الاثنين 12 آب (أغسطس) 2013

حتى لا تكرّر« النهضة» أخطاء« الإخوان»

الاثنين 12 آب (أغسطس) 2013 par د. عبد الاله بلقزيز

لعلّ في تجربة “الإخوان المسلمين” المصريين في السلطة، والأخطاء الفادحة التي أخرجتهم منها سريعاً، بعضاً من الدروس التي يحسُن بحركة “النهضة” التونسية أن تتعلّم منها وتَتعِظ، حتى لا يأخذها الإمعان في تجاهلها إلى المصير عينه الذي آلت إليه الحركة الأمّ . وأول تلك الدروس، وأهمها جميعاً، عدم تجاهل الإرادة الشعبية، أو تحديها باستعلاء، واحتقار المعارضة، وصم الآذان عن مطالبها، والتشرنق على الذات، واختصار الشعب إلى الجمهور المحازِب والمناصر . . . إلخ؛ ففي تجاهل إرادة الشعب انتحار سياسي ليس خليقاً بعاقل أن يأتيه بحساب غير حصيف للأمور .

لا نبغي، هنا، أن نستعمل لغة “الفَنْقَلَة” (=قالوا . . . فنقول)، ولكن لا بأس من قليل - اضطراري - منها: إنْ قال قائلهم إن “النهضة” تحكم تونس بمقتضى الإرادة الشعبية المعبر عنها في صناديق الاقتراع، نقول - بل نكرر للمرة الألف - إن الإرادة الشعبية لا تعبر عن نفسها في يوم واحد، هو يوم الاقتراع، وفي لحظة وجيزة واحدة، هي لحظة التصويت، وإنما هي تعبر عن نفسها في كل يوم، وفي كل لحظة . وإذا هي سُدت في وجهها أقنية التعبير المؤسسية، تفصح عن نفسها في الشارع: في المظاهرات، والاعتصامات، والعرائض . . .إلخ، فكيف إذا اصطفت خلفها الأحزاب، والنقابات، والمجتمع الثقافي، والإعلام . . .، مثلما يحدث في تونس؛ منذ اغتيال الشهيد شكري بلعيد، وخاصة منذ اغتيال الشهيد البراهمي؟

التحجج بالإرادة الشعبية لمواجهة الإرادة الشعبية فعلُ سياسيُ ممجوج، لأنه من قبيل الحق الذي يُراد به باطل، ناهيك عن أنه لن يوقف حركة الاحتجاجات العارمة المتنامية، ولن تقوى به حجة الماسكين بأِزمة الأمور رغماً عن إرادة الناس! وإلى ذلك فإنه يَسُد أمام الطاقم الحاكم أبواباً كان يمكن أن يفتحها التنازل أمام الإرادة الشعبية، والجنوح للحوار والتفاهم والتسوية . وذلك ما حصل لنظام محمد مرسي، الذي أضاع على نفسه فرصاً كثيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، في وضعه المتهالك، لتأخذ الأزمة في البلاد مجرى آخر مختلفاً عن التصريف التوافقي .

رب قائلٍ إن “حركة النهضة” تجنبت، منذ اليوم الأول، السقوط في المطب المصري، فدخلت رحاب السلطة في نطاق ائتلاف جمعها إلى جانب حزبين علمانيين (حزب السيد منصف المرزوقي الجمهوري، وحزب السيد مصطفى بن جعفر: “التكتل الديمقراطي من أجل الحريات والعمل”)، وأعفت نفسها من النظر إليها بما نُظِر به إلى “الإخوان” ونظامهم في مصر؛ أي كحركة تحتكر السلطة وتقصي منها الشركاء في الثورة باسم الشرعية الدستورية وحاكمية صناديق الاقتراع . ولنا على هذه الرواية ملاحظتان:

أولاهما أن “النهضة” لم تجنح للشراكة مع الحزبين، المومأ إليهما، بالرغبة والتلقاء، ومن منطلق الوعي بأحكام الثورة والحرص على إشراك قواها في إدارة شؤون البلاد، في المرحلة التأسيسية، وإنما اقتضت الظروف وموازين القوى ذلك؛ فهي ما حصلت على الغالبية المطلقة، في انتخابات “المجلس التأسيسي”، التي تخولها الحقّ في تشكيل حكومةٍ “نهضوية” منسجمة، مثلما سيفعل “الإخوان” وحلفاؤهم السلفيون، الذين توفرت لهم تلك الغالبية، في مصر . وما كان أمامها، لهذا السبب، سوى البحث عن حليف لتكوين تلك الغالبية، وتشكيل حكومة، علماً أن هذا الحليف لا يمكن، في الحالة التونسية تلك، إلا أن يكون من خارج الحركة الإسلامية، لأن سلفيي تونس لم يشاركوا في الانتخابات كما فعل سلفيو مصر .

وثانيهما أن حليفي “النهضة” في السلطة لا يمثلان قوى الثورة في تونس، ولا يمكن اختزال هذه فيهما . وهذا يعني أن التحالف معهما لم يكن يبتغي غير تشكيل غالبية نيابية تتكوّن بها حكومة، وليس ترجمة فكرة الشراكة في الثورة شراكة في السلطة .

إن خطأ “النهضة”، كما خطأ “الإخوان” في مصر، هو استعجال حيازة السلطة قبل بناء التوافقات السياسية الجمعية التي يقوم عليها النظام السياسي الجديد بعد الثورة . كان الفريقان، معاً، في عجلة من أمرهما لممارسة السلطة قبل الاتفاق مع “الشركاء” على أي شيء، والاختفاء وراء مقولة “الشرعية الانتخابية”، من دون الانتباه إلى أن المراحل الانتقالية تحكم بالتوافق والمشتركات ، قصد إرساء القواعد المتوافق عليها لبناء النظام السياسي، ولا تحكم بمنطق الغالبية والأقلية الملائم للنظام السياسي المتفق عليه . وهكذا، فالخلافات التي كان ينبغي تبديدها بالحوار الوطني والتوافق، ظلت قائمة من دون حل، وظلت تفعل فعلها في النسيج السياسي والاجتماعي، مع الجنوح سريعاً للانتخابات والسلطة . وما لم يحل في إبانه عاد للضغط على الحياة السياسية في البلدين، وزاد من حدّته أن شيئاً من المنجزات أو المطالب الاجتماعية للشعب لم يتحقق في ظل حكم النخبتين الإسلاميتين .

مع ذلك، يسع حركة “النهضة”، في الهزيع الأخير من المهلة التي مُنِحَتْها، أن تعيد النظر في سياسة المكابرة، فتتجاوب مع مطالب الشعب في تشكيل حكومة إنقاذ وطني، وإعادة النظر في طريقة إخراج الدستور . وقد يكون اقتراح راشد الغنوشي الاستفتاء على المرحلة الانتقالية أول الطريق إلى ذلك . (بعد تطوير الفكرة والتوافق عليها)، خاصة أن قرار شريكه في السلطة، مصطفى بن جعفر، تعليق عمل المجلس التأسيسي، لم يترك له مساحة مناورة، وفرض على “النهضة” الموافقة على مضض، على القرار .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2181998

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

68 من الزوار الآن

2181998 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 69


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40