الاثنين 12 آب (أغسطس) 2013

تصوُّرات« إسرائيلية» لإدراج سيناء في حلِّ مشكلة« الحدود» مع الفلسطينيين!

الاثنين 12 آب (أغسطس) 2013 par جواد البشيتي

“حلُّ الدولتين” هو، وحده، “الحل” الضروري والممكن واقعيًّا، على ما تحدَّث الرئيس أوباما غير مرَّة؛ لكنَّ بعض طبَّاخي الرؤى الاستراتيجية في« إسرائيل» يُكْثِرون من الحديث الآن، حيث عاد «الإسرائيليون» والفلسطينيون إلى طاولة المفاوضات، عن “حلِّ الدولتين” بصفة كونه “المشكلة”، التي لا بدَّ من حلِّها من خلال إنشاء وتطوير حلٍّ بديل من “حلِّ الدولتين”، يقوم على تبادل للأراضي بين مصر وإسرائيل.
إنَّهما أمران أساسيان وجوهريان يستبدَّان بالتفكير السياسي ـ الاستراتيجي لكبار الطَّبَّاخين هؤلاء، وهما: احتفاظ، وضرروة احتفاظ، إسرائيل بسيطرة دائمة على نحو 12 في المئة من مساحة الضفة الغربية، تقع على الجانب الشرقي من “الخط الأخضر”، ويتركَّز فيها الاستيطان اليهودي؛ والأمر الثاني هو ضرورة توسيع مساحة قطاع غزة، والتي لا تزيد الآن عن 365 كيلومترًا مربَّعًا.
واقتراحهم هو أنْ يُضَمَّ إلى قطاع غزة أرضًا من مصر (من شبه جزيرة سيناء) تبلغ مساحتها 760 كيلومترًا مربَّعًا، فتصبح مساحة قطاع غزة “الكبير” 1125 كيلومترًا مربَّعًا.
ولكن، لماذا الرقم “760”؟
لأنَّه يَعْدِل النسبة 12 في المئة، فمساحة الأرض التي تعتزم إسرائيل انتزاعها من الضفة الغربية (أي من غرب الضفة الغربية) لتضمها إليها إنَّما تبلغ 760 كيلومترًا مربَّعًا.
وحتى يسهل على إسرائيل الحصول على موافقة الفلسطينيين على ضمِّ 12 في المئة من أرضهم في الضفة الغربية إليها لا بدَّ لمصر من أن تُغْرى بقبول التنازل عن 760 كيلومترًا مربَّعًا من أراضيها في سيناء (أي ما نسبته 1 في المئة من مساحة سيناء) للفلسطينيين في قطاع غزة.
وهذا التنازل الإقليمي المصري على شكل شريطين؛ فمصر تعطي قطاع غزة شريطًا ساحليًّا (أي على البحر المتوسط) طوله 24 كيلومترًا، ويمتد من رفح حتى العريش؛ وتعطيه، أيضًا، شريطًا برِّيًّا، أي من أراضي شرق سيناء. وهكذا يتوسَّع قطاع غزة (جغرافيًّا أو إفليميًّا) في جزء من شمال سيناء، وفي جزء من شرقها.
لقد أخذت إسرائيل من الفلسطينيين الجزء الذي تريد من أرضهم في الضفة الغربية، فأعطتهم مصر بدلًا منه، وما يعدله مساحة، من أراضيها في شمال وشرق سيناء؛ وعلى إسرائيل الآن أن تعوِّض مصر إقليميًّا، أي أن تتنازل لها عن نحو 760 كيلومترًا مربَّعًا من أراضيها في منطقة جنوب غرب النقب. وهكذا تتوسَّع سيناء شرقًا، فإنَّ أراضي إسرائيلية في منطقة جنوب غرب النقب تُضَمُّ إلى مصر.
وينبغي لهذا التعويض الإقليمي الإسرائيلي لمصر أن يتضمَّن إقامة “همزة وصل” خاضعة للسيادة المصرية بين مصر والأردن، فيصبح البلدان (مصر والأردن) متَّصِلين برًّا.
وللانتقال المباشِر بين الضفة الغربية وقطاع غزة يُبْقى على “المعبر الآمن”، الذي يجتاز أراضي إسرائيلية؛ ولكنَّ أهميته تقل.
إنَّ نحو مليون ونصف المليون فلسطيني يعيشون الآن في قطاع غزة، أي في هذا الشريط الساحلي الصغير والضيِّق والفقير اقتصاديًّا؛ وسيبلغ عدد سكَّانه سنة 2020 مليونين ونصف المليون.
والزراعة هي عماد الاقتصاد في هذا الشريط الساحلي الفقير مائيًّا، والذي لضآلة مساحته يصعب بناء ميناء صغير فيه.
وقطاع غزة هذا، أي الصغير في مساحته، والعظيم في كثافته السكَّانية، والفقير في اقتصاده وموارده المائية، والمتخلِّف في البنية التكنولوجية لاقتصاده، لا يمكن أن يصبح بالأهمية الاقتصادية لسنغافورة.
أمَّا “قطاع غزة الكبير”، أي الذي ضُمَّت إليه أراضٍ مصرية في سيناء، فيمكنه، وينبغي له، بحسب دراسات استراتيجية إسرائيلية، أن يتحوَّل إلى ما يشبه سنغافورة الشرق الأوسط من الوجهة الاقتصادية، ففيه سيقام مطار دولي، وميناء دولي كبير، يستفيد من اتساع حجم المياه الإقليمية للقطاع، وستبنى مدينة جديدة تتَّسِع لمليون شخص على الأقل، وربَّما يتوطَّن فيها قسم من اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون الآن في خارج فلسطين. وقد يُعْثَر فيه على الغاز الطبيعي.
وستمتد من “غزة الكبرى”، التي أصبحت مركزًا للتجارة الدولية في المنطقة، وعبر أراضٍ مصرية، شبكة من الطرقات الحديثة السريعة وسكَّة حديد (يوازيهما أنبوب للنفط يصِل ميناء غزة الدولي بالخليج العربي) وصولًا إلى الأردن، عبر الحدود البرِّية الجديدة بينه وبين مصر.
انتزاع إسرائيل لما نسبته 12 في المئة من أراضي الضفة الغربية بمحاذاة خطِّ الرابع من يونوي (حزيران) 1967، ليس بالأمر القابل للتحقيق إذا ما عُمِل بمبدأ “تبادل الأراضي”، أو “التبادل الإقليمي”، بصفة كونه جزءًا من “حلِّ الدولتين”، فهذه النسبة هي من الكِبَر، ومن الأهمية النوعية للأرض (الفلسطينية) التي تشملها، ما يجعل من الاستعصاء بمكان أن يقبلها المفاوِض الفلسطيني مهما أفرط في “المرونة” التفاوضية والسياسية.
وهذا الاستعصاء هو ما شدَّد الحاجة لدى إسرائيل إلى أن تكون مصر، بجزء من أراضيها في شبه جزيرة سيناء، طرفًا في “عملية التبادل الإقليمي”؛ وتوصُّلًا إلى ذلك لا بدَّ من إغراء القاهرة بالموافقة والقبول.
ولا شكَّ في أنَّ الإغراء الأوَّل والأهم هو أن يأتي التعويض الإقليمي الإسرائيلي لمصر (منحها أراضي من منطقة جنوب غرب النقب تعدل مساحةً الأراضي المصرية التي ضُمَّت إلى قطاع غزة) بما يجعل مصر متَّصِلة برًّا بالأردن، مع ما ينطوي عليه هذا الاتِّصال من مزايا استراتيجية للقاهرة.
وبفضل المطار الدولي والميناء الدولي الكبير في قطاع غزة “الكبير”، ومرور الطريق السريعة الحديثة وسكَّة الحديد وأنبوب النفط بأراضٍ مصرية، وصولًا إلى الأراضي الأردنية، سيزدهر الاقتصاد المصري كثيرًا، فازدهار التجارة الإقليمية والدولية في “سنغافورة” الشرق الأوسط سيعود بالنفع والفائدة على “الجمارك المصرية”.
والإغراء الثاني هو أنَّ مصر، التي تنازلت عن 1 في المئة من أراضيها في سيناء لـ“الشقيق الفلسطيني” في قطاع غزة، وأخذت، في المقابل “أرضًا إسرائيلية” تعدل مساحةً الأرض التي تنازلت عنها للفلسطينيين، يمكن أن تتمتَّع بسيادة أكبر على 99 في المئة من شبه جزيرة سيناء، فإسرائيل قد توافِق على تعديل وتغيير الملحق العسكري لمعاهدة السلام بما يسمح لمصر بمزيدٍ من السيطرة العسكرية والأمنية على أراضيها هناك، أي على 99 في المئة من سيناء.
والإغراء الثالث هو أنَّ العالم، وعبر البنك الدولي، سيساعد مصر، التي يتزايد عدد سكَّانها كثيرًا، والذين نصفهم يعتمد في عيشه على الزراعة، في تحقيق حلٍّ جذري لمشكلة تضاؤل مصادرها من المياه العذبة؛ ويقوم هذا الحل، الذي يتطلَّب استثمارات هائلة وتكنولوجيا متطوِّرة، على تحلية مياه البحر وتكرير المياه.
والإغراء الرابع هو حصول مصر على معونات ومساعدات دولية لبناء مفاعلات نووية من أجل إنتاج الطاقة الكهربائية.
في مقابل تلك المزايا، وغيرها، ينتاب القاهرة شعور بالخوف والقلق، فالمكانة التجارية الدولية لقناة السويس يمكن أن تتراجع كثيرًا. إنَّ معظم التجارة بين أوروبا وبين دول مجلس التعاون الخليجي والعراق يتحقق الآن بسفنٍ تعبر قناة السويس (أو بسفنٍ تضطر إلى المرور برأس الرجاء الصالح في جنوب القارة الإفريقية).
وهذه الحال ستتغيَّر بما يُفْقِد قناة السويس كثيرًا من أهميتها التجارية الدولية مع قيام “سنغاورة” الشرق الأوسط.
قطاع غزة “الكبير” يظلُّ من الوجهة الجغرافية معزولًا عن الضفة الغربية بأراضٍ إسرائيلية ومصرية وأردنية، فالمعبر الوحيد الذي من خلاله يتَّصل مباشَرةً بالضفة الغربية (والذي لن يكون بذي أهمية كبيرة من الوجهتين الاقتصادية والاستراتجية) هو “المعبر الآمن”، الذي يجتاز أراضي إسرائيلية، والذي هو نفسه لن يكون خاضعًا لسيادة الدولة الفلسطينية.
ومن الوجهة الاستراتيجية والاقتصادية والتجارية سيخضع قطاع غزة “الكبير” لمصر، فالطريق البرِّية السريعة والحديثة، وسكَّة الحديد، اللتان تصلانه بالأراضي الأردنية ستمرَّان بأراضٍ خاضعة للسيادة المصرية؛ وسيمرُّ بهذه الأراضي أيضًا أنبوب النفط المُمْتَد من منطقة الخليج العربي إلى ميناء غزة الدولي الكبير (على المتوسِّط). إنَّ هذا الأنبوب النفطي الاستراتيجي سيمرُّ أوَّلًا بالأراضي الأردنية، ثمَّ بأراضٍ خاضعة للسيادة المصرية.
وبفضل الاتِّصال البرِّي بين الأردن ومصر يصبح لدى الأردن، الذي ستستفيد “الجمارك” فيه هو أيضًا، منفذ (مجَّاني) على البحر المتوسِّط، هو ميناء غزة الدولي الكبير.
إنَّ “همزة الوصل” الأساسية والاستراتيجية بين الضفة الغربية “المُصغَّرة”، بسبب ضم إسرائيل 12 في المئة من مساحتها إليها، وبين قطاع غزة “الكبير”، أي بين شطري إقليم الدولة الفلسطينية، ستكون الأراضي الأردنية والأراضي المصرية.
ولكن، كيف يمكن أن تكون حال الحدود بين الضفة الغربية “المُصغَّرة” والأردن؟
إذا نجحت إسرائيل في أن تضمَّ إليها 12 في المئة من أراضي الضفة الغربية (والواقعة شرق “خطِّ الرابع من يونيو (حزيران) 1967”، أي “الخط الأخضر”) فإنَّها يمكن أن تصبح “أكثر مرونة” في مسألتين: مسألة جَعْل الضفة الغربية “المُصغَّرة” منطقة متَّصِلة متَّحدة جغرافيًّا، ومسألة إنهاء وجودها العسكري والأمني والاستيطاني في الجانب الفلسطيني من غور الأردن، وإنهاء سيطرتها، من ثمَّ، على الجانب الفلسطيني من الجسور والمنافذ البرِّية بين الضفة الغربية والأردن.
على أنَّ هذه “المرونة” الإسرائيلية لا تعني تخلِّي إسرائيل عن مطلبها أن تكون الضفة الغربية “المُصغَّرة”، والجانب الفلسطيني من غور الأردن على وجه الخصوص، في حالٍ أمنية وعسكرية (استراتيجية) تجعلها مطمئنة تمامًا إلى أنَّ أمنها القومي والاستراتيجي سيبقى في الحفظ والصون.
وتذليلًا لعقبة كبيرة من طريق “إقناع” الفلسطينيين بالتنازل عن 12 في المئة من الضفة الغربية لإسرائيل، يمكن أن تجنح الدولة العبرية لشيء من “المرونة التفاوضية” في شأن حل مشكلة القدس الشرقية، بما يسمح للفلسطينيين بإقامة عاصمة لدولتهم، فيها شيء من “رائحة” القدس الشرقية، ومن معانيها الجغرافية والديمغرافية، وبما يجعلهم مطمئنين إلى أنَّ الأماكن الإسلامية (والمسيحية) المقدَّسة أصبحت بمنأى عن كل تأثير إسرائيلي أو يهودي لا يرضون عنه، لأسباب دينية وغير دينية.
وعملًا بمبدأ “لا حلَّ (ولو جزئيًّا) لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين في داخل إقليم دولة إسرائيل”، تريد الدولة العبرية لقطاع غزة “الكبير” وللضفة الغربية “المُصغَّرة” أن يكونا المكان الذي إليه يُنْقَل (وفيه يوطَّن) قسم من اللاجئين الفلسطينيين؛ كما تريد للدولة الفلسطينية أن تكون في علاقة (اتِّحادية) مع الأردن تسمح بحلِّ جزء كبير من مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في أراضيه.
وقيام قطاع غزة “الكبير”، على هذا النحو، قد يكون جزءًا من حلٍّ نهائي، قوامه تأسيس “دولة اتِّحادية” من ثلاث ولايات (على غرار ولايات الولايات المتحدة) هي “ولاية شرق الأردن” و“ولاية الضفة الغربية المُصغَّرة” و“ولاية قطاع غزة الكبير”.
وعملًا بمبدأ “يهودية دولة إسرائيل”، لن تتخلَّى إسرائيل عن سعيها إلى جَعْل “عرب إسرائيل” أقلية متضائلة في استمرار لجهة صلتهم التمثيلية (البرلمانية) بالكنيست؛ وربَّما يكون الإغراء الإسرائيلي للفلسطينيين (ودولتهم) هو استحداث قوانين إسرائيلية يتمكَّن بفضلها جزء كبير من الفلسطينيين (مِمَّن ليسوا بمواطنين إسرائيليين) من العمل والتملُّك والإقامة ضِمْن إقليم دولة إسرائيل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2177934

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2177934 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40