الجمعة 9 آب (أغسطس) 2013

تونس والحقيقة الجديدة

الجمعة 9 آب (أغسطس) 2013 par مفتاح شعيب

هناك سؤال لا يمل التونسيون من طرحه هذه الأيام وهم يرون بلادهم منقسمة ومهددة بأكثر من خطر، وهو لماذا تحولت تونس الجميلة المعتدلة المتسامحة المتعلمة إلى ساحة صراع مفتوحة على التطرف والإرهاب والتخلف والانقسام؟

من بين أجوبة كثيرة، تتفق الأغلبية الساحقة على أن الواقع السياسي، الذي ظهر بعد 14 يناير/ كانون الثاني ،2011 هو السبب في كل هذا التدهور غير المبرر . وتبين بعد عامين ونصف العام أن الحراك، الذي يجري الترويج له على أنه “ديمقراطية” ونموذج ثوري لا مثيل له، قد بولغ في مدحه والتغني بمزاياه، وما عدا المدح والتغني لم تقدم النخبة السياسية لشعبها أكثر من ذلك، بينما الأوضاع تتدهور على الصعد كافة وتقف عل شفا مجهول سمع عنه التونسيون في أقطار أخرى ولم يعيشوه . فمن كان يتصور أن تصبح تونس يوما ساحة إرهاب وتفجيرات واغتيال وسحل وترفع في سمائها رايات الفتنة والتكفير؟ . ومن كان يظن أن يتحول الشعب، الذي صهرته الحضارات المتعاقبة كتلة واحدة متجانسة غير قابلة للتقسيم، إلى طوائف ومذاهب سياسية ودينية تسقط على تلك البلاد إسقاطاً يثير الحيرة؟

حاليا وفي ظل الأزمة الخانقة التي يعيشها الجميع، بدت تونس منقسمة إلى “طائفتين” واحدة تقودها حركة النهضة الإسلامية والثانية تجتمع تحت جبهة المعارضة، أحزابا ونقابات ومنظمات للمجتمع المدني . وكل من “الطائفتين” تقول إنها هي تونس، أما التونسيون فهم منقسمون وخائفون على حاضر البلاد ومستقبلها وليس على مشهد سياسي عمره أقصر مما يتصور كثيرون . وضمن مظاهر الاستقطاب عاد الحديث عن “المليونيات”، فجمعت “النهضة” عشرات الآلاف من أنصارها قرب مقر الحكومة في استعراض للقوة وإرضاء للغرور، حتى إن زعيمها راشد الغنوشي رحل به الخيال ليشبه حشد حركته ب “فتح مكة”، وجل المشبه به عن المشبه، ومع أن خطابه بين أنصاره أظهر توازنا ورغبة في التهدئة، أوغل قياديون آخرون تلك الليلة في خطاب مفارق للواقع وبدوا كأنهم انتصروا على “عدو مبين” . ولكن كل تلك المشاعر سرعان ما تراجعت حين جمعت المعارضة حشدا لم يَقِلّ شأنا عن الأول في “اعتصام الرحيل” أمام مقر المجلس التأسيسي المعلق . ولتخرج بعد ذلك دعوات للحوار والتفاوض على كل شيء، ولتتوالى المبادرات، وأطرفها واحدة تتحدث عن اقتسام السلطة بين الحكومة المؤقتة والمعارضة لمدة عشر سنوات، بعد أن كان المتفق عليه ألا تطول الفترة الانتقالية الحالية عاما واحدا انقضى منذ تسعة أشهر .

الاحتكام إلى الشارع قد يكون موقفا ضروريا ليعرف كل حزب حجمه ويعرف الشعب ميزان القوة . وما وصلت إليه تونس اليوم يؤكد أن نظرية المغالبة والاحتكار قد سقطت ولا مفر بعدها من التعايش من أجل الجميع ولمصلحة الجميع، ومن يرى أنه وحيد الشعب، فمن الممكن أن تشرق عليه شمس يوم من الأيام ليكتشف أن كل شيء تغير وأصبح حقيقة أخرى .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 30 / 2177817

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2177817 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40