزة اختطفت واعتقلت عبد العزيز المقادمة؛ عضو قيادة إقليم حركة فتح شمال قطاع غزة، والكادر عبد الجواد زيادة من منزليهما في جباليا.

في سياق مواز، صرح أمين مقبول؛ أمين سر المجلس الثوري لحركة فتح، بأن وفداً من الحركة سيتوجه من الضفة الغربية إلى قطاع غزة خلال أيام في إطار جهود تحقيق المصالحة الفلسطينية، وأشار مقبول، إلى أن عدداً من أعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثوري لحركة فتح سيتوجهون إلى قطاع غزة، بهدف التواصل مع كل القوى والفصائل الفلسطينية في القطاع ومناقشة كافة الموضوعات المتعلقة بتحقيق المصالحة الفلسطينية، موضحاً أن الزيارة ستتم خلال الأيام القليلة القادمة عبر معبر بيت حانون، ومشيراً إلى أن هذه الزيارة ليست الأولى لوفد من حركة فتح إلى قطاع غزة.

القيادي في فتح أشار إلى إمكانية عقد لقاءات مع حركة حماس، والبحث في ملف المصالحة وموعد تشكيل الحكومة المتفق عليه، إضافة إلى العديد من الموضوعات، ومن بينها الاتهامات المتبادلة بين الحركتين فى وسائل الإعلام والوثائق التي نشرتها حركة حماس مؤخراً، وتتعلق بحسب ما تقول حماس، بدور أجهزة السلطة الأمنية في التحريض على الحركة في مصر.

هذا عند الفلسطينيين، فهل في القاهرة من يسمع هذه الأيام؟ قيادي فلسطيني يجيب على التساؤل بالقول: لقد أضاع طرفا الانقسام فرصاً كثيرة، ولا أظن أن هناك من يريد أن يكرر مشاهد جديدة في المسرحية المستمرة منذ سنوات.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 44 / 2165545

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165545 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010