الجمعة 26 تموز (يوليو) 2013

تونس وشرارة الاغتيال

الجمعة 26 تموز (يوليو) 2013 par أمجد عرار

جريمة اغتيال المناضل القومي التقدمي التونسي محمد البراهمي هي الثالثة في غضون تسعة أشهر، بعد اغتيال رفيقه في الجبهة الشعبية التونسية شكري بلعيد في 6 فبراير/شباط الماضي، وقبله القيادي في حركة “نداء تونس” لطفي نقض في 19 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي . في الحالات الثلاث، خرج النظام الحاكم ببيانات تتحدّث عن معطيات “مهمّة” في التحقيقات الأولية، والتي يبدو أنها ستبقى أولية .

البراهمي ليس مجرد ناشط فيسبوكي لا يحفظ من فلسفة الثورة سوى هتاف “الشعب يريد إسقاط النظام”، وليس في سيرته الذاتية دورة في “الديمقراطية” أو “التنمية” أو الإعلام أو تقنية “الميديا”، إنما هو سياسي قومي وإنساني كان فكره دائماً يتبع البوصلة حين تتّجه إلى فلسطين، ويستلهم من التراث الإنساني وفكر جمال عبدالناصر زاداً أيديولوجياً يشع نوراً وحرية .

البراهمي أقدامه مزروعة في تونس التي لم يغادرها إلى لندن أو باريس أو غيرهما من دول الاستعمار القديم، بل ناضل بكل جرأة ضد دكتاتورية النظامين السابقين اللذين سجناه ولاحقاه لكنّهما لم يقتلاه . تونس التي فرح العرب من المحيط إلى الخليج بثورتها النقية النظيفة التي أرست الأساس للاحتجاج السلمي الذي وضع الوحدة الوطنية التونسية في حدقات العيون، باتت تعرف الاغتيال السياسي، بعد أن خرجت خفافيش الظلام من زواياها المعتمة، فلا تستفيد من النور سوى سلوك الطريق الموصل للمناضلين لاغتيالهم، فقط لأنهم يرفضون المنهج الظلامي في حكم الشعوب .

فات مطلقي النار القاتلة على البراهمي، أن يتذكّروا أن البراهمي هو ابن سيدي بوزيد التي خرج منها محمد البوعزيزي محرقاً نفسه ومتسبباً بانتفاضة أسقطت النظام، وأنه رفيق للشهيد شكري بلعيد الذي شيعه التونسيون في جنازة ضمت أعداداً أكثر ممن شاركوا في الثورة التي أسقطت زين العابدين بن علي . هؤلاء يعرفون المعنى الكامن في ثقافة الاغتيال السياسي، وما يمكن ان يتمخّص عن السكوت عليها، وكذا النتائج المترتبة على كنس الفشل والإخفاقات والانتهاكات تحت السجادة، ولذلك فإنهم بدأوا عصياناً مدنياً حتى إسقاط حكومة حركة “النهضة” التي تتقن لعبة ركوب الأمواج أكثر كثيراً مما تعرف من أبجديات العمل السياسي .

تعلمنا من آبائنا وأجدادنا الفلاحين مثلاً يقول “إذا امطرت في بلاد فبشّر بلاداً” . وتعلّمنا من الناطقين باسم “الربيع العربي” أن الكلام عن “تونس ليست مصر” لا يستحق سوى التنكيت والتندّر، أي أن “الحال من بعضه” . مصر نجحت في تصحيح المسار الذي انحرف عن انتفاضة “25 يناير” واستعادت المعنى المسروق من انتفاضة شعب حقيقية حضر فيها الفعل الوطني والقومي بقوة، وغابت عنها تماماً أية رائحة للإسلام السياسي .

لن ينفع قادة “النهضة” كل التهويل والاستهتار المفتعل المغلّف بقلق حقيقي مبرر، لن ينفع في وقف إرادة الشعب التونسي المصمّم على استعادة ثورته، وبالسلمية ذاتها التي اطلقها بها، مهما تمادى المجرمون في الاغتيالات الجبانة . من هنا جاء العصيان مكمّلاً ل “التمرّد” .

اغتيال البراهمي يقول ليس بالفم الملآن فحسب، إنما بالمسدّس الملآن، إن كاتم الصوت هو الوسيلة الحقيقية لديمقراطية الظلاميين . أما كون جريمة الاغتيال هذه هي الثالثة في غضون تسعة أشهر، فهذا يعني أن الديمقراطية بلا أمن مثل الطرحة البيضاء على رأس عروس ميتة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165266

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2165266 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010