الأربعاء 17 تموز (يوليو) 2013

القدس.. ومؤتمر الوحدة الإسلامية

الأربعاء 17 تموز (يوليو) 2013 par نافذ أبو حسنة

القدس بمسجدها الأقصى المبارك هي المقدسة بأمر الله، والمباركة وما حولها بالأمر الإلهي أيضاً، فقد ورد ذكرها في مطلع سورة الإسراء سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله، ويعتقد عدد من المفسرين أنها ذكرت في سور أخرى من القرآن الكريم، كما أنها شغلت حيزاً من الأحاديث النبوية الشريفة التي بيّنت مكانتها، ودعت إلى الرباط فيها وعمارة مسجدها، والقدس هي أولى القبلتين، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومنها كان معراجه إلى السماء، فلا جدال في مكانتها الإسلامية، ولا شيء يبرر التقصير المزمن تجاهها من قبل المسلمين أفراداً وجماعات.

ومما يدمي القلب حقاً، ويثير الكثير من الأسئلة، تناسب هذا التقصير طرداً مع المخاطر التي تواجهها المدينة المقدسة، ومسجدها الأقصى المبارك، فمع شروق كل شمس تترى الأخبار عما يقوم به الاحتلال الصهيوني الغاشم، من عمليات تهويد للقدس، وتغيير لمعالمها، حتى وصل الأمر حد الحديث العلني عن تقاسم الحرم القدسي بين المسلمين واليهود، في حين يوزع الصهاينة صوراً ومشاهد للمدينة، وقد غيب منها الأقصى وحل مكانه الهيكل.

مقابل ذلك لا نلحظ في طول العالم الإسلامي وعرضه تحركاً جاداً حقيقياً لإنقاذ القدس؛ تحركاً ينطلق من وعي مكانة المدينة وقداستها، وأولوية قضيتها بما هي جزء من عقائد المسلمين الذين يقرأون كتاب الله، وحديث رسوله الكريم.

مثل هذا التحرك واجب على المسلمين وليس ترفاً، وهو يتطلب حشد قواهم جميعاً وتوحدهم في خدمة قضية كانت وما زالت، واحدة من أهم قضاياهم، ومحل تجميع وتحفيز ينهي الفرقة والتنابذ، والانشغال بقضايا هامشية.

يبدو غريباً حقاً ألا يجري الالتفات إلى القدس اليوم، وهي تواجه الكم الكبير والمعروف من المخاطر، في حين نجح المسلمون، وبهمة رجال كبار من رجالاتهم، في التحشد من أجل الدفاع عنها مع بدايات العدوان عليها.

عام ألف وتسعمئة وثمانية وعشرين استطاع الحاج أمين الحسيني؛ رئيس المجلس الإسلامي الأعلى ومفتي فلسطين، عقد المؤتمر الإسلامي الكبير، من أجل الدفاع عن القدس والأقصى، وصدرت عن المؤتمر قرارات هامة، من بينها إنشاء جامعة إسلامية في القدس، وتشكيل لجان حماية للمسجد الأقصى من المخاطر التي تتهدده، وجرى الشروع في تنفيذ تلك المقررات، قبل أن تصطدم جهود الحاج أمين بسلطات الاحتلال البريطاني، التي طاردته ومنعته من إكمال ما بدأه، وفي العام التالي شهدت القدس “هبة البراق” التي ارتقت إلى شبه ثورة دفاعاً عن القدس في وجه محاولات الصهاينة للتعدي عليها وعلى مسجدها.

وعى الحاج أمين مبكراً أهمية الحشد الإسلامي من أجل القدس، فشرع في الإعداد لمؤتمر كبير آخر، يجمع فيه علماء المسلمين ورجالاتهم من كل أنحاء العالم، فكان المؤتمر الإسلامي العام الذي عقد عام ألف وتسعمئة وواحد وثلاثين، في مدينة القدس، ولم تكن القرارات الصادرة عنه أقل أهمية من تلك التي اعتمدها المؤتمر الأول، وكانت للحقيقة أكثر عملية، ومنها تأسيس بنك الأمة الإسلامية لحماية الأراضي في فلسطين، والفتوى بتحريم تسريب الأراضي للغزاة، كانت القرارات التي اعتمدها المؤتمر بعد انعقاده لعشرة أيام، على درجة عالية من الأهمية، ومن زوايا متعددة، فقد شددت على مكانة القدس وفلسطين الدينية، بوصفها أرضاً إسلامية مقدسة، واعتبرتها قضية المسلمين جميعاً، ووضعت خططاً عملية لتنفيذ مشاريع الدفاع عن فلسطين.

مارست سلطات الاحتلال البريطاني المنتدبة على فلسطين آنذاك، كل ما من شأنه إعاقة جهود الحاج أمين، واللجان التنفيذية للمؤتمر، ولم توفر في ذلك نفوذها في بعض البلدان الإسلامية، لكي تسلط البعض على مهاجمة الحاج أمين والمؤتمرين في المدينة المقدسة.

رصدت مؤلفات عديدة وقائع المؤتمر الإسلامي العام والقرارات التي صدرت عنه، وأبرزت أهميته، وبينت نجاحاته المتعددة، وفي طليعتها النجاح في جمع ممثلين من كبار العلماء للمسلمين في كل أنحاء العالم الإسلامي، في مدينة القدس، تكريساً حياً وعمليا لوحدة الأمة الإسلامية البديهية والطبيعية، والتقائها حول قضية تهم كل مسلم، حيثما وجد.

من بين هذه المؤلفات القيمة، ما أنجزه الدكتور محمد حافظ يعقوب، بعنوان: “في مواجهة العزلة.. القدس والنجف في المؤتمر الإسلامي العام 1931”، ووفق ما أورده د. يعقوب، فقد حضر المؤتمر 153 مندوباً يمثلون 22 بلداً عربياً وإسلامياً، ومنهم الشيخ محمد رشيد رضا، الإمام محمد حسين آل كاشف الغطاء، الشيخ محمد مصطفى المراغي، السيد محسن الأمين، الشيخ مفتيج سالم (رئيس مجلس علماء البوسنة والهرسك) الشيخ محمد عبد اللطيف دراز، الشيخ محمد الغنيمي التفنازاني، عبد العزيز الثعالبي، مولانا شوكت علي، غلام رسول مهر، عبد الرحمن صديقي، الشاعر محمد إقبال، الشاعر محمد بهجة الأثري، شكري القوتلي، سعد الله الجابري، رياض الصلح، عمر الداعوق، محمد جميل بيهم، علي ناصر الدين، مصطفى الغلايني، سعيد الشيخ ثابت، محمد بنونة، محمد علوبة باشا، عبد الرحمن عزام، الأمير سعيد الجزائري، خير الدين الزركلي، محمد عزة دروزة، عجاج نويهض، ووفود من سيلان وكاشغر والقفقاس وجاوه ونيجيريا وأورال وألبانيا ويوغوسلافيا، وكامبالا وأوغندا وأميركا الشمالية والجنوبية والهند، وشارك في المؤتمر رئيسان سابقان للحكومة، هما حسن خالد باشا من الأردن، وضياء الدين الطباطبائي الصدر الأعظم الأسبق لإيران، في حين مثل محمد بن محمد زبارة إمام اليمن، والشيخ كامل القصاب الملك ابن سعود.

ويرد في دراسة د. يعقوب، أن الإمام محمّد حسين آل كاشف الغطاء، ألقى كلمة شاملة أشار فيها إلى الوحدة الإسلامية وضرورة تمكينها، وأسهب “بشأن الدسائس الخاطئة التي أحاطت بالمؤتمر”، وفي كلمته فسّر الإمام كاشف الغطاء قوله تعالى باركنا حوله بأن “البركة ليست في وجود الأشجار والأنهار، وإنما في مثل هذا الاجتماع الّذي ضمّ علماء العالم ومشاهيره”، وفي يوم الجمعة التالي، الموافق لأول شعبان، كان الحدث الكبير وقوف “سماحة المجتهد الكبير الحجة العلاّمة محمّد حسين آل كاشف الغطاء إمام الشيعة” في المسجد الأقصى ليؤم جموع المصلين الّذين بلغ عددهم زهاء عشرة آلاف مصل.

أشار كثير من المؤرخين إلى أهمية الالتفاتة التي قام بها الحاج أمين الحسيني، والناجمة عن إدراكه أهمية الوحدة الإسلامية، من حيث المبدأ، وتضاعف أهميتها بخصوص قضية فلسطين والقدس.

من الهام الانتباه إلى أن محاولات إعاقة عقد المؤتمر، لم تتأسس على موقف مذهبي، بل نجمت عن استجابة لضغوط بريطانيا التي لم يرضها أبداً اجتماع المسلمين في القدس، نصرة لها ولفلسطين، فهو اجتماع من شأنه التأثير على مخططات بريطانيا الهادفة لإنجاح المشروع الصهيوني في اغتصاب فلسطين.

ما أشبه اليوم بالأمس، اليوم هناك أيضاً من يناهض وحدة المسلمين واجتماعهم من أجل فلسطين، ولذلك يعمل على إشغالهم بالفتن، فهل من يمتلك اليوم جرأة الحاج أمين وصحبه، من أجل القدس وفلسطين ووحدة المسلمين، لا سيما الأخطار داهمة وشديدة؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 50 / 2178272

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178272 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40