الخميس 25 تموز (يوليو) 2013

الإخوان المسلمون: الغاية تبرر الوسيلة

الخميس 25 تموز (يوليو) 2013 par د. فايز رشيد

بعد إرسال مندوبهم إلى قصر الاتحادية، تنكر الإخوان لوعودهم كافة، وحاولوا السيطرة على كل المناصب في مصر، وعملوا على أخونة الدولة، وأرادوا فرض نهجهم الاجتماعي على الجوانب الاجتماعية الحياتية على الشعب المصري. ليس ذلك فقط وإنما حَلّلوا كل الموانع السابقة التي تمثلت في: استمرار عقد الاتفاقيات مع الولايات المتحدة، وإبقاء معاهدة كمب ديفيد مع إسرائيل.
لو لم يقل ميكافيلي جملته المشهورة التي تحولت إلى مبدأ حياتي، لخطّ الإخوان المسلمون هذه الجملة، فهم منذ بدايات تشكيلهم في عام 1928 حتى هذه اللحظة، يتصرفون ويمارسون وفقًا لهذا المبدأ. نقول ذلك من جملة تجارب لهم في الحكم في بعض الدول، ومن ممارساتهم بعد خلعهم عن الحكم في مصر. إن ما يجري في سيناء من عمليات عسكرية ضد الجيش والشرطة المصرية في سيناء على أيدي التنظيمات السلفية الحليفة للإخوان في مصر، ارتفعت حدته بعد قيام الجيش وبناء على تظاهرات غالبية المصريين المطلقة في القاهرة والمدن الأخرى، بتنحية مرسي من منصبه، ووضع “خطة مستقبل” تضمن لكافة ألوان الطيف السياسي المصري (بما في ذلك الإخوان المسلمون) المشاركة في العملية الديمقراطية، التي تتجلى في الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة ولجنة إعداد الدستور. برغم تجربة الإخوان السوداء خلال عام من حكمهم لمصر، وبرغم المآسي والزلازل التي سببوها لأكبر بلد عربي، لم يضع لا الجيش ولا القوى الأخرى، فيتو على الإخوان المسلمين. الهجومات في سيناء تتزامن مع إشاعات يقوم الإخوان بترويجها مثل: وجود انشقاق في الجيش المصري، إضافة إلى التحريض المستمر ضده، والدعوة إلى تفكيكه وغير ذلك من الوسائل (وكأنه جيش إسرائيل) مع علمهم أنه لولا هذا الجيش لكان من الصعب على الإخوان تسلم منصب الرئاسة في مصر، بعد فوز مرسي بنسبة 50.8% في الانتخابات. لولا هذا الجيش لدخلت مصر حربًا أهلية لا تُبقي ولا تذر. لم يفز مرسي بأصوات الإخوان المسلمين في مصر، وإنما أيضًا بتصويت القوى الوطنية والقومية الناصرية والديمقراطية واليسارية له، وقد أرادت كل هذه القوى قطع الطريق على مرشح الفلول، وهي صدّقت ووثقت بما أعلنه الإخوان عن حرصهم على مشاركة كافة القوى في الحكم: مجلس رئاسي، عدم السيطرة على مجلس الشعب وكل المؤسسات التشريعية والتنفيذية الأخرى.
بعد إرسال مندوبهم إلى قصر الاتحادية، تنكر الإخوان لوعودهم كافة، وحاولوا السيطرة على كل المناصب في مصر، وعملوا على أخونة الدولة، وأرادوا فرض نهجهم الاجتماعي على الجوانب الاجتماعية الحياتية على الشعب المصري. ليس ذلك فقط وإنما حَلّلوا كل الموانع السابقة التي تمثلت في: استمرار عقد الاتفاقيات مع الولايات المتحدة، وإبقاء معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل, وإجراء الحوارات الكثيرة مع الدول الغربية، وقطع العلاقات نهائيا مع سوريا. عملوا على تكميم الأفواه في الداخل وقمع الحريات، والتهديدات المستمرة بالسجن والمحاكمة للمعارضة. تلك هي التهديدات التي أطلقها مرسي بحق المعارضة. التجارب الأخرى للإخوان في دول أخرى، تساوقت مع الخطوات التي اتخذها الإخوان في مصر. حماس تنكرت للدعم السوري لها من سوريا وإيران وحزب الله. امتلكت استعدادًا لعقد هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل. حركة النهضة في تونس لم توافق على أن يتضمن الدستور التونسي فقرة: تجرم التطبيع مع إسرائيل، ولا مانع لدى راشد الغنوشي من إلقاء محاضرة في معهد صهيوني في الولايات المتحدة. أردوغان وحزبه وبعد إقامة علاقات ممتازة مع سوريا، حولا تركيا إلى مقر رئيسي لكل الحركات السلفية التكفيرية وتسلل مسلحيها إلى سوريا. اتفاق الإخوان في العراق مع الحكومة التي أقامها بول بريمر بعد غزو هذا البلد. في ليبيا جاءت كل الممارسات للاتجاهات الإسلامية متوائمة مع سياسات الإخوان في دول ما يسمى بالربيع العربي، والتي تسلموا فيها الحكم. هذه هي الملامح المشتركة لسياسات الإخوان في البلدان التي تسلموا فيها السلطة خلال الفترة الماضية، الأمر الذي يؤكد:
أولًا: عدم الثبات الاستراتيجي للإخوان على ما يعتنقونه من أيديولوجيا إسلامية، فلا مانع من قلب اتجاه الشعارات السابقة، والممارسة بما يتناقض تمامًا معها. فشعارات مثل: “إزالة إسرائيل من الوجود”، و“إلغاء اتفاقية كامب ديفيد” و“محاربة التطبيع” هي شعارات مطاطة قابلة للتغيير، خدمت الإخوان أيام وجودهم في المعارضة، أما في حالة تسلمهم للحكم، فتصبح هذه الشعارات “غير صالحة” للمرحلة الجديدة. كما يمكن عقد هدنة مع الكيان الصهيوني، وملاحقة كل من يريد الاستمرار في المقاومة من التنظيمات والفصائل الوطنية الأخرى، وغير ذلك من الممارسات: الموقف من سوريا بعد تسلمهم للحكم، والتنكر للماضي بكل أبعاده ومعطياته السياسية. في العادة فإن الأحزاب الأيديولوجية تمتلك استراتيجية ثابتة لا تتغير أو تتبدل. تمارس هذه الأحزاب تكتيكًا سياسيًّا لكن من أحد شروطه الرئيسية أن يكون هذا متوائما مع الاستراتيجية الثابتة المحددة للحزب، وإن كانت عكس ذلك فهي ستعتبر خيانةً للاستراتيجية. الإخوان يدعون امتلاك هذه الاستراتيجية لكنهم في الحكم يمارسون عكسها.
ثانيًا: محاولة إعطاء التبرير الديني للمسلكيات السياسية والاقتصادية الجديدة، من خلال الفتاوى الدينية. لقد سبق لشيخ الأزهر الأسبق أن قام بتحليل توقيع معاهدة كامب ديفيد للسادات. ندرك أنه لم يكن إخوانيًّا. الشيخ اعتمد على الآية الكريمة “وإن جنحوا للسلم، فاجنح لها”. لقد نسي أو تناسى الآيات الكريمة التي تحث على قتال الأعداء وهي كثيرة. ما نراه اليوم من فتاوى كثيرة للإخوان تتماهى مع الفتوى السابقة، الفتوى “بالجهاد في سوريا حاليًّا أولى من الجهاد في فلسطين”. الديون التي تحاول السلطات أخذها في العهود السياسية السابقة في دول ما يسمى بالربيع العربي، هي حرام قطعًا أما الديون لسلطات الإخوان المسلمين فهي ليست ربا وإنما “مرابحة”، بغض النظر أن الدين مأخوذ من نفس الدول والمؤسسات الاقتصادية. الفتوى بجواز التحالف مع السادات (الذي وقع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل) بهدف الانقضاض على كل التيارات والأحزاب الوطنية الأخرى. وغير ذلك من الفتاوى. بالتالي: بماذا يختلف الإخوان المسلمون عن فقهاء السلطة الذين تعتمد عليهم حكومات دول عربية وإسلامية كثيرة لتبرير موبقاتها بحق الشعوب والأقطار.
ثالثًا: عدم التفريق بين التناقضات. أي بين التناقض الرئيسي والآخر الثانوني. التناقض الرئيسي التناحري هو بين مشروعين، وهو في العادة يُمارس ضد الأعداء، ويعتمد على الوسائل العنفية، باعتبارها العامل الحاسم في حل هذا التناقض، أما التناقضات مع القوى والأحزاب الأخرى في نفس البلد وبين أبناء الشعب الواحد مهما اختلفت البرامج بين الحزب (إخواني او غيره) وغيره من القوى المحلية، فيظل في الإطار السلمي، وأدواته الوسائلية: الديمقراطية والحوارية ولا يجوز لهذا التناقض أن يجري فيه استخدام العنف والدموية. الإخوان لا مانع لديهم من استعمال العنف ضد الجيش المصري (كما يحدث الآن من عمليات ضد الجيش المصري والشرطة في سيناء) والجهات التي تقوم بها هي أطراف قريبة من الإخوان المسلمين. الجيش كشف النقاب عن أسلحة، وقنابل وغيرها كانت في طريقها إلى ميدان رابعة العدوية. مثل آخر هو الهجوم بالمولوتوف على دار الحرس الجمهوري، استعمال الأسلحة البيضاء في الهجوم على المعارضة بالقرب من جامعة القاهرة.
رابعًا: جواز الدعوة للتدخل العسكري الأجنبي من أجل إحداث التغيير في البلد. نقول ذلك وفي الذهن: الدعوات الكثيرة من قبل الإخوان للولايات المتحدة ودول الناتو من أجل التغيير في ليبيا، وأيضًا من أجل إحداث التغيير في سوريا. الدعوة للتدخل في العراق، إن هذا لا يجوز مطلقًا ففي ظل التدخل الأجنبي الذي هو في جوهره: احتلال الأرض واغتصاب لإرادة الشعب، فمن واجب كل القوى الوطنية في هذا البلد إلغاء تناقضاتها والدفاع عن حرية هذا البلد الذي هو وطن الجميع.
يبقى القول: إن ما سبق ليس براجماتية فهذه تجلب الدمار أيضا، لكن ما يمارسه الإخوان المسلمون هو وفقًا لمبدأ: الغاية تبرر الوسيلة، وهذا مبدأ انتهازي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 63 / 2177870

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2177870 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40