الخميس 1 آب (أغسطس) 2013

مزيد من التنازل والتفريط

الخميس 1 آب (أغسطس) 2013 par أسامة عبد الرحمن

كلما قدم الفلسطينيون والعرب تنازلاً، زاد الكيان الصهيوني صلفاً وازدادت شروطه وإملاءاته . وكان اتفاق أوسلو منعطفاً قدم فيه الفلسطينيون تنازلات كثيرة، وتم إلغاء بنود الميثاق الوطني التي لا تعترف بالكيان الصهيوني . وهكذا تم الاعتراف بالكيان الصهيوني من دون اعترافه بدولة فلسطينية، أو حتى إمكانية قيام دولة فلسطينية . والتزمت السلطة الفلسطينية المنبثقة من اتفاق أوسلو بكل استحقاقات الاتفاق بما في ذلك التنسيق الأمني الذي تتولى فيه حماية الاحتلال الذي يعيث فساداً في الأرض وينتهك الحقوق الفلسطينية، في وقت لا ينفذ فيه الكيان الصهيوني أياً من التزاماته ويواصل فيه بناء المستعمرات الصهيونية على الأرض الفلسطينية ويلتهم المزيد منها في وقت يقدم الفلسطينيون التنازلات في محاولة للقضاء على فكرة الدولة الفلسطينية وترسيخ مشروعه الاستعماري العنصري وتهويد القدس وجعلها عاصمة للشعب اليهودي، وهو جوهر مشروعه الاحتلالي . لقد دخلت السلطة الفلسطينية في مفاوضات مع الكيان الصهيوني لسنوات طويلة، ودار الطرفان الصهيوني والفلسطيني في ردهاتها العبثية من دون التوصل إلى أي محصلة، ووصل الأمر بالسلطة الفلسطينية في فبراير 2012 إلى اتخاذ موقف يقضي بتقييم الوضع مع الكيان الصهيوني في ظل انسداد الأفق في عملية السلام واستمرار الاستيطان، ومن تلك الإجراءات التخلي عن استحقاقات أوسلو وما انبثق منها أو ألحق بها من اتفاقيات بما في ذلك التنسيق الأمني . ولكن شيئاً من ذلك لم يتم .

ورغم أن الولايات المتحدة الأمريكية، في ولاية أوباما الأولى، حاولت إقناع الكيان الصهيوني بتجميد جزئي ومؤقت للاستيطان لقاء حوافز مغرية في سبيل إحياء مفاوضات السلام بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني، فإن الكيان رفض تلك الحوافز وأصر على مواصلة سياسته في بناء المستعمرات على الأرض الفلسطينية .

وجاءت ولاية أوباما الثانية، وقام بزيارة للمنطقة بهدف إحياء المفاوضات من دون وجود تصور مؤكد لديه على مبدأ حل الدولتين، حيث جاء للاستماع من كلا الطرفين لما يجب فعله لإحياء مفاوضات السلام، مؤكداً في ذات الوقت للكيان الصهيوني يهودية الدولة، وأن تكون المفاوضات من دون شروط مسبقة، ومكرراً التزام الولايات المتحدة الأمريكية بأمن الكيان الصهيوني، وأن أي سلام لا بد أن يأخذ في الاعتبار الدواعي الأمنية الصهيونية .

وبدأ وزير الخارجية الأمريكية جون كيري، مهمته في الإعداد لمحاولة إحياء المفاوضات مركزاً في البداية على أهمية بناء الثقة وإنعاش الاقتصاد في الضفة الغربية على أساس أن مثل هذه الإجراءات تهيئ الأجواء لانطلاق مفاوضات بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني، وأطلق كيري تحذيراً بأن فكرة حل الدولتين ستكون ميتة خلال سنتين لحث الخطى خلال هذه الفترة لإنجاز السلام من خلال المفاوضات من دون إشارة إلى أن الاستيطان المتواصل هو الذي يقضي فعلاً على فكرة الدولة الفلسطينية، ويقضي بالطبع على فكرة حل الدولتين . وجاء لقاء وزير الخارجية الأمريكية مع وفد الجامعة العربية في واشنطن في إبريل 2013 ليمثل نقطة جديدة في تصور كيري لانطلاق المفاوضات، خصوصاً أن وفد الجامعة العربية، طرح فكرة تبادل الأراضي في إطار حل الدولتين وفي حدود ،1967 الأمر الذي لاقى ترحيباً أمريكياً وصهيونياً، رغم أن رئيس حكومة العدو قلل من شأنه معتبراً أن المشكلة مع الفلسطينيين ليست مشكلة أرض وإنما هي الاعتراف بيهودية الدولة . وفي نظر مراقبين، فإن هذا الطرح مثل تنازلاً غير مسبوق مقابل صلف صهيوني، ووضعاً لم يقدم فيه الكيان الصهيوني، أي تنازل حقيقي . ورأى فيه البعض اعترافاً عربياً بالكيان الصهيوني، وتعديلاً لمبادرة السلام العربية، خصوصاً أن كيري دعا الأقطار العربية إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني من دون أن يطلب من الكيان الانسحاب من الأراضي العربية الذي هو الشق الأساسي في المعادلة التي تضمنتها مبادرة السلام العربية .

إن مثل هذا الطرح يشكل تنازلاً عربياً مقابل صلف صهيوني يزداد غلواً كلما كان هناك تنازل فلسطيني أو عربي، رغم أن العبر كثيرة في سجل التعامل مع الكيان الصهيوني، وكان الأحرى استخلاص الدروس من هذه العبر .

إن رئيس حكومة العدو الصهيوني، يعلنها صراحة أنه ضد مرجعية حدود عام ،1967 وأن المفاوضات يجب أن تبدأ من دون شروط مسبقة، بمعنى عدم اشتراط وقف الاستيطان، وأن على الفلسطينيين أن يعترفوا بيهودية الدولة وبالقدس عاصمة موحدة للشعب اليهودي، وهذا يوضح بجلاء أن الكيان الصهيوني، يزيد من إملاءاته وشروطه في وقت يتنازل فيه الفلسطينيون ولحقهم العرب أخيراً، لكي يزداد صلف الكيان الصهيوني الحريص على التهام الأرض الفلسطينية والحقوق الفلسطينية وغير الحريص أبداً على السلام . وقبول الفلسطينيين الدخول في مفاوضات مع الكيان الصهيوني وفق خطة كيري من دون ضمانات مكتوبة بمرجعية حدود ،1967 وكذلك وقف الاستيطان، يعد تنازلاً يخل بالقضية الفلسطينية برمتها .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2165248

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165248 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010