الجمعة 9 آب (أغسطس) 2013

ما يستحق التوبيخ أمريكياً

الجمعة 9 آب (أغسطس) 2013 par مأمون كيوان

رحلت عن الحياة عميدة صحافيي البيت الأبيض هيلين توماس ذات الأصول اللبنانية والتي غطت أخبار البيت الأبيض لنحو خمسة عقود، عن عمر يناهز 92 عاماً، وتابعت أخبار نحو عشرة رؤساء أمريكيين ابتداء من الراحل جون كينيدي .

وكانت توماس بدأت مشوارها الصحفي موظفة طباعة في جريدة “واشنطن ديلي نيوز”، ثم عملت لعقود لوكالة يونايتد برس انترناشونال، ثم أصبحت كاتبة عمود في سلسلة صحف “هيرست” . وتعد توماس من رائدات العمل الصحافي في العالم، حيث كانت أول امرأة عضو في نادي الصحافة القومي، وأول امرأة عضو ورئيسة لجمعية مراسلي البيت الأبيض، وأول امرأة عضو في “نادي غريديرون”، وهو أقدم وأهم ناد للصحافيين في العاصمة الأمريكية .

وألفت هيلين توماس أربعة كتب كان آخرها “كلاب حراسة الديمقراطية” الذي انتقدت فيه دور وسائل وشبكات الإعلام الأمريكية في فترة رئاسة جورج بوش، حيث وصفت وسائل الإعلام الكبرى بأنها تحولت من “سلطة رابعة” وكلاب تحرس الديمقراطية إلى “كلاب أليفة” .

وقال الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون إن توماس هي السيدة الأولى للصحافة الأمريكية، حيث عرف وجهها من الوجود الدائم في الصف الأول في مؤتمرات البيت الأبيض، إضافة إلى أسئلتها اللاذعة .

ومنذ عهد الرئيس كيندي أصبحت هيلين توماس هي من يطرح السؤال الأول على الرئيس لأنها عميدة المراسلين، وهي من ينهي اللقاء بالقول: “شكراً السيد الرئيس” Thank you, Mr . President لكن بوش الابن حرمها ذلك الامتياز .

الأمر المهم هو أن هيلين توماس عرفت بانتقادها للاحتلال “الإسرائيلي”، وكانت قد اضطرت للاستقالة في 8 يونيو/ حزيران 2010 من وظيفتها بعد أن سجل لها حديث أدلت به خارج البيت الأبيض قالت فيه “إن على “الإسرائيليين” أن يخرجوا من فلسطين ويعودوا إلى ديارهم . وهؤلاء الناس محتلون وعليهم أن يرجعوا إلى ألمانيا أو بولندا . . .” .

وحينها، اعتبر المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت غيبس تصريحاتها “عدائية وغير مسؤولة، وتستدعي التوبيخ” وطالبها بالاعتذار، فاعتذرت وتقاعدت بعد مسيرة مهنية حافلة امتدت ستة عقود، غطت خلالها أنباء عشرة من رؤساء الولايات المتحدة .

بالمقابل، لم يستحق هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، الذي بلغ التسعين هذا العام؛ أي توبيخ، وهو صاحب لائحة طويلة من التوجهات السياسية الداعمة ل”إسرائيل” منها:

نصح الدولة العبرية بسحق الانتفاضة الأولى، “على نحو وحشيّ وشامل وخاطف”، وهذه كلمات كيسنجر الحرفية التي سرّبها جوليوس بيرمان، الرئيس الأسبق للمنظمات اليهودية الأمريكية .

توبيخ فريق رئيس الوزراء “الإسرائيلي” الأسبق إسحق رابين، لأنّ ما تعاقدوا عليه مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في أوسلو، ثمّ في البيت الأبيض، ليس سوى “آلية متحرّكة ستفضي عاجلاً أم آجلاً إلى دولة فلسطينية” .

مواقفه من الربيع العربي، الذي حسب زعمه “يُقدّم كثورة إقليمية يقودها الشباب بالنيابة عن المبادئ الليبرالية الديمقراطية، في حين أنه انتهى إلى النقيض” .

التوبيخ الذي استحقته هيلين توماس على اكتشاف جوهر الصراع في الشرق الأوسط، يقابله غض طرف فاضح عن تفوهات وتحليلات هنري كيسنجر، عن مآلات الملفّ السوري، خلال ندوة شهدتها نيويورك مؤخراً، ونظمتها “مدرسة جيرالد فورد للسياسة العامة”، التابعة لجامعة ميشيغان . مفادها التالي: “هنالك ثلاث نتائج ممكنة: انتصار للأسد . انتصار للسنّة . أو نتيجة تنطوي على قبول مختلف القوميات بالتعايش معاً، ولكن في مناطق مستقلة ذاتياً على نحو أو آخر، بحيث لا يقمع بعضها بعضاً” .

وزعم كيسنجر أن “سوريا، أوّلاً، ليست دولة تاريخية . لقد خُلقت، في هيئتها الراهنة، سنة ،1920 وأُعطيت هذه الهيئة بغرض تسهيل سيطرة فرنسا على البلد، وكان ذلك قبل انتداب الأمم المتحدة . العراق، البلد الجار، أُعطي بدوره هيئة عجيبة، لتسهيل سيطرة إنجلترا . وهيئتا البلدين صُمّمتا على نحو يجعل من الصعب على أيّ منهما أن يسيطر على المنطقة” . والسؤال المطروح على كيسنجر هو هل “إسرائيل” دولة تاريخية؟

الجدير ذكره، أنه في سنة ،2009 وبعد عدد من السِيَر غير الرسمية، صدرت سيرة كيسنجر الرسمية التي حملت عنوان “كيسنجر: 1973” وقد اعتبر ألستير هورن، كاتب السيرة كيسنجر مجرم حرب ولم يتورّع عن تعداد جرائم كيسنجر، رغم أنه يجد لبعضها مبررات ذرائعية ناجمة عن اعتناق صيغة قصوى من مذهب الواقعية السياسية: قصف فيتنام وكمبوديا؛ الدعم السرّي للانقلاب العسكري على حكومة الرئيس التشيلي سلفادور ألليندي الشرعية، واغتياله؛ تقديم دعم مماثل إلى عدد من الأنظمة اليمينية والرجعية والدكتاتورية، هنا وهناك في العالم؛ التورّط الواضح، رغم تمويه الأدلة جيداً، في أعمال الاغتيال والاختطاف التي عُرفت باسم “عملية الكوندور”؛ منح الضوء الأخضر للدكتاتور الإندونيسي سوهارتو لغزو تيمور الشرقية، وتزويده بالأسلحة والعتاد، حيث سقط ما يقارب 200 ألف ضحية .

ثمة شخصيات أمريكية أخرى تتراوح صورها بين هيلين توماس وهنري كيسنجر، لكن بيت القصيد لا يتمثل في توجيه التوبيخ وطلب الاعتذار، بل تكمن المسألة الرئيسة في ضرورة اعتراف القادة والنخب الأمريكية بخطاياهم بحق البشرية والعرب وعلى نحو خاص بحق الفلسطينيين .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165692

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165692 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010