الاثنين 12 آب (أغسطس) 2013

سحب الأرض من تحت أقدام المفاوضين

الاثنين 12 آب (أغسطس) 2013 par محمود الريماوي

أقرت حكومة الاحتلال الأسبوع الماضي بناء مئات الوحدات الاستيطانية الجديدة في الضفة الغربية المحتلة، بعيداً عما يسمى الكتل الاستيطانية الكبيرة وهذه بمنزلة مدن استيطانية . الوحدات الجديدة تقام معظمها في منطقة رام الله وفي الأغوار على الحدود مع الأردن، وتتركز على التلال وتعزز البؤر القائمة، بما يمثل - إضافة الى مصادرة الأرض- تطويقاً لمدينة رام الله عاصمة السلطة الفلسطينية، وسيطرة على الحدود .

وإذ يترافق هذا الإعلان هذه المرة مع قرب استئناف التفاوض، فذلك يدلل مجدداً على أن الاستيطان هو من ثوابت السياسة الصهيونية لدى الأحزاب الرئيسة، سواء توقفت المفاوضات أم استؤنفت، وفي حال معاودة التفاوض فإن أية حلول مفترضة قد يتم التوصل اليها، ينبغي أن تتكيف مع الواقع الاستيطاني، وهو واقع يتعلق ببنية فوقية وتحتية وإحلال بشري شبه عسكري تحرسه مواقع عسكرية، وكل منهما “يبرر” وجود الآخر . وفي المنظور الصهيوني فإن أي تبادل للأراضي يجب أن يقترن بتبادل بشري يجيز بقاء المستوطنين، وذلك مقابل ترحيل عرب 1948 الى الضفة الغربية، وهو ما يضمن عملياً يهودية الدولة العبرية . وفي جميع الأحوال فإن وجود المستوطنات والمستوطنين يمزق الوحدة الجغرافية والديمغرافية للضفة الغربية، ويمثل اختراقاً جسيماً للكيان الفلسطيني .

الناطق باسم السلطة نبيل أبو ردينة وصف هذا الإعلان بأنه “تهرب من استحقاق السلام، وأن الاستيطان غير شرعي ولن تبقى مستوطنة واحدة في أرض الدولة الفلسطينية” . وهو تعقيب يكاد لا يختلف بشيء عن تصريحات دولية محدودة صدرت بعد هذا الإعلان ومنها تصريح لوزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الستير بيرت الذي عدّ المستوطنات “غير قانونية بموجب القانون الدولي، وتقوّض الثقة مع الفلسطينيين، وتهدد قابلية حل الدولتين”، داعياً السلطات الصهيونية إلى “وقف هذه القرارات” .

وبينما لا يقترن الموقف الفلسطيني باتخاذ أي إجراء، فقد لوحظ أن الموقف الأوروبي وضع هذا الأسبوع شروطاً على “تل أبيب”، قبل توقيع أي اتفاق معها بخصوص برنامج مساعدات في مجال البحث العلمي، وتنص شروط الاتحاد الأوروبي الجديدة على أن أي اتفاق شراكة مع “إسرائيل”، لابد أن يشير بوضوح إلى أنه لا يشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وهي الأراضي التي تم الاستيلاء عليها في حرب 1967 . البرنامج يوفر عشرات الملايين من اليورو لمن يوقع هذا الاتفاق . وقد ذكر مسؤول صهيوني بهذا الخصوص هو نائب وزير الخارجية زيف الكين بأن حكومته تفضل خسارة الملايين على القبول بهذه الشروط .

يسترعي الانتباه أن السلطة الفلسطينية تظل بعيدة عن هذا السجال الجوهري الذي يتعلق بمصير الأراضي المحتلة، رغم أن الانضمام الى هذا السجال هو في صميم النضال السياسي والدبلوماسي الذي تقول السلطة إنها تتفرغ له بديلاً عن الكفاح المسلح .

يوم الجمعة الماضي 9 أغسطس/آب الجاري نقل موقع بي بي سي قول مراسلين له “إن الاتحاد الأوروبي لا يعتزم التراجع عن شروطه إزاء مشاركة “إسرائيل” في برنامج المساعدات، لكنه لا يريد أن يدخل في مواجهة مع “إسرائيل” أيضاً، تزامنا مع دخولها في مفاوضات السلام مع الفلسطينيين” .

كان وما زال حريّاً بهذا التزامن أن يحمل الجانب الفلسطيني باعتباره الطرف المعني مباشرةً على خوض هذه المواجهة، بتأييد الموقف الأوروبي تأييداً حازماً، والانتقال من ذلك الى اتخاذ اجراء يقضي بالدرجة الأولى بتعليق المشاركة في التفاوض رداً على إعلان التوسع الاستيطاني الجديد . اجراء من هذا القبيل من شأنه أن يتسبب بصدمة ايجابية، ويفتح عيون العالم مجددا على خطورة الاستيطان غير الشرعي، ويضع هذه القضية في دائرة الاهتمام، بل يذهب المرء أبعد من ذلك إذ إن اتخاذ موقف كهذا لن يلحق الضرر بالمفاوضات الغالية على قلب قيادة السلطة، بل إنه يمنح هذه المفاوضات بعضاً من المعنى والصدقية في حال استئنافها، وبعد توجيه ضغط دولي جدي على المشاريع الاستيطانية .

من المقرر ان يستأنف التفاوض بعد غد الأربعاء 14 أغسطس آب على وقع الشروع في بناء مزيد من المستوطنات . هل يهيئ الجانب الفلسطيني خطبة عصماء ضد الاستيطان تتم تلاوتها في افتتاح الجلسات الأولى؟ لنعترف أن الجانب الصهيوني قد اعتاد على الخطابات الفلسطينية والعربية، كما “اعتدنا” نحن على الاستيطان وعلى المزيد منه . وبموازة ذلك فإن الخبرة الفلسطينية في التفاوض والتي تعود لأكثر من عقدين تكاد تكون خبرة تقنية محضاً، وينقصها أمر أساسي، ليس هو بالضرورة استعادة ميزان القوى، وذلك نظراً للفرق الشاسع غير القابل للردم في الأفق المنظور بين القوى الذاتية الفلسطينية والصهيونية، بل هو الإدراك السياسي اليقظ بأن التفاوض لا يتم حول مائدة التفاوض فقط، بل غالباً ما يتم بعيداً عن الغرف المغلقة، وهو ما يفعله بالضبط المحتل الصهيوني بإعلانه عن المزيد من التوسع الاستيطاني وسحب الأرض من تحت أقدام الطرف الآخر، وكان حرياً بالجانب الفلسطيني أن يخوض معركة سياسية ضد الاستيطان خارج مائدة التفاوض وقبل التئام الجلسات، إذا أراد أن لا تكون هذه المناسبة مجرد تبديد لمزيد من الوقت الثمين .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2165950

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165950 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010