الأحد 27 حزيران (يونيو) 2010

عندما تطلب «إسرائيل» تفويضاً بالحرب

الأحد 27 حزيران (يونيو) 2010 par جلال عارف

عندما تحدّث الثعلب العجوز شيمون بيريز رئيس الكيان الصهيوني عن خطر العزلة الدولية التي تتعرّض لها «إسرائيل»، والآثار العميقة لفقدانها للشرعية القانونية والأخلاقية وما يترتّب على ذلك سياسياً واقتصادياً لم يكن يمارس دور الوعظ والإرشاد، بل كان يدرك حجم المأزق الذي تمرّ به «إسرائيل»، ويدرك أكثر ما يمكن أن تكون عليه ردود فعل الحكومة اليمينية التي يقودها نتانياهو في مواجهة الإدانة العالمية التي تحاصرها. والتي يمكن أن تقود إلى كارثة إذا استمرّت على عنادها ورفضها لكلّ جهود السلام وإغلاقها لكلّ الأبواب التي يمكن أن تؤدّي إلى تسوية سياسية راهنت عليها الإدارة الأميركية وأعلن الرئيس الأميركي أنها تمثّل مصلحة أميركية بقدر ما تمثّل مصلحة لـ«إسرائيل» نفسها.

ولا بدّ أن الثعلب «الإسرائيلي» العجوز قد فهم ما فهمه أيضاً وزير الدفاع باراك الذي يتولّى بالذات ملفّ العلاقات مع إدارة أوباما التي تستعدّ لاستقبال نتانياهو بعد أيّام والتي تريد موقفاً يثبت صحّة المبرّرات التي ساقتها وهي تسبغ الحماية على «إسرائيل» وتمنع معاقبتها على الجرائم التي ترتكبها وآخرها جريمتها ضدّ «قافلة الحرّية» بداعي أنها تبقي على فرص السلام وتترك الباب مفتوحاً أمام محاولة الوصول إلى تسوية سياسية للصراع العربي «الإسرائيلي».

وبالتالي فالإدارة الأميركية تنتظر إجابات من نتانياهو في زيارته المرتقبة لا تتوقف فقط عند الأزمة الأخيرة والحصار على غزة، بل تحسم مصير المفاوضات مع السلطة الفلسطينية وتعطي مؤشّرات واضحة ومقبولة في القضايا الأساسية وخاصة حدود الدولة الفلسطينية الموعودة وإيقاف الاستيطان بعد المهلة التي تنتهي في سبتمبر.

ولا شكّ أن شيمون بيريز أدرك ما أدركه باراك من أن خطط الإدارة الأميركية من ناحية، ومصلحة «إسرائيل» من ناحية أخرى، تقتضي تغييراً حكومياً تدخل فيه «كاديما» على حساب ليبرمان وبعض الأحزاب اليمينية المتشددة.

وكان من الطبيعي أن يسلّح نتانياهو نفسه ببعض مواقف اليمين الرافضة لهذا المنهج حتى يستقوي بها في مباحثاته بأميركا. ولكن ما حدث يتجاوز ذلك إلى قلب الطاولة في وجه الجميع وفي مقدّمتهم الإدارة الأميركية. حيث يتمّ الإعلان عن 1600 وحدة سكنية جديدة في القدس المحتلة ويكون تعليق باراك وزير الدفاع «المعتدل!!» هو الاعتراض على التوقيت وليس على البناء، وتتواصل عمليات هدم المنازل العربية في القدس وتتكرّم واشنطن بطلب إيضاحات، ويصرّح الوزير «إسرائيل» كاتس بأن حلّ مشكلة غزة هو بتصدير المشكلة إلى مصر ومطالبتها بتحمّل المسؤولية هناك، وتصمت واشنطن، ثم يكرّر وزير الخارجية ليبرمان الأمر نفسه داعياً أيضاً إلى تبادل الأرض والسكّان مع الضفة الغربية، أي إلى التخلّص من عرب 48 أو جزء كبير منهم في أيّ تسوية قادمة.

لكن الأهمّ جاء من قلب معسكر نتانياهو وليس من حلفائه في الوزارة مثل ليبرمان. فها هو كبير مستشاريه ورئيس مجلس الأمن القومي في مكتبه «عوزي آراد» يضع الأمور «على بلاطة» كما يقولون. ويقول لمن لا يريد أن يسمع «لا لحلّ الدولتين» لأن إقامة أيّ دولة فلسطينية هو تهديد لشرعية «إسرائيل»، ويرفض ما دعا إليه باراك وأيّدته تسيبي ليفني زعيمة «كاديما» من حاجة «إسرائيل» لمبادرة سلمية تردّ بها على الحصار والعزلة التي تعاني منهما.

ولا يكتفي المستشار الأقرب لرئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنسف الأساس التي تقوم عليها جهود الإدارة الأميركية، بل يفتح الباب لما هو أخطر حين يقول: «إن الأميركيين عندما يتحدثون عن خيار عسكري ضد إيران أو غيرها، لا يسألهم أحد إن كان ذلك شرعياً أم لا، بل يكون السؤال هو: هل يفيد ذلك مصالح الغرب أم لا؟ وعليه فإن «إسرائيل» - كما يقول عوزي آراد - يجب أن تتعامل بالمثل، ويجب أن يتمّ فهم دوافعها القومية والأمنية وليس التمييز ضدّها»!!.

لم يكن الحديث عن تصدير مشكلة غزة إلى مصر رأي شخصي لوزير «إسرائيلي» متطرّف، ولا هو فقط محاولة للضغط على مصر، أو لتبرير استمرار الحصار تحت لافته مزوّرة تحمل اسم «تخفيف الحصار أو تجميله»، إننا أمام موقف متكامل يرفض الدولة الفلسطينية من حيث المبدأ ويعتبر قيامها تهديداً لوجود «إسرائيل»، ويكرّس انفصال غزة عن الضفة وتحميل مصر مسئولية القطاع المحتلّ ثم يطلب «كارت بلانش» أي بتفويض كامل بحرب تشنّها «إسرائيل» دون أن يسألها أحد عن مشروعيتها كما لم يسأل أحد أميركا عن مشروعية حرب شنّتها على العراق، أو حرب ربما تشنّها على إيران.

ماذا ستفعل الإدارة الأميركية إزاء ذلك؟ وهل ستتّخذ موقفاً حاسماً إزاء حكومة نتانياهو؟ وهل ستعلن مقترحاتها للتسوية القائمة على حلّ الدولتين وتطلب من العالم المصدوم بجرائم «إسرائيل» أن يؤازرها لتضع الحلّ موضع التطبيق؟ لا شيء من هذا سيحدث. وستتمركز الجهود الأميركية على استمرار التفاوض وهي تعرف أنه لن يؤدّي لشيء، وستهلّل لتخفيف الحصار عن غزة باعتباره خطوة على الطريق الصحيح، وستمارس الضغوط على السلطة الفلسطينية لكي تعتبر رفع بعض الحواجز مبرّراً للاستمرار في لعبة التفاوض، وستمارس الضغوط على العرب للموافقة على مدّ التفاوض منعاً لانفجار الموقف، وستفعل المستحيل من أجل تحقيق التسوية الشاملة للنزاع بين «إسرائيل» وتركية، بينما نظلّ نحن منهمكون بكل همّة لتحقيق المصالحة الفلسطينية وتبادل المعتقلين بين فتح وحماس وانتظار مبادرة أخرى لرئيس أميركي آخر، وسلام عليكم، عليكم السلام!!.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 43 / 2176761

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2176761 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40