الأربعاء 17 تموز (يوليو) 2013

واجهة سوداء لحكم شديد البياض

الأربعاء 17 تموز (يوليو) 2013 par فيصل جلول

كان وقع الصدمة هائلاً على الذين اعتقدوا أن انتخاب باراك أوباما لولايتين في البيت الابيض من شأنه أن يلقي ماءً بارداً على جذوة العنصرية اليومية التي تطال يومياً سود البشرة في بلاده . ولعل الذين اعتقدوا أن انتخابه يعكس رغبة أمريكية واضحة في طي صفحة التمييز العنصري الواقعي وليس القانوني، قد صدموا بقوة الأسبوع الماضي بعد النطق ببراءة جورج زيمرمان الحارس الليلي الأبيض الذي قتل مراهقاً أسود البشرة مفترضاً أنه جانح، فالجنوح بنظر هذا الرجل البدين قضية عرقية وليست اجتماعية .

البادي أن تفاصيل القضية في مراحلها كافة تفتل الرؤوس وتزكم رائحتها العنصرية الأنوف . فقد بدأت في فبراير/شباط من العام 2012 مع حارس متطوع أبيض البشرة جورج زيمرمان والده من أصل ألماني وأمه بيروفية . صادف ليلاً في سانفورد إحدى ضواحي فلوريدا ترايفون مارتن وهو مراهق أسود البشرة (17 عاماً) يحمل في يده بعض الحلوى فظن للتو أنه سارق واتصل برجال الشرطة لطلب الإذن بملاحقته فرفضوا طلبه، لكن هذا لم يمنعه من ملاحقة الشاب والتعارك معه ومن ثم قتله . لجأ ذوو ترايفون إلى القضاء الذي لم يأذن بسجن المتهم على ذمة التحقيق إلا بعد مضي 44 يوماً وبعد تظاهرات وضغوط شعبية . في هذا الوقت انتشرت القضية في وسائل الإعلام وتبين من التحقيق أن ترايفون لم يقترف أية جريمة وأنه قُتِل بريئاً . في هذا الوقت بدل المتهم استراتيجيته وزعم أنه قتل الضحية دفاعاً عن النفس . للفصل في هذه القضية، كان على المحكمة أن تختار هيئة محلفين بواسطة القرعة فشاءت الصدف أن يقع الاختيار على ست نساء متزوجات وبيض البشرة أيضاً، وكان الحكم ببراءة جورج زيمرمان بحجة الدفاع عن النفس . جاء ذلك في وقت حاول فيه الرئيس أوباما أن يضغط على المحكمة إذ صرح قبل صدور الحكم أنه لو رزق بولد ذكره لكان شبيها بترايفون مارتن غير أن تصريحه لم يغير مسار الحكم ببراءة القاتل قيد أنملة .

لا تحتاج قضية ترايفون مارتن إلى جهود فائقة من أجل تبيّن عنصريتها، فهي تنم عن تمييز عرقي يقيني ضد السود عبر عنه المخرج السينمائي الشهير مايكل مور بالقول: ماذا لو كان العكس هو الذي حصل في سانفورد؟ لاحاجة إلى إكمال العبارة وبالتالي استخلاص الجواب، فالقضية برأي مور كما كل المدافعين عن حقوق الإنسان، عنصرية وتستحق عقاباً شديداً وليس تواطؤاً من العدالة مع القاتل لأسباب عرقية حتى لاتبدو وكأنها تقول لمن يسمع إن بوسع رجل أبيض أن يقتل رجلاً أسود البشرة بحجة الدفاع عن النفس، وألا يدفع ثمن جريمته في حين أن رجلاً أسود البشرة لا يحق له أن يتسبب بأذى لرجل أبيض البشرة حتى لو كان يدافع عن نفسه وذلك تحت طائلة أقصى العقوبات .

ما من شك في أن الحكم ببراءة زيمرمان لن يطوي صفحة القضية التي يريد لها الناشطون الحقوقيون ومنظمات المساواة في الحقوق ومناهضة العنصرية أن تكون رمزية، الأمر الذي يفسر حجم التظاهرات الاحتجاجية التي انتشرت في نواح عديدة من الولايات المتحدة، والراجح أن تطالب هذه المنظمات فضلاً عن ذوي الضحية بإعادة المحاكمة وإعادة التحقيق في مجريات القضية من ألفها إلى يائها، من أجل وضع حد لسيرورة عرقية مفادها أن الأبيض سيد الأسود وأن السيد لا يحاكم إذا قتل شخصاً ملوناً أو احتقره أو نال من شرفه وكرامته، أو منعه من الحصول على حقه في سوق العمل أو المؤسسات التربوية والمساواة في المرافق العامة كافة .

وإذا كان من الصعب ضمان نتيجة هذا التحرك قياساً إلى تحركات سابقة، فإن الفشل ربما اختلف هذه المرة عن ذي قبل بكونه ينعقد على أزمة أمريكية اقتصادية وعلى تراجع في النفوذ العالمي . وفي هذه الحالة يمكن لذوي البشرة السوداء أن يهملوا ما قاله رئيسهم معلقاً على براءة زيمرمان من أن أمريكا دولة القانون وأنه بعد صدور الحكم لا يجوز لأحد التشكيك في سلامته، علماً أن القانون ينص أيضاً على المساواة بين الأعراق وهو لا يمنح البيض امتيازات دون غيرهم ويقيهم من العقاب إذا ما ارتكبوا جريمة، والقانون لاينص أيضاً على أن الأسود مجرم بدليل سحنته وليس بما فعله .

تبقى الإشارة إلى أن هذه القضية ليست الأولى من نوعها في عهد الرئيس أوباما الذي من المفترض أن يشهد مزيداً من المساواة ومزيداً من الإنصاف للسود الذين يحق لهم القول: لو كان الرئيس الأمريكي أبيض البشرة لرميناه بالعنصرية ولتسببنا بحرج له ولربما ضغطنا على أنصاره اتقاء من شر العنصريين . أما وأن رئيسنا أسود البشرة فهو بمواقفه الرخوة يغطي العنصريين في معرض التصدي لهم ويحكم بقواعد وأعراف بيضاء ووفق تقاليد حكم لا تخلو من التمييز العنصري .

بالمقابل لا يمكن لرئيس ملون البشرة الانحياز إلى بني جلدته تحت طائلة التمييز ضد البيض الذين يملكون القسم الأعظم من مراكز القوة والنفوذ في الولايات المتحدة، ولا يمكنه أيضاً تغيير العقول في فترة زمنية قصيرة ولا تحقيق المساواة التامة بعصاً سحرية، كل هذا معروف ومفهوم ولكن ما يصعب فهمه وتبريره هو أن يكون لون بشرته سبباً في تحفظه وسعيه الدائم لإرضاء البيض وإحباط السود الذين يدركون تماماً أن تعيين شخصيات سوداء في مراكز مهمة في الحكومة والدولة ليس اختصاراً للمساواة، فالأثرياء السود هم تماماً كالأثرياء البيض يحققون المساوة بواسطة ثرواتهم، وبالتالي فإن الحاجة الماسة هي قهر التمييز العنصري بغض النظر عن حجمه وموقعه وتاريخيته .

لا، ليس باراك أوباما منصة لحصول السود على حقوقهم، وليس رئيساً للمساواة بين العرقين، بل هو ببساطة تامة رئيس أسود البشرة بصلاحيات وقواعد حكم بيضاء البشرة . . إنه أشبه بالديكور الأسود في بيت أبيض تراه جماعات واسعة من السود رمزاً للتمييز والقهر ومقراً لم يأتهم يوماً بالعدالة والمساواة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2178077

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2178077 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40